المستضعفون
المنسيون في غوانتانامو
إلى
متى؟!
زهير
سالم
ثلاث
سنوات مرت ونحو ست مائة إنسان
منسيون في غوانتانامو، يتحاشى
الكثيرون ذكرهم أو التذكير بهم.
فلفظ (غوانتانامو) يثير الرعب
والهلع في قلوب الكثيرين، حتى
يحاول البعض أن يكني عنه، كما
يكني الناس عن الأمراض الخبيثة
فيقول أحدهم فلان مصاب (نسأل
الله العافية).
نزلاء
غوانتانامو هؤلاء من الذين لم
يعترف بهم الأمريكيون كأسرى
حرب، ليجردوهم من كثير من
حقوقهم الآدمية، وهم في حقيقة
الأمر مجموعة من المستضعفين في
الأرض، أو المعذبين في الأرض
على حد تعبير طه حسين، أو مجموعة
من (البؤساء) كما سماهم فيكتور
هيجو.. وهؤلاء المستضعفون الذين
تخلت عنهم الإنسانية أجمع حتى
دولهم وشعوبهم ليسوا في أمر
الإرهاب في عير ولا نفير، ولا
تربطهم بتنظيم القاعدة أي روابط
أو علاقات. الإدارة الأمريكية
تعرف هذا جيداً، وهي بعد ثلاث
سنوات من الاحتجاز في ظروف لا
إنسانية، والتحقيق بطرائق
تنتهك الآدمية، تصر على
الانتقام منهم بطريقة تزعم أنها
تمحو عنها عارها، وتدفع عن
شرفها!!
فلقد
أكدت التقارير الصادرة عن
واشنطن، وإسلام آباد، وكابول،
ولاهاي، حسبما نسبت صحيفة
الحياة اللندنية آخذة عن
نيويورك تايمز ووكالة الأنباء
الفرنسية إلى مسؤولين أمريكيين
رفيعي المستوى في الجيش
والاستخبارات ورجال القانون أن
الإدارة الأمريكية بالغت في
تصوير خطورة نحو 600 شخص معتقلين
في غوانتانامو وكان كبار
المسؤولين الأمريكيين يتمسكون
بخطورة هؤلاء المعتقلين، الذين
وصفهم نائب الرئيس الأمريكي ديك
تشيني بأنهم (الأسوأ بين
الكثير من السيئين..)
وأقر
العشرات من كبار العسكريين
ورجال الاستخبارات ومراقبي
تطبيق القانون في الولايات
المتحدة بأن على عكس ادعاءات
الإدارة: ليس في غوانتانامو
معتقل واحد يمكن تصنيفه كقائد
في القاعدة أو أحد كبار وجوهه
الميدانيين. وأكد هؤلاء
المسؤولون الأمريكيون إن
أفراداً معدودين على أصابع اليد
بين 12 و24 أكدوا انتماءهم إلى
التنظيم الإرهابي أو أظهروا
قدرة على شرح الخطط الداخلية
للشبكة.
من
الناحية الاستخبارية كما تقول
تقارير المسؤولين الأمريكيين
لم يوفر سجناء غوانتانامو سوى
معلومات محدودة الأهمية. وقد
طرحت التساؤلات عن جدوى
الاستمرار في اعتقال هؤلاء (المستصعفين)
بعد ثمانية أشهر فقط من بدء
المأساة الإنسانية التي فرضت
عليهم.
هذا
الواقع مقروناً بظروف الاعتقال
المهينة وأساليب الاستجواب
القاسية التي أباحت للمحققين
كما تقول التقارير الأمريكية
أيضاً أن يستخدموا الكلاب
لتعذيب المعتقلين، وأساليب
الإنهاك الجسدي والعصبي
والنفسي.. يتطلب مراجعة إنسانية
عالمية، وصحوة خاصة للضمير
الأمريكي الشعبي والرسمي على حد
سواء.
إن
هؤلاء المحتجزين الذين تثبت
التقارير والتحقيقات براءتهم
وتؤكدها يوماً بعد يوم، هم أشبه
بضحايا جرائم الشرف في عالمنا
العربي حيث تدفع الضحية حياتها
قبل أن تسأل أو أن تحاكم.
لقد
اعترف العالم بأسره مع الأسف
للولايات المتحدة بحقها في أن
تفعل بهؤلاء الأبرياء ما تشاء،
وأن تصب عليهم جام الغضب
والنقمة إرضاء لكبريائها
ولغرورها.. دون أن يتساءل أحد،
ولكن إلى متى.. إلى متى يحتجز
الأبرياء كما في سجون المستبدين
الصغار دون محاكمة أو مساءلة أو
مظلة لحقوق الإنسان.
سجن
غوانتانامو لن يكون في تاريخ
الإنسانية المعاصر أقل فظاعة أو
هولاً من محرقة النازي مع
اختلاف الظروف والأحوال.
نرفع
أصواتنا إلى الضمير الحر في
العالم أجمع: حاكموهم محاكمة
إنسانية عادلة أو أطلقوهم.
26
/ 6 / 2004
|