حضارة
السجون
(نص
من القرن الثاني الهجري)
أبو
يوسف القاضي يعقوب بن إبراهيم
إلى
الذين أسسوا بين ظهرانينا مراتع
الظلم والظلمات ، والى الذين
جاؤوا يعلموننا الحضارة
والديمقراطية في (غولاغ ابو
غريب) ننقل هذه النصوص الحضارية
عن القرن الثاني الهجري لفقيه
الاسلام وقاضي القضاة أبو يوسف
يعقوب ابن ابراهيم تقدم بها
دستوراً للخليفة هارون الرشيد
كبير ملوك الارض في عصره .
ننقل
عن الطبعة الخامسة للمطبعة
السلفية والمنشورة سنة 1396 هجرية
من الصفحات 161 وما بعدها من
كتاب (الخراج )
قال
أبو يوسف رحمه الله تعالى : أما
ما سألت عنه أمير المؤمنين من
أمر
أهل الدعارة والفسق والتلصص إذا
أخذوا في شيء من الجنايات
وحبسوا هل يجري عليهم ما يقوتهم
في الحبس؟ والذي يجري من الصدقة
أو من غير الصدقة ؟ وما ينبغي أن
يعمل به فيهم ؟
قال : لا بد لمن كان في مثل
حالهم إذا لم يكن له شيء يأكل
منه لا مال ولا وجد شيء يقيم به
بدنه أن يجري عليه من الصدقة أو
من بيت المال، على كل واحد منهم
ما يقوته ، فإنه لا يحل ولا يسع
إلا ذلك.
****
قال : والأسير المشركين لا
بد أن يطعم ويحسن إليه حتى يحكم فيه ،
فكيف برجل مسلم قد أخطأ أو أذنب :
أيترك يموت جوعاً؟ وإنما حمله
على ما صار إليه القضاء أو الجهل
.
****
(الانفاق
على السجين سنة ماضية منذ
الامام علي رضي الله عنه )
ولم
تزل الخلفاء يا أمير المؤمنين
تجري على أهل السجون ما يقوتهم
في طعامهم وأدمهم وكسوتهم
في الشتاء والصيف ، وأول من
فعل ذلك علي ابن أبي طالب كرم
الله وجهه في
العراق ، ثم فعله معاوية
في الشام ، ثم فعل ذلك
الخلفاء من بعده .
****
قال حدثني اسماعيل بن
ابراهيم بن المهاجر عن عبد
الملك بن عميرة قال : كان علي بن
ابي طالب إذا كان في القبيلة أو
القوم الرجل الداعر حبسه ، فإن
كان له مال أنفق عليه من ماله ،
وإن لم يكن له مال أنفق عليه من
بيت مال المسلمين ، وقال : يحبس
عنهم شره ، وينفق عليه من بيت
مالهم .
****
(عمر
بن عبدالعزيز ونزلاء السجون )
قال
حدثني بعض أشياخنا عن جعفر بن
برقان : كتب إلينا عمر بن عبد
العزيز (( لاتدعن في سجونكم
أحداً من المسلمين في وثاق لا
يستطيع أن يصلي قائماً ولا
تبيّتن في قيد إلا رجلاً
مطلوباً بدم ، وأجروا عليهم من
الصدقة ما يصلحهم في طعامهم
وادمهم ، والسلام ))
****
ترتيب
الانفاق على السجين كما رسمه
ابو يوسف القاضي:
فمر(الامر
لهارون الرشيد ليأمر ...)
بالتقدير لهم ما يقوتهم في
طعامهم وأدمهم وصير ذلك دراهم
تجري لهم كل شهر يدفع ذلك اليهم
، فإنك إن أجريت عليهم الخبز ذهب
به ولاة السجن والقوّام
والجلاوزة ، وول ذلك رجلاً من
أهل الخير والصلاح ، يثبت أسماء
من في السجن ممن تجري عليهم
الصدقة ، وتكون الأسماء عنده
يدفع ذلك إليهم شهراً بشهر ،
يقعد ويدعو باسم رجل رجل ، ويدفع
ذلك في يده ، فمن كان منهم قد
أطلق وخلى سبيله رد ما يجري عليه
، ويكون للإجراء عشرة دراهم في
الشهر لكل واحد ، وليس كل من في
السجن يحتاج إلى أن يجري عليه .
(حقوق
المسجونين الرجال والنساء في
الكسوة )
وكسوتهم
في الشتاء قميص وكساء ، وفي
الصيف قميص وإزار. ويجري على
النساء مثل ذلك وكسوتهن في
الشتاء قميص ومقنعة وكساء ، وفي
الصيف قميص وإزار ومقنعة .
وأغنهم عن الخروج في السلاسل
يتصدق عليهم الناس ، فان هذا
عظيم أن يكون قوم من المسلمين قد
أذنبوا واخطأوا وقضى الله عليهم
ما هم فيه فحبسوا في السلاسل
يتصدقون ، وما أظن أهل الشرك
يفعلون ذلك بأسارى المسلمين
الذين في أيديهم فكيف ينبغي أن
يفعل هذا بأهل الإسلام؟ وإنما
صاروا إلى الخروج في السلاسل
يتصدقون لما هم فيه من جهد الجوع
، فربما أصابوا ما يأكلون وربما
لم يصيبوا .
(كل ابن ادم
خطاء)
إن
ابن آدم لم يعر من الذنوب . فتفقد
أمرهم( الامر لهارون الرشيد )
ومر بالإجراء عليهم مثل ما فسرت
لك .
(حق السجين
الميت )
ومن
مات منهم ولم يكن له ولي ولا
قرابة غسل وكفن من بيت المال
وصلى عليه ودفن ، فإنه بلغني
وأخبرني به الثقات أنه ربما مات
منهم الميت الغريب فيمكث في
السجن اليوم واليومين حتى
يستأمر الوالي في دفنه وحتى
يجمع أهل السجن من عندهم ما
يتصدقون ويكترون من يحمله إلى
المقابر فيدفن بلا غسل ولا كفن
ولا صلاة عليه . فما أعظم هذا في
الاسلام واهله ؟!
(وجوب النظر
في ملفات أهل الحبس )
إنما
يكثر أهل الحبس لقلة النظر في
أمرهم ، وإنما هو حبس وليس فيه
نظر . فمر ولاتك جميعاً بالنظر
في أمر أهل الحبوس في كل الأيام
، فمن كان عليه أًدب أُدب
وأطلق ، ومن لم يكن له قضية خلي
عنه .
(ظهر المؤمن
حمى)
وتقدم
اليهم (أي تقدم يا أمير المؤمنين
إلى ولاتك ) أن لا يسرفوا في
الادب ولا يتجاوزوا بذلك إلى ما
لا يحل ولا يسع ، فإنه بلغني
أنهم يضربون الرجل –في التهمة
وفي الجناية- الثلاثمائة
والمائتين وأكثر وأقل ، وهذا
مما لا يحل ولا يسع . ظهر
المؤمن حمى إلا من حقٍ يجب
بفجور أو قذف أو سكر أو تعزير
لأمر أتاه لا يجب فيه حد ، وليس
يضرب في شيء من ذلك ، كما بلغني
أن ولاتك يضربون ، وان رسول الله
صلى الله عليه وسلم قد نهى عن
ضرب المصلين.
وهذا
الذي بلغني أن ولاتك يفعلونه (أي
ضرب المسجونين ) ليس من الحكم
والحدود في شيء ، ليس يجب هذا
على جاني الجناية الصغيرة ولا
كبيرة .
28/6/2004
|