في
معالجة العنف الداخلي
بين
منهجين
زهير
سالم
نقارن
بين ما يجري اليوم على أرض
العربية السعودية، وما جرى منذ
ربع قرن ، ومايزال في قطرنا
العربي السوري. نعترف بأننا غير
مطلعين على حقيقة ما يجري في
العربية السعودية بتفاصيله
الصغيرة، إلا أن العناوين
العامة للمنهج السعودي في
مواجهة الازمة تعتبر درساً
يستحق الوقوف عند ملامحه.
الملمح
الأول في هذا المنهج أن
القائمين على الأمر العربية
السعودية يبذلون جهوداً صادقة
لتطويق التفجرات العنيفة،
ومحاصرتها في أضيق دائرة،
ويتجنبون بشكل حاسم توسيع دائرة
الحريق، والزج بالقوى
الاجتماعية أو العقائدية في
أتونه. فإذا كان العنف الذي يجري
على أرض العربية السعودية عنفاً
فردياً، كما كانت الحالة في
العربية السورية، فإنه ينبغي أن
يبقى كذلك، وأن يحاسب المسؤولون
عنه بأشخاصهم لا بالقوى (العشائرية)
أو (الاجتماعية) أو (العقائدية)
التي ينتمون إليها. وهذا يؤشر
على مدى الجناية التي ارتكبها
بيان وزير الداخلية في سورية
ذلك البيان (البهت) الذي زج
بجماعة الإخوان المسلمين في
أتون معركة لا يد لها فيها، وشن
عليها بموجب ذاك البيان حرباً
شعواء، وتهدد باستئصال أعضائها
في الداخل والخارج على السواء!!
أو جناية ذاك الذي كان ينتقم من
المدينة بأسرها، أو من الحي
بجميع سكانه لأن طلقة خرجت من
بعض أطرافه. نهج يذكرنا بنهج آخر
يجري اليوم في محيطنا العربي.
الملمح
الثاني في المنهج السعودي، حضور
(خطة الإصلاح)؛ فالدولة التي
تنظر إلى جميع أبناء المجتمع
على أنهم أبناؤها، حتى عندما
يندفعون في طريق الخطأ أو
الخطيئة، تظل حريصة على استصلاح
هؤلاء الأبناء، وتفتح لهم
دائماً المخارج للفيئة
الكريمة، ولا تحاصرهم في زوايا
اليأس الضيقة والمميتة.
لجوء
أصحاب السلطان في العربية
السعودية إلى وساطة العلماء (الوسط)
والسماح لهم بأن يقوموا بدورهم
الإيجابي في تطويق الأزمة، وسحب
فتيلها، يدل دلالة أكيدة على
شعور متبادل بالانتماء إلى
المجتمع، يربط بين الحاكم
والخارجين عليه.
أصحاب
السلطان في العربية السعودية لا
ينتظرون (الذريعة) مهما كان
شأنها ليديروا رحى الموت على
جماجم مواطنيهم ، بل إنهم
يبذلون جهوداً حثيثة لمصادرة
هذه الذرائع وإغلاق أبوابها،
للخروج من المحنة بأقل الخسائر،
إذ في جميع المعارك البينية،
ليس هناك رابح أبداً، بل
الخاسر الأول هو (الوطن).
ودائماً
يُنتظر من صاحب القرار وصاحب
السلطان أن يكون الأكثر حكمة
والأكثر تعقلاً والأبعد رؤية،
لأنه في الأصل مناط المسؤولية
عن الجميع، حتى عن هؤلاء
الخارجين عليه، والمهددين
لوجوده. من مسؤوليته الشاملة
هذه تنبع شرعيته، فإذا تخلى عن
هذه المسؤولية تحت أي ظرف فإنما
يكون قد أسقط شرعيته، ونقض
الأساس الذي يقف عليه، وقوض
المظلة التي يستظل بظلها.
أن
يتصور صاحب السلطان أنه مطالب
بحماية فئة من المواطنين دون
فئة، وحزب دون حزب، وتيار دون
تيار.. أن يتصور نفسه ولياً لمن
ولاه عدواً لمن عارضه أو عاداه؛
فذاك يحوله به من ممثل للشرعية
بإطارها الواسع، ودوحتها
الباسقة إلى (ند) أو (مواز) لذاك
الذي خرج عليه أو عارضه، ولا نظن
أن صاحب سلطان يرضى أن يتخلى عن
شرعيته ليجعل نفسه (نداً) لحزب
أو مجموعة أو فرد مهما كان شأن
هؤلاء..
والملمح
الثالث في التجربة السعودية
سياسة (الباب المفتوح) لكل من
يريد أن يفيء.. فالمسؤولون في
العربية السعودية لا يشعرون
أنهم تخلصوا من بعض لحمهم
الوطني بوأده في القبور
الجماعية، أو بإلقائه في قعر
المظلمات، أو بالتطويح به وراء
الآفاق.. فأبواب المملكة كما
أبواب المجتمع ظلت حتى الآن
مفتوحة. والخطأ هناك مايزال تحت
السيطرة مقدراً بقدره وأصحاب
الكلمة في تشخيص الحالة هم (العلماء
الوسط)
الذين أطلقوا على الخارجين على
الدولة والمجتمع لقب (الفئة
الضالة) من غير تكفير ولا تخوين..
وحين
نقارن منهج النظام السوري في
التعامل مع الأزمة الداخلية بعد
ربع قرن ومنهج السلطات السعودية
ومايزال الجرح ساخناً والدم
سائلاً.. ندرك أن هناك فرقاً. فرق
كبير، ولكن أين يكمن هذا الفرق؟!
لا نظن أن الجواب على السؤال
سيكون عسيراً..
26
/ 7 / 2004
|