ليست
بداية جديدة
وإنما
هي استئناف المسيرة
واضح
أن الحركة الإسلامية في سورية
قد خرجت من قرارة (الأزمة) التي
حشرت فيها منذ ثلاثة عقود، بفعل
عوامل فرضتها السلطة السياسية
على الوطن أجمع، وعلى الحركة
بشكل خاص، فولدت نوعاً من
الرؤية، ودفعت إلى العديد من
المواقف والسياسات لم تكن أصلاً
في فقه الحركة ولا في برامجها.
ومهما قلنا عن إدارة (الأزمة)
وأساليب التعاطي معها، فإنها
تبقى في جوهرها الاستثناء الذي
يؤكد القاعدة ولا يتجاوزها.
لقد
نشأت الحركة الإسلامية في سورية
في ظل الدوحة الفكرية للإمام
الشهيد حسن البنا أولاً، ثم أسس
لبنائها المحلي علماء وفقهاء
ورجال دعوة وفكر، وقر العلم
والحكمة في قلوبهم، وامتازوا
بالبصيرة الثاقبة وبعد النظر،
وعمر نفوسهم الحب والسماحة، من
أمثال الدكتور السباعي المؤسس
والدكتور محمد المبارك
والأستاذ عمر بهاد الدين
الأميري والأستاذ عصام العطار
والشيخ محمد الحامد والشيخ عبد
الفتاح أبو غدة وآخرون من
الرجال الكبار الذين أخذوا
بزمام المبادرة فقادوا ركب
العمل الإسلامي في سورية من غير
تعجل ولا تعسف ولا انبتات.
كانوا
يعلمون أنهم يعملون لله، وأن
العمل لله محكوم بمقاصد الشريعة
وأحكامها، وقوانين الواقع
ومعطياته، فلم يكونوا قط
ملهوفين على نتيجة، أو متسرعين
لغاية.
ثم
كانت مرحلة (الأزمة) التي ألجئت
الحركة إليها كما أسلفنا فكانت
الحركة في خياراتها وتصرفاتها
في إطار قول القائل:
يقضى
على المرء في أيام محنته
حتى يرى حسناً ما ليس
بالحسـن
وإذا
كان من مقتضيات (البشرية) في
مسلاخيها الفردي والجماعي،
مجانبة السداد، والوقوع في
الخطأ، فلم يكن لحركة إسلامية
راشدة أو ناضجة أن تدعي (العصمة)
أو أن تلوذ بخيمتها، ولم يكن
لدعاة مسلمين يعلمون أنهم (يأكلون
الطعام ويمشون في الأسواق..) أن
يسلكوا سلوك المستبدين الذين
يقال لأحدهم (أنت.. أنت..).
وقديماً قال عمر في رسالته لأبي
موسى الأشعري (ولا يمنعك قضاء
قضيته بالأمس ثم راجعت فيه نفسك
أن تعود عنه فإن العودة إلى الحق
خير من التمادي في الباطل).
من
منطلق الرشد هذا بدأت الحركة
الإسلامية في سورية بطيفها
الديني الواسع عملية مراجعة
مبكرة اشترك فيها (العلماء
والفقهاء) و(رجال الفكر والرأي)
وكانت نتيجة هذه المراجعات أن
وضعت مرحلة الأزمة أو المحنة،
وفقهها بين (قوسين)، لتعمل
قيادات الحركة (العلمية) و(الفقهية)
و(السياسية) على الاستئناف من
حيث انتهى السباعي وإخوانه.
كانت
حركة التقويم والمراجعة حكيمة
ومنضبطة وركزت دائماً على أن
تبدأ من قواعد الحركة، بحكمة
ورفق وأناة نظراً لعمق الجراح
وشدة البلاء، وكان الانتقال إلى
العافية في جسم الحركة دليلاً
على قوة هذا الجسم وحيويته
وتماسكه.
وفي
سياق هذه المراجعات تجاوبت جميع
البنى الإسلامية لحركة
المراجعة هذه، ومن بينها جماعة
الإخوان المسلمين في سورية،
التي تمثل قوام العمل الإسلامي،
فأصدرت ميثاق الشرف الوطني،
تعاطت فيه مع الشأن الوطني بنهج
وأسلوب أعادا للحركة بهاء
ونضارة فقه السباعي. ثم ها هي
الآن تستعد لإصدار مشروعها
الحضاري الذي قال فيه فقهاء
الأمة من أمثال (القرضاوي) و(عبد
الكريم زيدان) والشيخ (فيصل
المولوي) آراءهم الناصعة التي
تؤيد وتدعم توجه الحركة
الإسلامية بشكل عام والإخوان
المسلمين منهم بشكل خاص. وإلى
جانب هاتين الورقتين انطلقت
حركة الإخوان على هدى الدكتور
السباعي في إقامة العلاقات ومد
الجسور، واطلاق الكلمة الجامعة
التي توحد وتصون..
على
هامش هذا الموقف الدعوي الأصيل
للحركة الإسلامية في سورية لا
بد من التأكيد على أن السلطة في
سورية لم تستطع حتى الآن
استيعاب هذه المتغيرات
الإيجابية في بنية الحركة وفي
رؤيتها وموقفها، وهي ـ أي
السلطة ـ ماتزال متأخرة عن
التفاعل الإيجابي مع هذه
المعطيات الذي يمكن أن يعزز
المسيرة الإيجابية لمصلحة
الوطن أجمع. لقد آن الأوان للذين
يراهنون على سورية بدون (حركة
إسلامية) أن يتأكدوا أن رهانهم
خاسر، وأن هذه الحركة ـ بغض
النظر عن التسميات والعناوين،
فلم تكن الحركة الإسلامية أبداً
جامدة عند اسم أو عنوان ـ هي
تعبير عن عقيدة دينية، وهوية
حضارية، وحالة فكرية
واجتماعية، وأنها في المجتمع (السوري)
كما هي في المجتمع (الفلسطيني) و(المصري)
و(الأفغاني) و(الشيشاني) و(التركي)
و(الإندونيسي) و(المغربي) وو..
الرقم الصعب، بل رقم المعادلة
الأساس الذي لا يمكن تجاوزه.
10
/ 6 / 2004
|