هل
تجرد الأقلية
الأكثرية
من هويتها
زهير
سالم
في وطن الحضارات، وفي ظل
شرعة السماحة تكثر الأقليات،
حضارات تركت من يدل عليها،
وأقوام منسيون خلفوا من يذكر
بهم، جذور بعيدة ممتدة في أعماق
الزمان والمكان. وسماحة الشريعة
والإنسان تجد التنوع في الحديقة
زيادة في الروعة والجمال،
والتعدد في حائط النخل غنى يعد
أصحابه بمزيد من الكفاية.
في وطننا العربي أو
الإسلامي، أقوام كثيرون مروا من
هنا: أصيل ووافد جعلت منه
السماحة أصيلاً. وإنسانية
الإنسان وكرامته كانت دائماً هي
الأعلى. في وطننا أقوام ولغات
ولهجات إلى جانب ملل ونحل
ومذاهب وديانات الكل ينغرس
بكرامة وكرم إلى جانب حائط
النخل أو بستان الورد الذي أينع
أو فوّح.
حقوق
كان وجودهم حقاً، وكان من
حقهم دائماً في شرعتنا البقاء،
لم يكن ذلك منة منا ولا فضل،
وإنما هو ميزة ميزتنا عن
الكثيرين. ومازال من حقهم أن
يعبروا عن وجودهم بالطريقة التي
يختارون، من حقهم أن يتكلموا
اللغة التي يريدون، وأن يلبسوا
الزي الذي يحبون، وأن يطلقوا
على أبنائهم ومدنهم الأسماء
التي يفضلون، من حقهم أن
يحتفلوا بأيامهم على طريقتهم،
وأن يغنوا على طريقتهم، من حقهم
أن يكون لهم بحرهم أو بحيرتهم
العلمية والثقافية، من حقهم أن
ينظموا الشعر وأن يبدعوا فيزياء
وكيمياء ورياضة.
من حقهم أن تكون لهم صومعتهم
وبيعتهم وصلواتهم ومساجدهم، من
حقهم أن يكون لهم سهمهم المشترك
في صنع العام من حاضر وطنهم،
وسهمهم الخاص في صنع الخاص مما
يليهم. هذا كله من حقهم لا
ينازعهم فيه إلا ظالم غشوم.
ولكن ليس من حقهم أبداً أن
يحرموا غيرهم شيئاً من حقوقه،
ليس من حقهم أن ينزعوا عن
البستان عنوانه، ولا عن
الأكثرية هويتها، ارضاء لغرور،
أو انسياقاً لنرجسية، أو
استغلالاً للحظة في التاريخ
يظنون أنها يوم سعدهم.
في كل بلاد الدنيا، وفي كل
أقطار الأرض سواد غالب وأقليات
متناثرة، كما أن لكل دائرة مركز
وهامش. وطننا حائط نخل، أو بستان
ورد، وهو في صيرورته عربي ولن
يكون غير ذلك. ولا ننظر إلى (سورية)
إلا على أنها محطة على طريق
الصيرورة الطويل. عروبتنا،
عروبة الشام منذ كان الحرف
والألفباء ليست حديث خرافة
وإنما هي واقع اليوم وأفق الغد.
في حديقة وردنا العربية
الإسلامية نتمنى أن يكون
الشركاء الأصيلون أزهاراً،
وأزهاراً فقط، وننظر إليهم كذلك.
هويتنا قادرة على نزع كل
الأشواك التي تحاول نزعها.
21
/ 9 / 2004
|