كونوا
أتباعي أو سأقطع رقابكم
زهير
سالم
تمثل تلك المقولة جوهر السياسة
الأمريكية في العالم. وهي
الترجمة المباشرة لمقولة
الرئيس بوش: من ليس معي فهو ضدي.
والمعية مع بوش لا تعني أكثر من
التبعية المطلقة والكينونة في
حيز تنفيذ الأوامر ولو على حساب
الذات أو حساب الشرف. حتى باول
وزير خارجية بوش لمزه بعض
المعلقين الأمريكيين بمثل هذه
التبعية المقيتة.
لا أحد من أهل منطقتنا يفكر
بعداوة أمريكا، ولا أحد يشعر أن
له عند ذلك العالم البعيد
البعيد، حسب وسائلنا نحن، لا
وسائل أمريكا، ثأراً يقتضيه أو
ضغينة ينفس عنها. بل كانت أمريكا
حتى وقت قريب في تصنيفنا موضع
امتياز خاص لكونها لم تشارك في
صراع التاريخ القديم أو الحديث
ولم تفرض الاستعمار علينا.
كثيرون كانوا يحاولون أن يقولوا:
إن أمريكا (حاجة تانية) وأن لهذا
العملاق غناه وكفايته ورغبته عن
السيطرة على مقدرات الشعوب.
تحفظ شعوبنا من أمريكا إعلان
ويلسون، وموقف ايزنهاور من
العدوان الثلاثي على مصر،
وتتذكر أكياس الدقيق التي كانت
تتسلل إلى الأفران حتى في عهود
أكثر حكامنا ثورية ونيلاً
إعلامياً من أمريكا.
حولت سياسات الإدارة الأخيرة
أو الإدارات التي عملت بعد سقوط
الاتحاد السوفييتي، أمريكا في
تصورات الإنسانية إلى غول جائع
مهتاج يتفنن خيال الأدباء
والفنانين كما خيال الأطفال
والنساء في رسم ملامحه. (الأمريكي)
في أذهان أبناء الإنسانية اليوم
هو ذاك الشرير القاتل الذي يهجر
بلاده ويقطع آلاف الأميال من
أجل برميل نفط أو حفنة دولارات
تجنيها إدارات الشركات
المتعددة الجنسيات.
بالعودة إلى أصل الفكرة التي
نحن بصددها، ليس فينا من يشتري
عداوة الولايات المتحدة أو يسعى
إليها، ولكن الولايات المتحدة
هي التي تفرض عداوتها علينا
وعلى العالم، هي التي تريد أن
تجعل سكان الأرض عبيداً دخولاً،
دون أن تسمح لأي رأس أن يرتفع في
حضرتها.
وتهمة (الإرهاب) جاهزة لكل من
يخالف الإدارة الأمريكية برأي
أو اجتهاد أو موقف، نظاماً كان
أو جماعة أو فرداً. حتى الشركاء
التاريخيين في الأطلسي، وحلفاء
الأمس في الحرب الثانية لم
يسلموا من عداوة تفرضها الإدارة
الأمريكية عليهم.
والغريب أنه بعد إلصاق تهمة
الإرهاب بأمة أو دولة أو جماعة
أو فريق تُستحل في التعامل معه
كل المحرمات، وتسقط كل القوانين
والقيم ويبقى الوحش طليقاً فيما
يأتي وفيما يدع. أفغانستان
ـ العراق ـ غوانتنامو ـ أبو
غريب كلها أمثلة على إدارة الشر
الأمريكية التي لا قرار لها ولا
أفق. ألم يكن هذا الوضع هو جوهر
شكوى الأمين العام للأمم
المتحدة الذي نطق بعد صمت يتلمس
القانون في هذا العالم.
وفي عالم لا قانون فيه غير
قانون القوي وإرادته لن ينفعنا
نواح الحمام، كما لن تنفعنا
أيضاً السياسات المستهترة
المتهورة. إنما الذي ينفعنا مد
الجسور وبناء الشراكات.
في العالم اليوم أخيار كثيرون
ينظرون إلى الإدارة الأمريكية
نظرتنا بعضهم داخل الولايات
المتحدة نفسها، وبعضهم في شرق
العالم أو غربه وبعضهم بين
ظهرانينا على طرف بساطنا.
وليكن أول الثوابت امتصاص
العداوة ورد العدوان، والصف
الموحد وأن نكون قادرين على جعل
العالم يتفهمنا.
23
/ 9 / 2004
|