الانتفاضة
بين
الزمني والمطلق
زهير
سالم
كثيرة هي عمليات التقويم
المجحفة للانتفاضة الفلسطينية
في عامها الخامس. عقول صغيرة
تجزيئية تتظاهر بالموضوعية
والعلمية والسدادية وهي تحاول
أن توازن الفعل بالنتيجة
معزولين عن سياقهما
وصيرورتيهما التاريخية المطلقة.
المقاومة ـ بكل أشكالها ـ هي
جدلية الاحتلال ولزيمته، طالما
أن هذه الاحتلال قد تم على أرض
حية وبين ظهراني قوم أحياء. حين
يغزو كائن غريب جسداً حياً لا بد
لهذا الجسد أن يحمر ويتورم
ويتقيح. أجساد الموتى وحدها هي
التي يمكن أن تكون مرتعاً خصباً
للجراثيم وأنواع البكتيريا
التي تتحول بها ساعة بعد ساعة من
عالم الوجود إلى العدم أي
التلاشي والاضمحلال. بهذا
الاعتبار فإن وقف الانتفاضة أو
المقاومة أو أي شكل من أشكالها
ليس قرار جهة تقول للناس: قفوا،
فيقفون.
ستتوقف الانتفاضة بلا شك عندما
يزول الاحتلال. هذه هي المعادلة
البسيطة الوحيدة الممكنة، وكل
ما عداها فإنما هو زخرف كلام.
وستتوقف المقاومة عندما ينتفي
الشعور بالظلم وهذه هي الحقيقة
الأعم.
معارك الأمم والشعوب إنما
تقوَّم في صيرورتها النهائية
وليس في سياقها اللحظي. واللحظة
في سياق تاريخي صاعد قد تكون عمر
جيل أو أجيال.
استمر وجود الصليبيين على
أرضنا في التاريخ الوسيط أكثر
من ثلاثة قرون حفلت بالصراع
والمقاومة والدماء، وتخللها
الكثير من المعارك الكبيرة
المشهورة أو الصغيرة المنسية،
امتدت فيها المعاناة واختُرقت
المحارم وسفُكت الدماء، وشُرد
الأبرياء، وشعر البرابرة
الوافدون مرات كثيرة بزهو
المنتصر؛ حتى ليكتب أحدهم إلى
قديسه: لقد خاضت خيولنا في دماء
المسلمين إلى الركب..!!
كل تلك الجزئيات تنتظم اليوم في
سطر واحد، وكأن القرون
المتطاولة تلك لم تكن (لقد انتصر
المسلمون واندحر الصليبيون).
وحتى يصاغ هذا السطر مرة أخرى،
لا بد من التضحية والمقاومة
والصبر والمصابرة. (يا أيها
الذين آمنوا اصبروا وصابروا
ورابطوا واتقوا الله لعلكم
تفلحون).
2
/ 10 / 2004
|