الشيخ
أمين يكن
الداعية
الذي اغتيل مراراً
زهير
سالم*
مرت
بنا منذ أيام الذكرى الخامسة
لرحيل الداعية المجاهد (أمين
يكن)
رحمه
الله تعالى. وتزامنت تلك الذكرى
مع إعلان جماعة الإخوان
المسلمين لمشروعها السياسي
لسورية المستقبل. وكم كان
يهنؤنا أن يكون (أبو عابد) رحمه
الله تعالى بين ظهرانينا يستقبل
بواكير ثمر طالما سقى غرسه
ورعاه.
لقد
مثل الشيخ أمين يكن منذ ريعان
شبابه إلى أن اختاره الله إلى
جواره شهيداً ـ نحسبه ولا نزكي
على الله أحد ـ انموذج الداعية
المتفتح القوي بلا ضعف، والصلب
بلا قسوة، والحكيم مع الجرأة
والثبات والصمود.
كانت
تجربته الأولى في أقبية
المخابرات شاقة، وكان يمكن
للشواهد التي بين أيدي المحققين
أن تهد البنيان التنظيمي لجماعة
الإخوان كافة، ولكن المرحوم
اعتصم بالله فعصمه بالصبر على
صنوف الأذى والعذاب الذي لحق به
، مما لا يصبر على مثله إلا
الأقلون. ثبت أبو عابد وصبر فحمى
اخوانه وجماعته وفداهم بما لاقى
من عذاب.
وأعقب
ذلك بعد الافراج عنه عمليات
مطاردة متلاحقة أدت إلى انسحاب
الأخ أمين من الساحة السورية
ليعيش بعيداً لبعض الوقت، ثم
لتتاح له من جديد فرصة العودة
المشروطة بمجانبة العمل
التنظيمي داخل بلده.
كانت
تلك عملية الاغتيال الأولى التي
نفذت ضد الشهيد (أبو عابد)..
والتي كانت لها انعكاساتها
السلبية فيما بعد على الوطن
بأسره. ذلك أن المفتونين بفتون
القوة والسلطة لم تبلغ بهم
رؤيتهم أن يتصوروا ثمرات إقصاء
القيادات المجربة المستبصرة
الحكيمة!! فقد كان إقصاء الشيخ
أمين رحمه الله تعالى الوصلة
المتممة لحلقة إقصاء قيادات
الجماعة والذي بدأت منذ
الستينات بإقصاء الأستاذ عصام
العطار حفظه الله ، وبعده الشيخ
عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله،
وكل الطبقة التي كانت تقود
العمل الإسلامي على الصعيدين
الشعبي والتنظيمي، الفكري
والسياسي والاجتماعي.
ثم
كانت عملية الاغتيال الثانية
التي نفذت على شخص الداعية أمين
يكن في مطلع الثمانينات، ابان
تفجر الأحداث الدامية
علىالساحة الوطنية، عندما
استطاع من خلال جهد مخلص ودؤوب
أن يضع ركائز مصالحة حقيقية،
كان يمكن أن توفر على الوطن بكل
فئاته الكثير من الآلام
والمعاناة، كما كان من الممكن
أن تؤسس لمستقبل وطني أكثر
إشراقاً.
ففي
الوقت الذي أثمرت فيه تلك
الجهود إطلاق سراح المئات من
المعتقلين كمدخل إلى تاريخ
سياسي واجتماعي جديد حاول
الشهيد أن يؤسس له؛ سارعت يد
الطيش التي كانت تعيث فساداً
على الساحة السورية بتوجيه طلقة
قاتلة لجهود الشيخ أمين،
ومصادرة كل جهوده الخيرة لمصلحة
مشروع تدميري كان يهدف إلى
الانفراد بالوطن وسحق كل خير
فيه. وئد مشروع المصالحة وانطوى
الواقع الوطني على جرح نازف،
وانكفأ الشيخ رحمه الله تعالى
إلى عزلته يبكي أبناء وطنه
بحرقة وانفعال. سألته بعد أعوام
طالت عن بعض ما كان.. فاغرورقت
عيناه، بل أجهش بالبكاء. وقال:
حسبك، سل عما شئت إلا عن هذا.
كانت الرحمة في قلبه للمصاب
الكبير فوق طاقته وقدرته. وإنما
يرحم الله من عباده الرحماء،
فرحم الله أبا عابد وأحسن
مثوبته.
وكان
الاغتيال الثالث، يوم تحمل همَّ
مبادرة وطنية في التسعينات، كلف
بها من أعلى المتسويات، بل من
الشخص الأول في سورية مباشرة،
عُهد إليه وهو الرجل المجرب في
المهام الصعبة، أن يتوفر على
وضع أساس لمصالحة وطنية تعيد
الوئام إلى الصف الوطني، تردم
الهوة، وتجسر الفجوة. وسارع
الشيخ أمين يكن رحمه الله تعالى
بنفسية القائد والأب في وقت
معاً يحمل عبء المهمة على
صعوبتها. فحل وارتحل، والتقى مع
كل صاحب شأن ورأي، وشرََّح
ووضح، وأشار ونصح حتى ظن أنه
أحكم الأساس، عاجلته يد الغرور
للمرة الثالثة بوأد مسعاه، وقيل
له كما فعل معه من قبل، انتهت
المهمة، فلا تتعب نفسك بعد الآن!!
قتلٌ
حقيقي أن يقتل الأمل في نفس
الإنسان، الأمل في ماذا؟! ليس في
دنيا يصيبها ، وإنما في إحياء
نفوس ذابت في الزنازين قهراً ،
وأخرى ملأها اليأس انتظاراً
للوالد أو الولد أو الزوج. كانت
تلك عملية اغتيال ثالثة تلقاها
الداعية المجاهد بدمعة صامتة:
غفرانك ربي لقد حاولت.
وكان
الاغتيال الرابع للشيخ أمين تلك
الفعلة الأثيمة المنكرة التي
نفذتها يد تلفعت بالجريمة،
وغلفت بواعثها بضباب كثيف لا
يمنع من طرح السؤال: هل دفع
الشيخ أمين حياته ثمن ماضيه
الدعوي الإسلامي؟! وثمن حرقته
الوطنية وحرصه على أن تعود
الوحدة الوطنية في سورية إلى
أفقها الوضاء؟! أو ثمن جهده
الدائب الذي لم ينقطع في خدمة
دينه ومجتمعه؟! تساؤلات كثيرة
لاتزال حائرة دون جواب!!
قُتل
الشيخ أمين، رحمه الله تعالى ـ
نال المجرمون من جسده ـ وحلقت
روحه الطاهرة إلى بارئها.. ولكن
النقمة على الداعية المجاهد لم
تنقطع بموته، رغم أن الموت، كما
يقال عنه، دافن الأحقاد؛
فماتزال محاولات أهل الريب
والحقد تجهد للنيل من مكانة
الشيخ رحمه الله تعالى ومن
ماضيه وجهاده. اغتيال خامس تنقص
أصحابه العفة وكرامة الرجال،
وإنما هم في ذلك
كناطح
صخرة يوماً ليوهنها فلم يضرها وأوهى قرنه
الوعل
وهل
كان أبو عابد إلا بحراً يضيع في
لجته كل ما يلقى فيه؟!
رحم
الله الشيخ أمين وأجزل ثوابه
وتقبله عنده في الصالحين. وكم
كنا نتمنى يا أبا عابد أن تكون
بين ظهرانينا لتستقبل المشروع
السياسي لجماعة الإخوان
المسلمين. هذا المشروع الذي
مددته وأنت في رحاب ربك ببعض
مداداك يوم غرست ويوم سقيت.
*
مدير مركز الشرق العربي
15
/ 01 / 2005
|