هل
يرفع المناخ اللبناني
حرارة
المعارضة السورية
زهير
سالم*
لا شك أن الريح
العاصف التي هبت وتهب على لبنان
بعد اغتيال رئيس الوزراء السابق
رفيق الحريري ستحدث (تسونامي)
جديد على صعيد العلاقة (السورية
ـ الدولية) و(السورية ـ
اللبنانية). فموجة المد العالية
غير المسبوقة التي يشهدها خطاب
المعارضة اللبنانية ستكون
بمثابة العيارات التي إما أن
تصيب وإما أن تدوش.
حددت المعارضة
السورية الإسلامية والوطنية
قواعد حركتها وآفاقها بعيداً عن
المعطى الخارجي، وأكدت بإلحاح
رفضها أن تستخدم الورقة
الخارجية جسراً لتحقيق أهدافها.
واعتبرت أن ما سيخسره الوطن عبر
هذا الجسر هو أكبر من أي مكسب
يمكن أن يحصله أي فريق بما فيه
السلطة ذاتها.
هذه المعادلة
الأولية والبسيطة لم تكن واضحة
بالمقابل عند السلطة. فهي وإن
كانت تتمتع بحكم الموقع بحق
التعاطي مع الآخر استراتيجياً
وسياسياً؛ إلا أنها على ما يبدو
راحت تدفع من حساب الوطن أو من
حساب المجموع ما يحقق مصالحها
الذاتية!! وهو ما أطلقت عليه
المعارضة بكل فصائلها (الصفقة)
التي يريد منها النظام الدفع عن
نفسه، وتحقيق مصالحه، والتمكن
أكثر من أعناق مواطنيه.
ما يقرب من خمسة
أعوام مضى على استلام الرئيس
بشار الأسد السلطة تمسكت
المعارضة خلالها بطروحات
إيجابية ووطنية منفتحة، وقدمت
المبادرة إثر المبادرة موقفاً
وخطاباً لتجسير الفجوة أو ردم
الهوة وللتأسيس لعلاقة وطنية
تقوم على الحوار والاحترام
المتبادل، وتنخرط في ظروف العصر
التي تتعاطى من خلالها جميع
شعوب العالم حكاماً ومحكومين.
إلا أن السلطة
آثرت أن تبقى سورية البقعة
المظلمة في هذا العالم، فلا
احتلال العراق، ولا نداءات
المثقفين، ولا انتفاضة الأكراد
المسحوقين في الشمال، ولا
مبادرات الإخوان المسلمين، ولا
اهتزاز الأرض تحت أقدام النظام
في لبنان، ولا اقتحام الموساد
الصهيوني شوارع دمشق يعيث فيها
فساداً مرة بعد أخرى، ولا حزمة
القوانين والمواقف الدولية
التي حاولت أن تدق ناقوس
التهديد ـ وإن بباطل ـ فوق رأس
النظام؛ كل هذه العوامل لم تغير
شيئاً في عقلية النظام أو في
استراتيجيته التي قامت على
أمرين:
إدارة الظهر
للشعب في سورية، للأكثرية التي
تئن تحت سنابك الاستبداد سجناً
وغربة وقهراً وفقراً وحرماناً.
فشعب سورية أجمع لا يزن في ميزان
النظام بضعة عشر يهودياً هجروا
وطنهم في يوم من الأيام ففتحت
لهم أبواب القصر الجمهوري
كعربون للصفقة المنشودة، بينما
لم يدع أي فصيل سوري حقيقي منذ
أن قام النظام يوماً للقاء رئيس
أو حوار مع مسؤول!!
ومن إدارة الظهر
لشعب سورية جاءت أيضاً إدارة
الظهر لشعب لبنان، وتجاهل
مطالبه والاستحواذ على إرادته
حتى كان هذا الشقاق المؤلم الذي
يسود العلاقة اليوم، والذي دفع
حلفاء سورية التاريخيين في
لبنان إلى إدارة
الظهر أيضاً لهذا النظام!!
والأمر الثاني
الذي يجسد استراتيجية النظام
امعان النظام في السياسات
الاتقائية فانساح في هابطة
التنازلات بدأ من تغيير الزي
المدرسي لطلبة المدارس
الابتدائية والاعدادية،
متناسياً أننا شعب محتلة أرضه،
وانتهاء بتبنيه (السلام!!)
خياراً استراتيجياً وحيداً، في
وقت يهدد فيه جيراننا الغرباء
القدامى والجدد بالطريقة التي
يريدون، وينفذون تهديداتهم في
شوارعنا جهاراً نهاراً،
ويحتملون صاغرين (ردود الفعل
المخملية) كما وصفها أحد
المتابعين. ويصل الأمر
بالاستراتيجية السورية إلى أن
تعلن وتكرر وتؤكد أنها تتطلع
إلى الجلوس مع شارون ـ حمامة
السلام ـ بلا شروط.
على ضوء هذا
الواقع، المؤلم بكل ما فيه،
والذي لم تنجح في زحزحته نحو
الرشد كل دعوات العقلاء
ومبادرات المخلصين. ماذا ستفعل
المعارضة السورية أمام الجدار
الصلد غير القابل للاختراق؟ إن
التكرارية المملة للدعوات
والمواقف ستولد في قلوب
الجماهير اليأس، واليأس سينجب
الظلمة السوداء!!
وهل ستحسن
المعارضة السورية توظيف
متغيرات المناخ لمصلحة (القضية
الوطنية) وليس لمصلحة أي فريق
فيها. وهل ستحسن مد اليد
للمعارضة اللبنانية لكون
المعارضتين تعبران عن قضية
مطلبية واحدة وعادلة؟!
إن تمسك المعارضة
السورية بثوابتها ومبادئها لا
يعني أن تحاصر نفسها في مربع
السذاجة والعجز. ففي سورية شعب
ووطن ينتظر من هذه المعارضة
الكثير، ويعول عليها في صنع فجر
الخلاص. ومن قبل قالها عمر بن
الخطاب رضي الله عنه: لست بالخب،
ولا الخب يخدعني. ويبدو أن تحقيق
هذه المقولة
هو ما عجزت عنه المعارضة
السورية حتى الآن.
*
مدير مركز الشرق العربي
19
/ 02 / 2005
|