درس
أليم
من
القيادة في سورية
زهير سالم*
الدرس
الأكثر إثارة للألم هو أن
تثبت القيادة السورية أن لا
معنى لديها لكل نصائح
العقلاء، ودعوات الحوار،
والرغبة في التعامل
الحضاري مع القضايا
المطروحة داخل الوطن
وخارجه، وأنه ثمة منطق واحد
تفهمه هذه القيادة هو نفس
المنطق الذي تسوس به الأمور
مع مواطنيها...
|
في حلب استقبل
الرئيس بشار الأسد لارسن، وفيها
أخبره أن سورية ملتزمة تماماً
بالقرار /1559/ وأنها ملتزمة أيضاً
بالجدولة الزمنية للانسحاب من
لبنان. لعله أراد أن يقول
للديبلوماسي الدولي بطريقة أو
بأخرى إن العمق السوري أبعد مدى
من أن يتأثر بحذف الخاصرة
اللبنانية.
كنا قد أكدنا
مراراً على ألمنا مما آلت إليه
الأوضاع في لبنان، واعتبرنا
الرعونات التي كان يقارفها بعض
أصحاب النفوذ من العسكريين
والأمنيين قد أفقدت الدور
السوري إيجابيته، وغطت عليها،
وأساءت إلى العلاقة الحميمة بين
الشعبين والقطرين. واعتبرنا
المسؤولية فيما جرى حتى الآن
مسؤولية الحكومة السورية التي
لم ترع الأمانة على الساحة
اللبنانية حق رعايتها.
خلال عقد مضى
تكاثرت أصوات العقلاء على
الساحة اللبنانية التي طالبت
سورية دائماً بالحوار لوضع حلول
للمشاكل العالقة التي ترهق
أعصاب اللبنانيين، وتستفز
مشاعرهم، ولكن الحكومة السورية
من موقع (البطر السلطوي) كانت
تتجاهل هذه الدعوات، وتستصغر
أصحابها، وتتجاوز عليهم، وقد
بلغت هذه الغطرسة ذروتها بإصرار
سورية على التجديد للرئيس لحود،
وإظهار النواب اللبنانيين
بمظهر الدمى المتحركة تحت وطأة
التهديد والوعيد. ولقد أنجز
الإصرار على التجديد للحود
القرار /1559/ ليأتي بعد ذلك
اغتيال الحريري فيضعه موضع
التنفيذ.
في كل مرحلة من
مراحل التعاطي السياسي مع
تطورات الأزمة (اللبنانية ـ
السورية) كان لدى سورية خيارات
أفضل، على الأقل في السبق
الزمني، لاستدراك ما يمكن
استدراكه، أو لحفظ ماء الوجه.
ولكن سورية ظلت
تناور وتراوغ حتى حوصرت في
المربع الأخير، وحتى اضطر رئيس
الجمهورية بالأمس، أن يعلن من
العمق السوري في الشمال
الانصياع التام لمطالب ما يُعرف
(بالشرعية الدولية).
كسوريين نمتلك
الإحساس الأولي بالانتماء إلى
وطننا فتتلبسنا الخيبة ونحن
نشهد حالة الامتثال التي لم
يفلح خبراء التجميل في سورية
بترقيعها!!
الدرس الأكثر
إثارة للألم هو أن تثبت القيادة
السورية أن لا معنى لديها لكل
نصائح العقلاء، ودعوات الحوار،
والرغبة في التعامل الحضاري مع
القضايا المطروحة داخل الوطن
وخارجه، وأنه ثمة منطق واحد
تفهمه هذه القيادة هو نفس
المنطق الذي تسوس به الأمور مع
مواطنيها.
دعاة الإصلاح
والتغيير في سورية لا يملكون (العصا
الأمريكية)، ولا يسعون إلى
امتلاكها. كل الذي يملكونه هو حب
لأوطانهم وحرص عليها ورغبة في
مد جسور الحوار الوطني بين
المواطنين لبناء الغد الأفضل.
ولذا كانت كل دعوات الإصلاح
والحوار والانفتاح من مختلف
القوى والشخصيات السورية صرخة
في واد، ونفخة في رماد.
*
مدير مركز الشرق العربي
14
/ 03 / 2005
|