الحكومة
السورية.. والولايات المتحدة
استراتيجية:
الخطوة .. خطوة
زهير سالم*
يظلم الكثير من
المتابعين الرئيس بشار الأسد
حين يربطون عهده بالتراجعات
السورية. عملياً بدأت هذه
التراجعات منذ عهد والده، حين
قرر حافظ الأسد الدخول في
التحالف الأمريكي ضد العراق،
وذلك حال سقوط الاتحاد
السوفياتي. أكد المحللون يومها
أن الرئيس كان بارعاً في
الانتقال من خندق إلى خندق.
ومهما يكن
التقويم لخطوة الرئيس تلك،
ومهما كان الثمن الذي استلمته
سورية سواء من الولايات المتحدة
أو من مجموعة إعلان دمشق فإن هذه
الخطوة كانت بداية العد في نزول
الساسة السوريين عند الإرادة
الأمريكية.
ثم كان ـ على سبيل
المثال ـ تسليم عبدالله أوجلان
الزعيم الكردي الذي حمته سورية
وحرضته طويلاً خطوة ثانية على
هذا الطريق، صفق الكثيرون
للحكمة السورية التي انصاعت
لرسالة المدفعية والدبابات
التركية التي حشدت على الحدود
بضوء أخضر أمريكي.
وفي عهد الرئيس
حافظ أسد نفسه اخترق الموساد
الصهيوني قلب العاصمة دمشق في
أكثر من تفجير، وكانت السماء
اللبنانية حيث يعسكر الجيش
السوري مسرحاً للطيران
الصهيوني، وكان الرضوخ السوري
يتزيا بزي (لن نستجر إلى معركة
لا نحدد زمانها ومكانها..).
كثيرون هم
المراقبون الذين فسروا امتناع
الرئيس حافظ الأسد وولده من
بعده على المبادرة لإجراء
مصالحة وطنية مع المعارضة بشكل
عام والمعارضة الإسلامية بشكل
خاص، أن الاقدام على هذه
المصالحة سيفسر على أنه تحد
للرغبة الأمريكية، وسيعني أن
سورية تلغي من يدها ورقة
إقليمية عنوانها (قمع الأصولية)
وهي ورقة ماتزال السلطة السورية
تعتز بها حتى الآن.
منذ عهد الرئيس
بشار وبعد أحداث 11/9 بالضبط حمي
وطيس المطالبات المفروضة على
سورية، وتعاملت سورية مع هذه
المطالبات بالطريقة العراقية
نفسها إعلام (صحافي) وانقياد
سياسي.
في استراتيجية
العراق الذي آل به الأمر أن يسمح
للمفتشين الدوليين أن يدخلوا
غرف نوم الرئيس، تلاق مع
استراتيجية سورية اليوم: (خفض
الرأس للموجة) (امتصاص الصدمة) (عدم
اعطاء الذريعة) وهكذا راحت
المواقف السورية تتهاوى قطعة
قطعة أمام تصفيق أدعياء النصح
والمزينين للضعف باسم الحكمة،
وموقف أمريكي نجح معلق سوري مرة
بوصفه بجهنم التي تقول دائماً (..
هل من مزيد..). وعلق عليه الرئيس
السوري في خطابه الأخير بأن كل
ما ستفعله سورية غير كاف، (وأنا
أقول لكم من الآن أنهم سيقولون
غير كاف..)
إذا كانت هذه
الحقيقة مدركة عند القيادة
السورية، فإن تصرفاتها لا تدل
على ذلك. إن الغاية الأولى من (المعرفة)
أن توظف في صنع الموقف. وهذا ما
لا نجده في جملة المواقف
السورية. خلال السنوات القليلة
الماضية قدمت سورية لائحة طويلة
من التنازلات:
ـ قدمت سورية كل
خبراتها في ميدان مكافحة
الإرهاب (للولايات المتحدة!!).
كما قدمت جداول بأسماء مواطنيها
ومن عبر بأرضها أو أنس بها.
ـ ردت الكثير من
القيادات العراقية إلى العراق،
دون أن تقدم لهم حق الجوار.
ـ جندت أجهزة
المخابرات السورية بإمرة C I
A، كما تدل التقارير
المتواترة، وتم التحقيق مع
الكثير من المشتبه بهم أمريكاً
على الطريقة السورية.
ـ نفضت سورية يدها
من الملف الفلسطيني ونادت (نقبل
بما يقبل به الفلسطينيون).
ـ طنشت سورية على
الاختراقات الصهيونية في (عين
الصاحب) وشوارع دمشق.
ـ أغلقت مكاتب
المنظمات الفلسطينية في دمشق.
ـ نفضت سورية يدها
من دعم المقاومة العراقية.
وحولت جيشها إلى حرس حدود عند
القيادة الأمريكية.
ـ سلمت العديد من
القيادات العراقية وآخر من
سلمته (سبعاوي) شقيق الرئيس صدام
حسين. وعلق بعضهم والدور على
الباقي.
ـ غيرت سورية
مناهجها والزي المدرسي
لطلابها، وألغت التدريب
الجامعي.
ـ سارت مع الإدارة
الأمريكية في أكثر من رحلة
عندما كانت عضواً في مجلس الأمن.
ـ قامت، بالأمر
الأمريكي، بإدخال الكثير من
التغييرات على النظام
الاقتصادي.
ـ أعلنت أنها
مستعدة للتفاوض مع الصهاينة بلا
شروط متنازلة عن (وديعة رابين)
التي امتنعت عن استئناف
المفاوضات سنوات بسبب التمسك
بها.
ـ وها هي اليوم
تعلن انسحابها من لبنان قبل
الموعد الذي حددته الولايات
المتحدة.
مشكلة القيادة
السورية أنها لم تدرك حجم
التغيير الذي يلف العالم
والمنطقة. وأن الخلايا المتغضنة
لأدمغة البعض غير قادرة على
التمييز بين الأمس واليوم، كما
أنها غير قادرة على الاستفادة
من الدرس العراقي، ولذا ستظل
تستمتع بالنرجسية الكاذبة وهي
تزاول عملية التراجع حيث يختلط
الصفير بالتصفيق.
الموقف السوري
بحاجة إلى استراتيجية جديدة،
والاستراتيجية الجديدة لن
تضعها حكومة أو حزب أو فريق،
وإنما يجب أن يضعها الشعب
السوري بكل قواه الحية، وهذا هو
الطريق. وقبل أن نختم نؤكد
للمؤتمر القطري القادم للحزب أن
خلع الرداء القومي، أو إسقاط
ورقته، لن تغير من واقع سورية
شيئاً. وأحرى برئيس الجمهورية
أن يعد الشعب بمؤتمر وطني لا أن
يعلق التغيير الداخلي على مؤتمر
قطري موعود.
وأخيراً ورغم كل
ما قلنا ونقول يقتضينا حق
المواطنة أن ننصح فنقول
إذا لم يكن من الموت بـدٌ فمن العجز أن تموت
جباناً
وهذا العجز هو
الذي نخاف عليكم.
*
مدير مركز الشرق العربي
15
/ 03 / 2005
|