من
فجع هذه بولدها ؟!
زهير سالم*
في يوم الأم التي تمتلك كل
الأيام، نستذكر الموقف الرحيم
لرسول الله صلى الله عليه وسلم،
يوم ظفر أصحابه بفراخ حمامة
فاقتنصوها، فجاءت الأم
بجناحيها الضعيفين تهادى فوق
رؤوس القوم تطالب بفراخها.
فانتبه لحالها رسول الرحمة،
فالتفت إلى أصحابه فقال: من فجع
هذه بولدها؟ ردوا عليها ولدها..
نقول
هذا ويد الرعونة والطيش
والاستكبار في هذا العالم تفجع
كل يوم آلاف الأمهات بأولادهن
لغير ما مقتضى سام أو رسالة
عادلة، وإنما حرصاً على العلو
والفساد في الأرض.
ونقول
هذا وفي زنازين الطغاة على وجه
هذه المعمورة تتلاشى حيوات
ملايين البشر، أبناء لأمهات
ولدنهم لغير هذا، ولدنهم
ليكونوا زهوراً في هذه الحياة،
وهم في واقع أمرهم ضحايا
عقائدهم أو آرائهم ومواقفهم، في
عالم يجهد فيه الطغاة على طمس
العقائد والآراء، وتجريد
الإنسان من خصوصياته التي بها
يكون إنساناً وبها ولدت
الأبناءَ الأمهات. (متى
استعبدتم الناس وقد ولدتهم
أمهاتهم أحراراً؟!)
حين
نعلي هوية الأمومة تتضاءل إلى
جانبها كل الهويات، وحين تنحاز
الحضارة الإنسانية حقاً إلى هذه
الهوية، لا يكون الاحتفال بيوم
الأم، احتفالاً إعلامياً
باهتاً، أو احتفالاً مدرسياً
شكلياً، وإنما يكون الاحتفال
بالإصرار العملي على جني الرضا
تحت أقدام الأمهات.
يكون
الاحتفال، بالكف عن الظلم،
والاستكبار والتوقف عن دفع
ثمرات الأمومة في شرق العالم
وغربه إلى ميادين الوبال، في
حروب متغطرسة مجنونة.
ويكون
الاحتفال بإدخال السكينة
والفرح إلى قلوب ملايين الأمهات
في هذا العالم ينتظرن المغيب أو
الغائب، المغيب في المطامير
المظلمة في سجون الظالمين.
غولاغ أو غواليغ ممتدة من
غوانتانامو إلى كل بلدة أو قرية
يسجن فيها أسير رأي أو عقيدة.
والغائب الطريد الذي أخرجه من
وطنه البغي أو الخوف.
ويكون الاحتفال ثالثاً
بإعلان الحرب العالمية الأولى
على الجوع الذي يلسع بسياطه
ملايين الأطفال والأمهات،
أوليس عاراً على الإنسان الذي
يتباهى أنه قد نفذ من أقطار
السموات والأرض، أن يكون عاجزاً
عن تقديم مضغة خبز تقي مئات ألوف
الأطفال من الموت يومياً.
ويكون
الاحتفال بيوم الأم رابعاً في
الجثو أمام عتبات الأمومة،
الأمومة التي تتعرض في هذا
العصر إلى حرب منظمة، تقودها مع
الأسف مؤسسات دولية مدججة
بالمعرفة لا بالعلم وبالمال لا
بالحكمة، مؤسسات تسعى إلى إهلاك
الحرث والنسل ومصادرة المستقبل
على بني الإنسان.
ونعود إلى دوحة الإسلام مرة
أخرى، لنلتقط صورة من صميم
التاريخ: صلاح الدين الأيوبي
على فرسه، تلجأ إليه أم مسيحية،
جاءت بلادنا مع الصليبيين
الغزاة، تشكو إليه الفجيعة في
ولدها الذي أسره بعض المسلمين..
فيقول لجنده: لن أترجل عن فرسي
حتى تردوا على هذه ولدها، فيكون
الذي أراد.
تلميذ في مدرسة محمد، مدرسة
كل تلاميذها معلمون عظماء.
*
مدير مركز الشرق العربي
22
/ 03 / 2005
|