انتهازية
الشرذمة
زهير سالم*
لا لسنا مجتمعات
مشرذمة ولن نكون، كيف وقد عشنا
معاً السراء والضراء، وأنجزنا
معاً الحضارة وبنينا المجد،
احتمينا بالهوية وأعلينا قيمة
الانتماء إلى الإنسانية
والعقيدة والحضارة والجدود.
ومجتمعاتنا بجذورها ومللها
ونحلها أكثر تماسكاً وصلابة من
مجتمعات قوامها المغامرون
والطامحون وأخرى شحن فيها أصحاب
العاهات من الممسوسين بعقدة
الاضطهاد.
وفي مقابل هذه
الحقيقة نتساءل إلى أين يقودنا
واقع مدنف يتحكم به أفراد
جافاهم الحلم، وغابت عنهم
الرؤية التاريخية، فاصطنعوا
الفرقة واستثمروا الخلاف،
وغاصوا إلى القاع في الحرص على
الزعامة الإثنية، أو الزعامة
الملية التي تجهد لتوظف كل
طاقاتها في خدمة مشروع فردي في
إطار فئوي بعيداً عن مصلحة
الفئة ومصلحة المجموع على حد
سواء.
كيف نفعل ومازلنا
نسمع شاذة من هنا ونادة من هناك
تبعث على الخوف والريبة بل تدق
أحياناً طبول حرب لن يكون قودها
إلا اللصيق والجار والشريك في
التاريخ وفي الشمس.
لا نزعم أن
التعامل مع هذه الظاهرة ـ ظاهرة
الشرذمة ـ المنكرة الغريبة سهل
ويسير، بل هي الفتنة التي تدع
الحليم حيران. تجاهلها وهي تبيض
وتصفر من حولنا لن يقودنا إلى
خير، و(نا) هنا تشمل كل من غدا
على هذه الأرض أو راح.
والانغماس فيها
لدرء مفاسدها سيزيد شرتها
اتقاداً. وحين يصر من ملك شعرة
في جمل على ذبحه فإن الخاسر
الأول هو صاحب الجمل الحقيقي.
الساحة التي تعج
بالاضطرابات والتناقضات لم يعد
ينفع معها الصمت أو التجاهل.
وغياب المرجعية المعبرة عن
الأكثرية الكاثرة بفعل سياسات
الإقصاء والاستئصال تارة
واللامبالاة إيثاراً للدعة
تارة أخرى أو ركوناً إلى رصيد
تاريخ جعلته عاصفات الأحداث
هباء تارة ثالثة، قد أدى إلى هذا
البلاء الذي نحن فيه وسيقود إلى
المزيد.
الكل يعلم أن هنا
مكمن اغتيال الحريري في لبنان،
والكل يرقب ما يجري على الساحة
في الشام أو في العراق أو في
لبنان.
حين يرسم ملك عربي
على هذا الواقع إشارة استفهام
تحرق سفارة بلاده وعلمها، ويقتل
مواطنوه الأبرياء على أرض
العراق. ليظل الكل صامتاً إلى أن
ينفذ المخطط الرهيب.
لسنا مجتمعات
مشرذمة، ولا نريد أن نكون، ولكن
نعلم يقيناً أن على ساحتنا
الداخلية فئات انتهازية توظف
الشرذمة في مشروعاتها الفردية
على كل صعيد.
ونؤكد أخرى أن
الحل ليس سهلاً ولا ميسوراً
وعنا إلى كل الحكماء وأصحاب
الشأن ليكونوا شركاء في القرار.
*
مدير مركز الشرق العربي
24
/ 03 / 2005
|