بين
رسوم الاغتراب
وتعويض
التهجير
زهير
سالم*
بعد التعميم الذي
وزعته الخارجية السورية على
السفارات السورية في الخارج،
والذي يرسم بمنح المواطنين
السوريين المحرومين من جواز
سفر، جوازاً لمدة سنتين مهما
تكن أسباب المنع،
إضافة إلى التوضيح الذي
أردفت الوزارة فيه بيان أن منح
هذا الجواز لا يعني السماح
للمواطن بالعودة إلى وطنه دون
ترتيب مسبق؛ شرعت السفارات
المذكورة بمطالبة المواطنين
المهجرين (برسوم اغتراب) حيث
يرتب على كل مواطن مبلغاً يصل
إلى آلاف الدولارات عن الفترة
التي قضاها بعيداً عن وطنه رغم
أنفه.
والأصل في رسوم
الاغتراب أنها ضريبة جديدة
ابتدعت لمشاركة المواطن
المغترب في عوائد اغترابه فهو
مازال يعمل بعيداً عن وطنه، ولا
يخضع في كثير من الحالات لنظام
الضرائب الرسمي و(غير الرسمي!!)
ويستفيد من الخدمات التي تقدمها
كل دولة لمواطنيها، مطالب بدفع
بعض التعويضات لهذه الدولة،
وتحتسب رسوم الاغتراب هذه نسبةً
مئوية على الاستحقاق الظاهر
الذي يقدمه المواطن للسفارة.
ولقد علم المواطنون السوريون من
قبل أن رسوم الاغتراب هذه قابلة
للتفاوض، وغير التفاوض في كثير
من الأحيان.
وكان السيد رئيس
الجمهورية قد أصدر مرسوماً
بإلغاء رسوم الاغتراب ابتداء من
أول العام الجاري بجهود السيدة
وزيرة المغتربين وإثر مؤتمر
المغتربين الذي عقد في دمشق
نهايات العام الماضي.
بالعودة إلى أصل
الموضوع الذي نحن بصدده، فإن
العاملين في السفارات، والأصل
أنهم جميعاً من رجال السلك
الديبلوماسي الأكثر فقهاً بروح
القوانين، يقتضي المقام
التمييز المباشر بين (المغترب) و(المهجر)!!
فالأول خرج من
وطنه في طلب الرزق.. والثاني
أُخرج من وطنه في طلب الأمن.
الأول خرج إلى
بحبوحة في العيش وسعة، والآخر
خرج إلى المجهول الذي كثيراً ما
اقترن بالضيق والفقر والعجز عن
التكيف، وانعدام القدرة على
الكسب في ظروف قانونية صعبة
ولاسيما وهو محروم من كل
الوثائق (الذاتية) التي تسمح له
الضرب في الأرض على أصوله.
كثير من هؤلاء
المهجرين أصبح مقامهم حسب تعبير
الفقهاء (ومحلي حيث حبستني) لا
يستطيعون ضرباً في الأرض وقد
حرموا من جوازات السفر ليجدوا
فيها مراغماً كثيراً وسعة، فهذه
الأسر السورية المقيمة في
العراق ـ مثلاً ـ
لا تجد مخرجاً ولا مولجاً
منه، وأبناء هذه الأسر يعيشون
ما عاشه الإنسان العراقي من خوف
وجوع وضنك منذ سنوات الحصار
الكئيب وحتى اليوم، ولم يشفق
عليهم رئيس الجمهورية الذي
يحسبون رسمياً عليه فيسمح لهم
بالعودة الآمنة إلى ديارهم،
وعلى هذا يقاس مجاميع المهجرين
الذين حرموا من ذاتيتهم
المدنية، والثقافية ومن التصرف
بأموالهم، ومن خدمات الدولة
التي تطالبهم اليوم برسوم
الاغتراب بدلاً عن هذه الخدمات
التي حرموا منها!!
إذا كان في أصل
فرض رسوم الاغتراب نظر، دفع
رئيس الجمهورية إلى إلغائها،
فإن مطالبة المهجرين بها يصبح
من المضحكات المبكيات. المطلوب
للمهجرين السوريين تعويضات
حقيقة تدفعها لهم حكومتهم عن
سنوات الألم والعذاب والفاقة
والتشريد. هذا هو منطق الاشياء،
ومقتضى القانون أيضاً.
وعنا إلى من يهمه
الأمر.
*
مدير مركز الشرق العربي
03
/ 04 / 2005
|