الخيار
الأول والأفضل
والأقوى
والأجدى
زهير
سالم*
منذ
عقد خلا والمعارضة السورية بشكل
عام، والإسلامية منها بشكل خاص
تلح على ضرورة إعادة بناء
المعادلة السياسية الوطنية على
أرض صلبة وأسس قويمة. وقد شاركت
عوامل عديدة في فرض هذه
الاستراتيجية خياراً وطنياً
أولياً. وكان للتحديات الخارجية
السهم الأكبر فيها.
فمنذ
وصول القوات الأجنبية إلى
المنطقة، في مطلع التسعينات،
بغض النظر عن الذريعة أو السبب،
بدأ المخلصون من أبناء الأمة في
أكثر من قطر بسياسات مد الجسور،
وإبراز المشترك من الأهداف،
والتركيز على ما يجمع والمطالبة
بالانتقال من الصراع البيني إلى
الوحدة الوطنية في إطاريها
الشعبي والرسمي.
ومع
أن سياسة النظام السوري اتسمت
في ذلك الوقت بالتردد والتوجس،
إلا أن مؤشرات واضحة كانت تعبر
عن رغبة أكيدة، لدى فريق في
السلطة وعلى رأسه الرئيس
الراحل، لاجتياز العقبة وكسر
الحواجز التي تبدد وتفرق.
مع
استلام الرئيس بشار الأسد
للسلطة كان في تقدير العديدين
أن الخطوة الصعبة باتت أسهل. ولا
سيما عندما أعلنت قوى متعددة
على الساحة السورية أن الرئيس
الجديد لا يتحمل مسؤولية
الماضي، وأنها على استعداد
للتعامل معه على أساس صفحة
جديدة في العلاقة.
انتقدت
المعارضة بديبلوماسية طريقة
انتقال السلطة، وألح الكثيرون
على إمكانية أن يستمد الرئيس
الجديد شرعيته من برنامجه
الإصلاحي الذي تنتظره الجمهرة
الواسعة من الشعب السوري.
مرت
السنوات الخمس من عهد الرئيس
بشار بطيئة متثاقلة كليل امرئ
القيس. ولم يكن ربيع دمشق أول ما
ذوى من الآمال التي علقها
المواطنون على العهد الجديد.
ويوماً بعد يوم كانت ظروف
القطر تزداد صعوبة،
والتحديات المفروضة عليه تصبح
أكثر خطراً وساعة الصفر للسوء
القادم تقترب.
كانت
المعارضة السورية تدرك كل هذا
وتراقبه وتتخوف منه ليس على
مصالحها الذاتية، وإنما على
الوطن كل الوطن بإنسانه وأرضه
ومستقبله. وكانت هذه المعارضة
ترصد لدى الممسكين بالسلطة
لامبالاة تثير الدهشة،
وأحياناً تنازلات مريبة تستدعي
الوقفة الوطنية الحازمة!!
ويوماً
بعد يوم كانت المعارضة السورية،
المدنية والإسلامية، التي
توافقت في مطلبية وطنية
إجماعية؛ تلح على ضرورة التوقف
عن الانفراد بالوطن والمصير.
لم
يعد اهتمام المعارضة منصباً على
الشأن الداخلي فقط: إصلاح
وحريات وحقوق إنسان، وإنما
اتسعت دائرة القلق لتشمل هذا
الانكماش المخيف أمام أعتى تحد
حضاري مباشر يفرض على أمتنا
وشعبنا، انكماش يتقلص عن حماية
العقيدة والثقافة التي هي عناصر
القوة الحقيقية في صراع مادي لا
نملك من وسائله إلا القليل.
وتتسع
دائرة القلق لتشمل طريقة إدارة
الصراع مع العدو الصهيوني، حيث
حوّل القطر من صاحب حق الطالب
إلى مطلوب. وحاصر النظام نفسه في
مربع الخيار الاستراتيجي
الوحيد، وألقى جميع أوراقه
لينادي بالعراء: بدون شروط..
إن ذريعة إفحام العدو أمام
الرأي العام العالمي بهذه
الحركة البهلوانية، لا تغني من
الحق شيئاً، فمتى كان القوي
المتبجح ومن يسانده يحسب أي
حساب لمقاييس العدل أو قواعد
المنطق؟!
ولم
تكن إدارة العلاقة مع الأشقاء
في لبنان أقل إثارة للقلق. وإذا
كانت الإدارة الأمريكية تضع
استراتيجيتها لكسب عقول وقلوب
شعوبنا فأحر بمن كان يشرف على
إدارة الملف اللبناني أن يأخذ
في حسابه عقول وقلوب أشقاء،
حولتهم السياسات اللامتوازنة
إلى الحال الذي رأينا!!
ومع
كل تلك المعطيات، فقد ظلت
المعارضة السورية تطرق بإلحاح
باب الوحدة الوطنية وتؤكد عليها.
وقد تفنن الكثيرون في فهم
وتحليل هذا الإلحاح، فقيل ضعف
وقيل يأس وقيل وقيل.. بينما كان
الموقف في حقيقته تعبيراً عن
فقه شرعي وأولوية سياسية.
إلى
أي مدى يمكن أن تستمر المعارضة
السورية وراء الأبوب الموصدة
إلى الأبد؟! تعتقد هذه المعارضة
أن السنوات الخمس التي منحت
للعهد الجديد كافية لإحداث
التغير أو للإعلان عن برنامجه
الوطني بطريقة عملية، وأن من
حقها بل من واجبها حيال سياسات
اللامبالاة أن تبحث عن خيارات
بديلة لإنقاذ الوطن من الوضع
الكارثي الذي يدفع إليه.
لقد
حاول الكثيرون أن يعلقوا على
فكرة المدى الزمني الذي طرحته
المعارضة الإسلامية، ووظفها
البعض في عكس ما أريدت له. لقد
أرادت هذه المعارضة أن تقول: إن
الشمس لا تنتظر. وحين يكون الجرح
في جنب العقائد أو الأوطان فلا
بد من البدار. وأنها حين يتحقق
اليأس ستبادر.
والمدى
الزمني يؤكد أن المعارضة
السورية تنطلق من رؤية حيوية
مستقرة، وليس من تقلبات مزاج.
ونحن كنا ومازلنا نؤكد أن
الخيار الوطني الجامع هو الخيار
الأول والأفضل والأقوى والأجدى.
والمعضلة الحقيقة أننا لا نملك
مفاتح هذا الخيار.
*
مدير مركز الشرق العربي
16
/ 04 / 2005
|