(2 رمضان)
شهر
الحياة
زهير سالم
لم يكن رمضان عند الصائمين
أبداً شهراً للجوع والعطش،
وإنما كان شهراً لتقويم النفس،
وازدهار الروح، وتسامي الإنسان
على مقتضيات الجبلّة التي حُبست
فيها إنسانيته. لما كان الطعام
والشراب حسب منطوق القرآن
الكريم في أكثر من سياق من لوازم
هذه الجبلة (وما أرسلنا قبلك من
المرسلين إلا إنهم ليأكلون
الطعام ويمشون في الأسواق..) (ما
المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت
من قبله الرسل وأمه صديقة كانا
يأكلان الطعام..)؛ كان رمضان شهر
الحياة بمعنى أنه محاولة من
الإنسان للانعتاق ولو قليلاً من
لوازم هذه الجبلة، ليرفرف
عالياً مع النفخة الأولى التي
أنشأت منه خلقاً آخر (ثم أنشأناه
خلقاً آخر فتبارك الله أحسن
الخالقين) وميزته عن سائر
الموجودات بروحه الإنساني
الممايز صورة ومعنى للروح
الحيواني أو للنامية النباتية.
ورمضان شهر الحياة لأنه شهر
القرآن، القرآن الذي كان يتعهده
جبريل مع رسول الله صلى الله
عليه وسلم كل رمضان. تلك حالة
تدعوك أيضاً لتتعهد القرآن،
ولتؤوب إليه لتعيش في ظلاله،
ولتدرك بالتدبر وبشفافية الروح
أين أنت من الآفاق التي يرودها
لك هذا القرآن؛ في روحك وفي نفسك
وفي جسمك، وفي أهلك وولدك وفي
مجتمعك وفي أمتك.
شهر القرآن شهر الحياة لأن
القرآن الكريم هو المخرج
للإنسان الفرد، وللمجتمع
وللأمة من حالة الضنك التي
تثمرها شجرة الإعراض عن ذكر
الله (عن القرآن).
عندما نقول الضنك لا يغيب عن
بصر بصير أن الإنسانية كلها
اليوم في ضنك وفي شقاء، وأن
رمضان المحطة التي تدعونا بقوة
لتعهد القرآن هو النافذة
المفتوحة أمامنا على الأمل.
أمة القرآن تعهدوا القرآن ثم
انطلقوا منه وبه لإنقاذ إنسانية
الإنسان.
تقبل الله منا ومنكم وكل عام
وأنتم بخير
|