عزيزي
الأستاذ ميشيل
اشتقنا
لسطرك
زهير
سالم*
كلما أمسكت بالقلم تذكرته،
لأنه صديق قلم. حين أتذكر ميشيل
أتذكر لحمنا الحي خلف القضبان،
وفكرنا المسفوح أحوج ما نكون
إليه، وإرادتنا المشلولة، وكل
لحظة في وجودنا تتطلب الفعل.
أتذكر ميشيل، والركب الأول
فوجاً بعد فوج وألفاً بعد ألف،
أتذكر مائة ألف إنسان ابتلعتهم
رطوبة الزنازين، مائة ألف أمل،
مائة ألف عقل، مائة ألف ساعد،
مائة ألف قلم، كان وطنهم أولى
بهم، وكانت أمهاتهم وزوجاتهم
وأبناؤهم أولى بهم، وكلهم
ذوّبوا هناك أو ذابوا!! لا أحد
يجيبني لمصلحة مَن..؟!
تذكرت ميشيل ساعة عربد الطيران
الصهيوني على ساحلنا السوري،
فوق بلدته، تساءلت ماذا كان
سيقول ميشيل وهو يرى هذا
الطيران يرتع فوق مرابع طفولته
وصباه؟!
ـ وهل سجن ميشيل إلا لكي لا يقول..
تفريغ الوطن من قواه، مصادرة
الكلمة من أفواه أصحابها،
ملاحقة الفكرة في معدنها قبل أن
تتولد هو بعض المشروع (المشروع
الوطني..!!) الذي توكل به القوم،
ولذلك سجن ميشيل وسجن من قبله
ومن بعده، ولذلك حجر علينا
الحلم والفكر والأمل.
أفواجاً يساق الناس إلى
المعتقلات، وأفواجاً يمنع
الناس من السفر لئلا يرتادوا
أفقاً غير الذي أريد لهم.
وأفواجاً يسام الناس الذلة
والفقر والهوان وليس من حقهم أن
ينأموا بشكوى. وكل من تطوع
للدفاع عنهم يكون في الصف
الطويل الذي ينتهي حيث انتهى
ميشيل ورفاقه.
كلما أمسكت القلم لأكتب تذكرت
ميشيل يتحفنا يوماً بعد يوم
بمدد من فكره الثر، يضرب
بمجذافه، وهو ابن الموج،
اللّجِبَ المُتلاطم.. يقول:
تعالوا نكسر هذه الموجة يداً
بيد. أو يحرك بمقاله سكون بحيرة
راكدة، ويقول: لا يغرنكم هدوء
الظاهر تعالوا نتلمس الحقائق في
الأعماق، ولو في نعوه ميت تعلق
على جدار. كأن الرجل خبير بظواهر
البركان.
تتفق مع ميشيل وتختلف، وهذا هو
شأن البشر، ولكنك تشعر دائماً
أنك أمام مثقف بعيد الغور (يحاول..)
وكلنا في هذا الزمان الكالح
البئيس نحاول كما حاول ميشيل
وصحبه الأحرار من قبل ومن بعد.
أمسك القلم، تتشنج يدي، تبرق
عيناي، يمتد أمام بصري جيل من
الرجال يحملون الفؤوس والمعاول
والمناجل والأقلام.. يلفون
رؤوسهم بالشماخ، ويتقدمون إلى
حيث بنت زنوبيا مجداً لم
تتجاوزه السنون. كلهم دخلوا
هناك، أقاموا هناك، ذابوا هناك..
أحاول أن أمسك بالصورة، لكي لا
تفر أرفع رأسي إلى القمة
المتعالية أجدهم جميعاً هناك
يثوبون إلينا.. إلى شعب سورية
أجمع: هلموا يا رجال..
---------
*مدير
مركز الشرق العربي
للاتصال بمدير المركز
00447792232826
zuhair@asharqalarabi.org.uk
11/07/2006
|