زهير
سالم*
لا
شك أن حزب الله اليوم يخوض معركة
غير محسومة، ولم تكن محسوبة
النتائج.. ولا شك أن حزب الله قد
أدخل نفسه وأدخل لبنان في مأزق لا
يجد منه مخرجاً. ولا شك ثالثاً
أن تقرير هذه الحقائق لا يعني
التخلي عن حزب الله أو خذلانه أو
التشكيك بشرف المقاومة.. ولكن
رؤية الحقائق كما هي أمر لا بد
منه لاتخاذ الموقف الأقرب
للسداد..
الحرب
المفتوحة..
الحرب
المفتوحة التي قبل السيد حسن
نصرالله تحديها من الجانب
الصهيوني عنوان كبير، عنوان
أكبر من مقاومة.. لأن أساس
المقاومة عملية حتٍّ متطاولة في
زمن مديد. والحرب المفتوحة
الساخنة مع توحش آلة البطش
المعادية تجعل عمل المقاومة
مشلولاً. مرة أخرى نشيد ببطولة
المقاومة والمقاومين، ونركز
على البعد الرمزي لصواريخ حزب
الله، ونستعمل كلمة صواريخ
مجازاً، وغير البعد الرمزي فإن
الحصاد الميداني لعمليات حزب
الله تكاد لا تذكر بجانب ما يحصل
على الأرض في لبنان، دون نسيان
لتدمير البارجة الحربية
الصهيونية!!
العدو
الصهيوني يضرب منذ اليوم الأول
في لبنان (تحت الحزام)
مدنيون ـ شيوخ ـ أطفال
ـ نساء ـ نازحون ـ مدارس ـ
مساجد ـ كنائس ـ منشآت حيوية ـ
موانئ ومطارات ـ وجسور وأنفاق..
العدو الصهيوني يضرب ضربات
وحشية وموجعة إنسانياً
ومعنوياً ومادياً..
السيد
حسن نصرالله في آخر إطلالة له،
حتى كتابة هذه السطور، توعد
بالرد بضربات تحت الحزام، ولكنه
وبعد أربعة أيام لم يفعل..
لماذا؟ ربما وصلته رسائل
تحذيرية عن طريق بعض الوسطاء،
هو أدرى بتقدير الموقف، لكننا
لا نملك إلا التساؤل الذي
يقودنا إلى حقيقة أن (الحرب
المفتوحة) التي قبل السيد
نصرالله عنوانها أصبحت حرباً من
طرف واحد فقط العدو الصهيوني هو
الفاعل.. ولبنان الحجر والشجر
والإنسان هو القابل.
أمام
المأساة..
كأبناء
أمة واحدة، نرفض أي شكل من أشكال
(ثنائية الانتماء). نشعر أن ما
يجري في لبنان يجري علينا نحن..
البيوت التي تدمر بيوتنا،
والأهلون الذي يقتلون ويشردون
أهلونا، والبلد الذي هدم بلدنا..
المأساة اليوم حاضرة في بيوت
الملايين من المحيط إلى الخليج،
بل من طنجة إلى جاكرتا. وأمام كل
(خبر عاجل) فاجع تستعر في هذه
البيوت هستيريا بكاء تشمل
الرجال والنساء والأطفال!! لا
أكشف سراً عسكرياً هنا وإنما
أشير إلى حقيقة قد تكون مفيدة
لأناس يتساءلون ببعض الجدية: لماذا
يكرهوننا..؟! في بيوتنا جميعاً
ينظر إلى (بوش) بصورته
اللامبالية على أنه الفاعل
المباشر لكل هذه المأساة. والكل
المتفاعل مع المقاومة إيجاباً
يتساءل عن النتيجة أو المخرج!!
وبوش
بوصفه لا بشخصه، يُحمّل مسؤولية
مواقفه الرعناء (الشامتة) للشعب
الأمريكي أجمع ويغذي بكل تأكيد
مدد الكراهية والغضب وما يسميه
الأمريكيون (الإرهاب).
رؤساء
ولغة سوقية.. (اختلط طعامه
بكلامه)
في
حديثه العارض مع السيد بلير،
الذي اختلط فيه (طعام سيد
الأمريكيين بكلامه) كشف المذكور
جانباً آخر من شخصيته، وأكد
معالم الرؤية لحقيقية النظرة
الحضارية المتبادلة. مستوى
الخطاب يمثل المستوى
الأخلاقي الاجتماعي الذي ترقى
منه السيد بوش إلى البيت الأبيض.
في كلامه ذاك لم يوجه الإهانة
إلى الغائبين الذي تحدث عنهم (سوريين
كانوا أو لبنانيين) وإنما وجه
الإهانة إلى شعب انتخبه، وهو في
هذا المستوى السوقي!!كما وجه
الإهانة إلى مخاطبه السيد بلير،
ومن انتخبه أيضاً، فهيبة
المخاطَب هي التي تفرض مستوى
الحديث. وكل إنسان ينتح ألفاظه
من الجواني الذي يعمر نفسه
ويملأ جوفه وهكذا كان..
مجلس
الأمن يتخلى عن مسؤولياته..
وجاء
موقف مجلس الأمن طامة أخرى في
سياق تعزيز خطاب اليائسين من
هذا العالم. جاء موقف مجلس الأمن
ليؤكد أنه ليس أكثر من حديقة
خلفية للبيت الأبيض. وأن
الشرعية الدولية ليست بذات
قداسة أكثر من قداسة بعض
الألفاظ التي يلوكها السيد بوش
مع طعامه. مجلس الأمن غير معني
باتخاذ قرار!! وهذا يعني إعطاء
مدى أطول لآلة الحرب الأمريكية
باليد الصهيونية لتعيث فساداً
في لبنان وتهلك الحرث والنسل
وتدمر العمران. وهذا يعني أن (العالم
المتمدن) و(الإنسان المتحضر) قرر
أن يراقب بشماتة جرائم هي
بالتأكيد أكبر بكثير مما يجري
في (دارفور) دون أن يحرك
ساكناً أو يبدي تعاطفاً، وهذا
في الحقيقة يضع مصداقية مجلس
الأمن ودوره ومقرراته على
المحك، ويجعل من هذه المقررات
ملاءة قاتمة تثير التقزز
والنفور.
تخلى
مجلس الأمن عن مسؤولياته، وليست
المرة الأولى في تاريخنا
الحديث، ولم يتخذ قراراً ساخناً
تحت يافطة البند السابع.. فالأسر
التي تذبح والأطفال الذي يدفنون
تحت أنقاض القذائف الأمريكية لا
تهم أحداً من أصحاب القرار في
هذا المجلس.
المأساة
تهمنا..
ما
يجري على أرض لبنان يهمنا نحن.
ونقصد (بنحن) الجيل من الناس
الذين تطلق هذه القذائف عليهم،
فتحصد أرواحهم، وتهدم بلدانهم.. نقصد
بنحن سكان القاهرة ودمشق ومكة
والرباط واستانبول وطهران فنحن
الذين تهمنا هذه الحرب، ونحن
المسؤولون عن معالجة أمرها.
الوقت ليس وقت من أشعل النار!!
والسؤال المطروح الآن، ليس بحق
أو بباطل أشعلت النار، وإنما
كيف نتصدى لهذا الحريق. الخطأ
الصغير ـ إن كان ـ يضيع في جلبة
هذا المنكر الكبير الذي
تقوده الإدارة الأمريكية
وتنفذه بالنيابة اليد
الصهيونية.
التردد
والاحبنطاء العربي وهي
الكلمة الوحيدة التي تعبر عن
حالة التردد في الحركة العربية
لاتخاذ الموقف الحاسم تعني أن
هناك رغبة عربية تنضم إلى
الرغبة الدولية في إعطاء آلة
الحرب الصهيونية الفرصة لتدمير
لبنان وتأديب أولئك الذي سعروا
نار الحرب!!
ومع
الخوف الشديد الذي يعمر قلوب
الكثيرين منا مما يجري في
العراق، ومن قيادة السيد
السيستاني للصراع هناك، ومما
تفعله أو يفعله بعض المحسوبين
على هذا الفريق أو ذاك.. مع كل
أولئك فإن شعورنا بالتوحد في
هذه الأزمة مع لبنان كل لبنان (الإنسان
والعمران) وبالتوحد مع المقاومة
كوجود ودور لا يقبل تثنية أيضاً..
هذه أولويات في أعماق الشعور
قبل أن تكون فرائض شرعية أو
مقتضيات عقلية.
المقاومة
في لبنان، جزء من بنياننا
الديموغرافي لا يمكن أن نسلمه
أو أن نخذله. ولبنان كل لبنان
حديقتنا العربية الجميلة،
وساحة تنفسنا الحضارية لا يمكن
أن نتركه لمصير أسود كالذي
يريده بوش.. إن الذي يهدم اليوم
في لبنان ليس العمران الذي تعيد
الأموال بناءه؛ وإنما الذي يهدم
هناك الكرامة العربية والشرف
العربي وهذا الذي يستحق البدار.
البدار
العربي..
والحديث
عن البدار العربي الذي لا
ينتظر، لن يكون أكثر من موقف
ديبلوماسي حازم ومناجز يجمع
عليه القادة العرب، ويقذفونه في
وجه صاحب القرار. علينا أن نكون
واثقين أن لمثل هذا الموقف أثره
في مراجعة السياسات، وبذل بعض
الاحترام لأمة غاب عنها هذا
المعنى طويلاً بفعل التمزق
والشتات.
البدار العربي .. والبدار السوري
ينقلنا
الحديث عن البدار العربي إلى
البدار السوري.. فللدور السوري
في الأزمة الدائرة أكثر من
خصوصية. بعض العالمين ببواطن
الأمور يقولون إن حزب الله يخوض
الحرب السورية!! والراسخون أكثر
في العلم يجزمون أن الحرب حرب
أمريكية من جهة ـ سورية إيرانية
من جهة أخرى بلبوس ـ صهيوني ـ
لبناني. وخصوصية سورية في هذه
الحرب أن القاذفات الصهيونية
ترمي حممها قريباً من الحدود
السورية. وهي منذ أيام كانت تحلق
فوق قصر الرئاسة على الساحل
السوري.
استراتيجياً
علينا أن نعترف أن سورية اليوم
تخوض حربها على أرض لبنان،
بواسطة ذراعها العسكري (حزب
الله)، وكذا تفعل إيران!! كل ما
في الأمر أن سورية وإيران
اختارتا ميدان المعركة على غير
الطبوغرافيا الرسمية.
حرب
ومعتقلات..
لحالة
الحرب التي تخوضها الدول، سواء
كانت حرباً معلنة أو حربا خفية
مقتضياتها وأولوياتها.. وأول
المقتضيات والمتطلبات وحدة صف
وطني في مواجهة العدوان الخارجي.
كل المعارضة السورية أدركت هذه
الحقيقة. أعلن الإخوان المسلمون
في بيانهم جاهزيةً للانخراط في
الدفاع عن الوطن ضد أي تهديد
خارجي.
على
الطرف الآخر مازلنا نتابع مسلسل
محاكمات الناشطين بالأمس كان
الدور على الدكتور كمال
اللبواني. واليوم يضغط على
المثقفين ليسحبوا توقيعاتهم
على (إعلان دمشق ـ بيروت ـ بيروت
دمشق) مطالبين برفع دعوى على
السيدين البني وكيلو!! حالة من
الفصام النفسي، والشتات
السياسي لا توحي لك قط بأن من
دفع لبنان إلى الشرك وأوقعه في
هذه الحرب المستعرة.. يبالي بما
يجري، ويأخذ على محمل الجد بعض
ما يحيط به. أو لعله يفكر أن هذه
الحرب المستعرة التي تحرق في
لبنان الأخضر واليابس هي إحدى
وسائل الانتقام من الشعب
اللبناني ـ ناكر الجميل!! ـ
في
المعارضة المضطهدة المطاردة
بعيداً عن أوطاننا، نضع أيدينا
على قلوبنا إشفاقاً وخوفاً،
ونعلن تجاوزنا عما يفرق وتمسكنا
بما يجمع في لحظة نعتبرها أكثر
حراجة مما شهدت المنطقة منذ
عقود.يعيش وطننا اليوم حالة
أشبه ما تكون بحريق الغابات
وريح الدبور تفعل فعلها. ونجد
الآخرين بلا قلق ولا حذر ولا
تفكر بالعواقب!! نراهم نياماً في
(بلهنية) ونار الحرب قد سطعت على
ما قال العربي الأول.
الدكتور
اللبواني يقدم للمحاكمة.. وحرب
النظام مع أفراد من أبناء الوطن
مقدمة على كل حرب أخرى. والناس
في عرف النظام أجناس بعض للقتل
وآخرون للسجن وثالثون للتشريد
ورابعون للتصفيق.. هذه الكتابة
ليست للتثريب في هذه الأجواء
وإنما هي لتقرير حال لا يمكن أن
يكون، ولتوضيح أنه لن يستقيم ظل
والعود أعوج.
يقودنا
هذا السؤال إلى حقيقة الفرق بين
الموقف العربي المتفرج أو
المحبنطئ والموقف السوري
الرسمي المُؤَجّج والمُهَيّج..
ثم ماذا؟! ماذا على سورية
الرسمية أن تقدمه للخروج من
الشَّّّرَك الذي دفعت حزب الله
ومن ورائه لبنان إليه؟! المشورة
بالطلاق كما يقول العامة لم
تتبعها مساعدة بالنفقة، ورجل
الشارع السوري بالأمس كان ينادي
في حلب: للجولان خذونا. الإحساس
الوطني في سورية يرى في الجولان
المخرج والاستحقاق. فهل لهذا
الإحساس مرتسمه في نفوس الذين
دفعوا بلبنان إلى فوهة البركان؟!
لا
نكتب بلغة المزايدة الوطنية،
ولا نريد أن ندفع إلى خطوة غير
محكمة، كما لا نريد أن تدمر دمشق
كما دمرت بيروت وكل لبنان.
ولكننا نصر على أنه لا بد لنا من
فعل شيء.. شيء عملي أكثر من
الموقف الدبلوماسي المطلوب من
جميع الساسة العرب. وأكثر من
التجييش العاطفي على شاشة
التلفزيون السوري وأكثر من
التمسح بعباءة المقاومين..
الشعب السوري أجمع مستعد لخوض
معركته ومعركة لبنان وهي معركة
واحدة إذا صح العزم واستقامت
الطريق.
نشعر
أن حزب الله قد دُفع إلى شرك غير
محسوب العواقب، وأن لبنان كل
لبنان قد وقع فيه، وأن الذين
دفعوا لبنان تخلوا عنه إلا من
حديث لا يسمن ولا يغني من جوع.
أحمد نجاد يزعم أنه سيتصدى إذا
هوجمت سورية فلماذ لا يتصدى
ليرد الأذى عن لبنان الإنسان
والعمران.