رهان
الكراهية
زهير
سالم*
ثقافة متسامحة لا تفرز محاكم
تفتيش، وقبول بالآخر يؤكد في
عالمنا العربي والإسلامي خارطة
سكانية أكثر فتنة من ألوان قوس
قزح. هذا الواقع الحي المتموج
بألوانه وطَرْزِه يصبح اليوم
بفعل الإرادات المريبة
والإدارات الناقمة مادة للرهان..
يسوّقها لنا الحاقدون ويقع في
حبالتها من بني قومنا البسطاء
والسذج والموتورون.
رهان الكراهية، الكراهية التي
كانت أساساً في بناء حضارة
القوم حتى تقتل ملكة بريطانيا
أختها لخلاف مذهبي، يتدسس الآن
إلى عالمنا على جسور وفي أنفاق
مبالغة من القوم في تمزيقنا
وتفتيت ما تبقى من كياننا.
تقول زوجة القنصل البريطاني في
دمشق في أواخر القرن التاسع عشر
1870 (ايزابيل بورتون) في توصيف
لمجتمعنا العربي في بلاد الشام،
توصيف يعكس بالطبع ما في نفسها
أكثر مما في واقعنا (.. إنهم
جميعاً يكرهون بعضهم، فالسنة
يعتبرون الشيعة جماعة منعزلة،
وكلاهما يكرهان الدروز، وجميع
هؤلاء يمقتون العلويين،
والمارنيون لا يحبون إلا
أنفسهم، وبالتالي فالجميع
يبغضونهم، والأرثوذكس
اليونانيين يمقتون الكاثوليك
اليونانيين واللاتين، وجميع
هؤلاء يزدرون اليهود..)
هذه الصورة المزيفة، التي يبني
عليها القوم استراتيجيتهم منذ
قرون، ماتزال
مادة للرهان لتمزيق أمة
والاتيان على وجودها والتسلل
إلى بنيوتها الداخلية لاجتياح
جميع الخلايا والحجرات.
وهذه الصورة المزيفة إن كان لها
رصيد من حقيقة فإنما هي في عقول
ونفوس المحدودين العاجزين عن
رؤية التعايش الودود الذي ساد
المجتمع المتحضر في ظل بني أمية
كما في ظل بني العباس. في نفوس
أولئك الذين لم يستطيعوا أن
يلتقطوا صورة لصلاح الدين
الفارس المسلم الذي يظل مرابطاً
على ظهر جواده حتى يرد على امرأة
من الصليبيين وليدها..
نعم إنهم يراهنون على الكراهية
لتمزيقنا وتفتيتنا أوطاناً
وإنساناً. فمن يتصدى لهذا
الرهان فيفشله! ومن يقلب
الطاولة عليهم فيحول سيل
الكراهية الذي يصدرون إلى هؤلاء
الذين ينفذون المذابح علينا في
فلسطين وفي لبنان وفي العراق.
---------------
*مدير مركز الشرق العربي
للاتصال بمدير المركز
00447792232826
zuhair@asharqalarabi.org.uk
31/07/2006
|