طريق
طويل أمام شعبنا في سورية
زهير
سالم*
مرّ أكثر من قرن
ونصف القرن وشعبنا في سورية لم
يستطع أن يقف على عتبة مشروع
نهضوي حقيقي. فالذين قادوا هذا
المشروع في حلقاته المتعاقبة
كان ينقصهم سداد الرؤية، وصحة
العزم، ويعيقهم الارتهان إلى
عقائد وأفكار ومشروعات مجزوءة
أو مجزوزة ما لها من قرار.
لقد أعاق شعبنا عن
تحقيق ذاته، والتأسيس لمشروعه،
عوامل كثيرة ذاتية داخلية
وخارجية تناوبت عليه مؤامرات
ومشروعات وهجمات..
وإذا كانت عوامل
الإعاقة الخارجية باختلاف
أشكالها وأوزانها نوعاً من
ضريبة لا يعرى عنها شعب ولا تنجو
منها أمة تريد أن تملأ فراغها
الخاص في هذا الوجود؛ فإن عوالم
(الإعاقة) الداخلية كانت المؤثر
الأبلغ في عرقلة المشروع
النهضوي. كان بعض هذه العوامل
جزءاً من ركام التخلف بمظاهره
المتعددة، والتي استطاع شعبنا
أن يتجاوز الكثير منها، فشغلت
واجهات المجتمع نخب علمية
وثقافية وإدارية واقتصادية
مشهود لها داخل الوطن وخارجه.
وكان الاستبداد أو الفساد
السياسي إذا صحت العبارة هو
عامل الإعاقة الأساسي الذي لم
يستطع شعبنا الانتصار عليه أو
تجاوزه.
لا شك أنه بعد
سقوط الدولة المحورية
المركزية، التي فعل فيها الهرمُ
فعله، لم تستطع النخب المجتمعية
التي كانت تعيش على أطياف
الماضي والشكل دون أن تنفذ إلى
حقيقة المقاصد والجوهر، لم
تستطع هذه النخب الشعبية على
اختلاف توجهاتها أن تتصدى لغول
التسلط، وأن تؤسس لنظام سياسي
ينبت من أرض الوطن، وينتمي إلى
العصر الذي تعيش فيه.
ومن هنا فقد تردت
الرؤية النهضوية لمجتمعاتنا
العربية تحت تأثير الفساد
السياسي الذي أجهض المشروع
النهضوي وأسس لمشروع الفساد:
الفكري والإداري والاقتصادي.
بالعودة إلى
المحطة التاريخية التي يعيشها
شعبنا، نجد أنفسنا مازلنا في
محطة الانتظار، في وقت علينا أن
ندرك فيه الفرق بين انتظار كان
في عصر الناقة أو عصر القاطرة
البخارية أو عصر الطائرة التي
تسبق الصوت. وعامل الإعاقة
السياسي، مازال ممسكاً بتلابيب
شعبنا بطريقة لا يحرمه فيها من
من الحركة الحرة المطلوبة
للانطلاق، وإنما يكاد يحرمه من
التنفس أيضاً.
وكان من ضمن آليات
مشروع الإعاقة السياسي (الاستبداد)
تحطيم جميع البنى والوسائط التي
يمكن أن تكون جسراً للتغيير. فقد
سبق الاستبداد إلى تحطيم بنى
المجتمع المدني التقليدية،
وحال دون نشوء بنى عصرية إلا تلك
التي تشاركه في تمكين بنيانه
الفاسد، كما حصد هذا الاستبداد
جميع الشخصيات والرموز
الشعبية، التي يمكنها أن تقود
عملية تغيير منتج.
علينا هنا أن نميز
بين القائد السياسي وبين الرمز
الشعبي، يبدو أن رفيق الحريري
قد دفع حياته ثمناً عندما بدأ
يتجاوز هذه الفجوة الخطيرة.
وحين تبدو القوى
السياسية على الساحة الوطنية
مشغولة بمدافعة أشكال
الحرمانات الصادرة بحقها، أي
أنها مستغرقة في مقاومة عوامل
السلب، وليس في التأسيس لعملية
البناء فإن المقام يقتضي حالة
استثنائية من اليقظة الشعبية
تشمل الجميع، وتنطلق في إطار
الوطن للتأسيس لمشروع نهضوي
يقوم على مرتكزيه الأخلاقي
والعملي معاً.
سورية في ليلها
الطويل تحتاج
إلى رموز الخلاص الوطني،
الذين لا يشغلهم هم شخصي عن هم
عام، والذين لا يقنعهم مكسب
وقتي عن مقصد شرعي، هؤلاء الذين
تفتقدهم سورية اليوم، ووجودهم
لا يكون بكلمة كن، ولكنهم بلا شك
قادمون، وأول شروط وجودهم
الإحساس بالحاجة إليهم، وفي
الليلة الظلماء يفتقد البدر.
*مدير
مركز الشرق العربي
18/06/2005
|