لعـق
العسـل
زهير
سالم*
في كليلة ودمنة
رواية ابن المقفع عن الفيلسوف
بيدبا أن رجلاً كان يمشي في
صحراء، فهجم عليه الأسد، هرب
الرجل من الأسد باتجاه شجرة
تظلل بئراً، تعلق الرجل بأحد
أغصان الشجرة، وتدلت رجلاه من
البئر.. نظر خلفه فإذا الأسد
يحاصره، رفع رأسه فإذا جرذ يقرض
الغصن الذي تعلق به الرجل، ونظر
أسفل منه فإذا في البئر تنين
عظيم رفع رأسه ليتلقفه.. وبينما
الرجل في حيرته، رأى في كوة في
جدار البئر قصعة من عسل فنسي كل
ما هو فيه وأقبل على العسل يلعقه...
ذلك مثل حزب البعث
في رؤيته الإصلاحية ونهجه. لسان
الحال يقول، سنعب الكأس ـ كأس
السلطة ـ حتى الثمالة ثم ليكن
بعد ذلك ما يكون.
وإذا كان رجل ابن
المقفع المعلق على فوهة البئر
لم يكن ليجد المخرج مما ابتلي
به، إلا أن حزب البعث كل بقليل
من التعقل قادراً على صنع
صيرورة أفضل أو لنقل أقل سوءاً
مما اختار لنفسه، ونظن أن البعث
يقدر جيداً ومحقاً تبعات أي
عملية إصلاح حقيقي. ليس من حقنا
أن نناقش البعث في خياره فعليه
أن يتحمل مسؤولية هذا الخيار.
وعلينا أبناء الشعب السوري أن
نتعامل بحكمة وجد وعزم مع
التحدي الذي فرضه حزب البعث
علينا جميعاً. وحين نترك لحزب
البعث أن يتحمل مسؤولية خياره
فلأن مصيره شأن يعنيه بالدرجة
الأولى، لأن علينا ابتداء أن
نفصل بين مصير فئة ترفض النظر في
العواقب وبين مصير شعبنا ووطننا
بشكل عام.
سنقبل بما قبله
البعثيون لأنفسهم، وسنرفض
وسنقاوم ما استطعنا بوسائلنا
السياسية المشروعة ما يريدون
فرضه علينا. فلقد اختار البعث
لشعبنا أن يعيش في دائرة الخوف
بفعل قانون الطوارئ. وأن يعيش
تحت الوصاية في ظل المادة
الثامنة من الدستور، وأن يبقى
في حالة عزلة بإغلاق أبواب
العمل السياسي الحرّ في وجوه
الناس. وأن يتردى شعبنا في مهاوي
الحاجة والفقر مادام البعث لم
يستطع أن يخطوا الخطوات الصحيحة
لمكافحة الفساد، والتي قلنا
أكثر من مرة أن نقطة البداية
فيها، وأن يرد إلى الخزينة
العامة كل ما سرق منها باعتماد
منهج من أين لك هذا؟ وأصررنا
أكثر من مرة أن تعطي قمة الهرم
لمشروعها في مكافحة الفساد
المصداقية العملية.
قد يكون لعق العسل
حلواً، ولكنها حلاوة لها ما
بعدها. وما فرض على شعبنا من خوف
وقهر ووصاية ومهانة وتبعية مرّ
بالتأكيد. وهي مرارة لها
تحدياتها وتبعاتها..
في سياقات كثيرة
كان ثمة من يطالب شرائح
المعارضة السورية بتطمينات
وطنية تبعث الثقة والطمأنينة في
نفوس طالما شحنتها سياسات
التخويف المختلفة لتكريس
القطيعة بين أبناء الوطن
الواحد، والمجتمع الواحد. ولقد
فعلت المعارضة السورية في مواطن
كثيرة ما طلب منها، وأكدت على
التزامها بدولة السواء الوطني،
وأنها ليس من ولا في تفكيرها
التمييز بين المواطنين على غير
أساس واحد هو الولاء للوطن. وأن
الانتقام أو الثأر، أو أخذ
العام بالخاص لن يكون أبداً
نهجاً سوياً في أي رؤية وطنية
رشيدة.
نظن وبعد كل الذي
قدمته المعارضة، أصبح من حقها
أن تسمع إعلان البراء من أولئك
الذين يلفهم لاعق العسل بشملته
على اختلاف دوائرهم. ولندع لاعق
العسل وشأنه ومصيره، ولنكن في
بحبوحة الصف الوطني واثقين
متكاتفين صرحاء.
*مدير
مركز الشرق العربي
22/06/2005
|