ما
لا يعرفه كبير أساقفة كانتربري
زهير
سالم*
بروح طيبة، ونية خيرة، ورؤية
غربية واضحة حذر كبير أساقفة (كانتربري)
من أن تنعكس السياسات التي
يمارسها الغربيون، القادة
والساسة ورجال الفكر والإعلام
على المسيحيين المشارقة وعلى
علاقتهم بالمسلمين وموقف
المسلمين منهم، وطرائق تعاملهم
معهم.
في البداية لا بد أن نلحظ
الباعث الإيجابي الذي يدفع كبير
الأساقفة إلى مثل هذا الكلام. في
محاولة لفرض حالة أكبر من
الاحترام المتبادل بين الأديان
والحضارات والثقافات وأتباعها
في كل مكان. هذا الاحترام الذي
يؤسس لعالم أكثر مودة ورحمة
وتفاهماً ويبني جسوراً للحوار
في جميع الاتجاهات. الاحترام
المتبادل، أو التوقف عن التراشق
بالإهانات أو السباب كطريقة
حضارية للتعامل، وسداً لأبواب
الذرائع التي قد تشيع بين بني
الإنسان أنواعاً من الفصام،
والعدوان على الحق الأبلج في
إطار تناول لجالج الباطل في
مظاهره المختلفة. هذه القاعدة
أو هذا القانون الحضاري
الإنساني أقره الإسلام منذ ألف
وخمسمائة عام مع المشركين من
عباد الأوثان.. فقال تعالى: (ولا
تسبوا الذين يدعون من دون الله
فيسبوا الله عدواً بغير علم
كذلك زينا لكل أمة عملهم..) ولا
يكاد ينقضي العجب من التعقيب
الرباني في هذا الكلام المعجز،
كذلك زينا لكل أمة عملهم!!
في تصورنا أن إطفاء حريق بحجم
الحريق الذي تثيره قذائف السباب
أو الاتهامات المتبادلة
العابرة للقارات وللحضارات،
وتجفيف منابع الكراهية
والبغضاء التي تغذيها الحماقات
والرعونات تقتضي قانوناً
إنسانياً مدنياً عاماً يحوط
اعتقادات أبناء البشر وأديانهم
ومقدساتهم بسور من الحصانة لئلا
يعدو عليها العادون.
أسقف كانتربري كان يتحدث في
إطار العلاقة بين المسلمين
والمسيحيين، ويتحدث بلغة
ذرائعية متخوفاً على مصير
المسيحيين في الشرق. ونحن نتحدث
في إطار إنساني عالمي، وفي سبيل
التأسيس لعلاقة أفضل بين بني
الإنسان.
وفي السياق الذي تحدث فيه كبير
الأساقفة لا بد أن نلحظ معنى آخر..
معنى الرؤية الغربية التي طُبعت
أصلاً على التعصب ورفض الآخر،
ثم حاولت أن تتطبع مكرهة على ما
سواها.
نعتقد أن الخلق الحضاري أو
المدني لشعب ما لا علاقة مباشرة
له بمستوى رفاهه أو تقدمه
المادي، أو الاقتصادي.. نحن
نعتقد أن بدوياً في أسماله في
جبال أفغانستان أو في صحراء
جزيرة العرب أو في جنوب السودان
أو الصومال قد يكون أكثر (تحضراً)
و(تمدناً) و(رقياً) من كثير من
أصحاب الياقات البيض المنشاة أو
نزلاء فنادق الخمس نجوم أو
مديري المصانع أو الشركات
الكبرى في العالم.
وبناء على هذه الرؤية نتساءل عن
مغزى القيام بعملية إحصائية
دقيقة لردود الأفعال التي مورست
ضد مسلمين أو شرق أوسطيين عقب كل
عملية نالت بالأذى، وإن كانت
مدانة، شعوباً تصنف تنموياً على
أنها تنتمي للعالم الأول. كم
مسجد أحرق في الولايات المتحدة،
كم حالة من العدوان تعرض لها
أفراد أو مجموعات. ما هو حجم
التصرفات التي مورست على
المستوى الفردي والجماعي بل
الرسمي أيضاً في هذا الإطار؟!
ونتجاوز الولايات المتحدة
لنقول الشيء نفسه عن كثير من
الوقائع التي شهدها الغرب
الأوربي والتي سينضم إليها،
كأشكال لردود الفعل اللاحضارية
والمباشرة رسومات الدنمارك أو
تصريحات البابا.
بالمقابل فإن القتل الذي يلحق
بالمسلمين صباح مساء في فلسطين
والعراق وأفغانستان، إما باليد
الأمريكية والغربية أو بالسلاح
الأمريكي والغربي؛ لم يحظ إلا
بعدد أقل بكثير من ردود الأفعال
الفردية!! إن أي عملية إحصائية
لرود الفعل الفردية في أنحاء
العالم الإسلامي ستشهد أن
الشعوب الإسلامية وإن كانت هي
الأقل قوة والأشد فقراً إلا
أنها الأكثر رقياً في ميادين
الحضارة والمدنية.
إنها شعوب تربت على قاعدة أنه (لا
تزر وازرة وزر أخرى). شعوب تردد
كل يوم عشرات المرات (الحمد لله
رب العالمين..) وتعتقد أن الله (سبحانه
وتعالى) ليس حكراً لها وحدها،
إنه ليس رب اليهود فقط ولا رب
النصارى فقط كما يقول الرئيس
بوش وقائده المظفر المخلوع
رامسفيلد.
شعوب تربيت على أن للآخر مكانته
وحقه في الوجود والحياة
والاعتقاد والعبادة. المسيحيون
في الشرق يا صاحب النيافة في
مأمن لأنهم في محضنهم الطبيعي
بين أهلهم وذويهم، وعلى أرضهم،
وهم بين ظهراني قوم يؤمنون
طبعاً لا تطبعاً بحقوق الإنسان
وبكرامة الإنسان وبمكانة
الإنسان.
---------------
*مدير مركز الشرق العربي
للاتصال بمدير المركز
00447792232826
zuhair@asharqalarabi.org.uk
26/12/2006
|