لم
يكن قصاصاً بل كان انتقاماً
زهير
سالم*
لم يكن إعدام الرئيس العراقي
صدام حسين قصاصاً عدلاً،
فالقصاص العدل أول ما تخضع له
الرقاب، ويذعن لحكمه القريب
والبعيد، الموافق والمخالف. لم
يكن إعدام الرئيس العراقي صدام
حسين قصاصاً عدلاً لأن أول
العدل عدل في القانون وعدل في
القاضي وعدل في مجريات التقاضي
أصوله وقواعده، ظروفه
وملابساته... ولا أحد من رجال
القانون في هذا العالم يستطيع
أن يزعم أن محاكمة صدام حسين،
التي كانت أشبه بالأداء
المسرحي، توفرت فيها شروط
العدالة والمصداقية، وأن
القاضي الذي أصدر الحكم تمتع
بالحياد والنزاهة.
لا أحد من أنصار العدل أو من
أنصار الحرية في هذا العالم
يمكن أن يدافع عن الاستبداد أو
عن الظلم، لا يمكن لأحد من هؤلاء
أن يتناسى عذابات المظلومين،
ولا أنات المضهدين، ولا آلام
المعذبين. معالم الحق في النفس
الإنسانية السوية تأبى، ورفات
الضحايا والحسرات في قلوب
الآباء والأمهات تأبى، والغد
المأمول في مجتمعات للعدل
والحرية والحب تأبى..
الموقف ليس دفاعاً عن فرد وإنما
هو دفاع عن مبدأ. هو دفاع عن
العدل في الصورة التي يجب أن
يتجلى فيها العدل، ورفض للظلم
والاستبداد بوجهيه وبطريقتيه.
لا يمكن لك أن ترفض الظلم بتغيير
أسماء أو ألقاب أو دوافع
الظالمين.
لم يكن إعدام صدام حسين في
الحكم الذي تأسس عليه، وفي
الطريقة التي نفذ بها وبالتوقيت
الذي اختير له قصاصاً عادلاً
وإنما كان قتلاً انتقامياً
أمريكياً صهيونياً طائفياً
بامتياز..
كان
قتلاً أمريكياً انتقامياً لأن
الرئيس بوش يريد دماً يغسل به
إخفاقه وفشله ورعونته التي جلبت
على العراق وعلى المنطقة وعلى
بني قومه كل هذا الدمار...!! زُين
له أن قتل صدام حسين سيقطع أمل
مناصريه، وسيحقق لبوش النصر
الذي وعد به قومه طويلاً ومناهم
به الأماني... لم يدر بوش، أو لم
يَصْدقه ناصحوه أن المقاومة في
العراق حالة شعبية عامة تتجاوز
حزب البعث، وتتجاوز صدام حسين،
لم يدر بوش ولم يَصْدقه ناصحوه
بأن قتل صدام حسين، بالطريقة
التي قتل بها، وبالتوقيت الذي
نفذ الحكم فيه، ومع الأصوات
التي صاحبت عملية القتل الفاجع
سيهز الضمائر والنفوس ليس في
العراق وحده، وإنما في عالم
ممتد من طنجة إلى جاكرتا...
الرئيس بوش لم يحترم القانون
الدولي، لأن القانون الدولي
يعطي صدام حسين وصف أسير حرب،
وأسرى الحرب في هذا القانون لا
يُقتلون... والرئيس بوش لم يحترم
شرائع حقوق الإنسان لأن شرائع
حقوق الإنسان تحرم القتل حتى
على عتاة قطاع الطرق والمجرمين...
والرئيس بوش لم يحترم قانون
السماء الذي يجعل الحياة
الإنسانية فوق الانتقام، ويجعل
العدل أساس القصاص، ويجعل من
القصاص مدخلاً رحباً للحياة (ولكم
في القصاص حياة يا أولي الألباب)...
وكان إعدام صدام حسين قتلاً
وانتقاماً صهيونياً بامتياز...
انتقاماً تكرست فيه إحن التاريخ
الطويل منذ نبوخذ نصر والأسر
الكبير. كان انتقاماً من صاحب
أول مفاعل نووي عربي، وكان
انتقاماً من أول رئيس عربي يوجه
صواريخه نحو دولة إسرائيل، وكان
انتقاماً من الرجل الذي أصر أن
يردد وحبل المشنقة يلتف حول
عنقه: فلسطين عربية. كان إعدام
صدام حسين تمكيناً لعصابات
الموساد، ولتجار بني صهيون
الذين يسرحون ويمرحون على أرض
العراق بعد أن غاب عن العراق
الرجل الذي أقض مضاجعهم طويلاً...
لم يغضب بنو صهيون ولا حلفاؤهم
من اجل نزلاء الزنازين أو
المقبورين في المقابر الجماعية
وإنما كان غضبهم لما نعلم
جميعاً ولما يعلم عملاؤهم على
أرض العراق..
كان إعدام
صدام حسين انتقاماً طائفياً
محضاً في تأسيسه وفي توقيته وفي
تنفيذه... حقيقة ضجت بشواهدها
موجات الفضاء. في لحظة تحول رئيس
الوزراء في دولة إلى رئيس
طائفة، وتحولت أجهزة الدولة إلى
أدوات للعبث الطائفي، فكان ما
كان في إعدام صدام حسين ورأى
العالم ما رأى، وسمع العالم ما
سمع...
تقدم صدام حسين إلى حبل
المشنقة، رابط الجأش ثابت
الجنان مؤكداً انتماءه لأمته
واعتزازه بها، صارخاً في وجوه
الذين أحاطوا به: عاشت الأمة!!
وهم أعلنوا منذ أول يوم تحركوا
فيه انشقاقهم عن هذه الأمة.
كانت آخر كلمة تخرج من فم صدام
حسين: (أشهد أن لا إله إلا الله
وأن محمداً رسول الله) وحيال هذه
الكلمة المضيئة لا يملك المرء
إلا أن يقول: لله الأمر من قبل
ومن بعد.
---------------
*مدير مركز الشرق العربي
للاتصال بمدير المركز
00447792232826
zuhair@asharqalarabi.org.uk
04/01/2007
|