تأملات
في التعاسة العربية
سمير
قصير
في
ذكرى رحيله الثانية
زهير
سالم*
2 حزيران 2005 هل سيكون هذا اليوم
منسياً في التاريخ الحديث
السورية ولبنان وفلسطين؟ على
الأقل إنه ليس كذلك بالنسبة
لعائلة سمير قصير، ولرفاق دربه،
وللمتابعين لقضية العدل
والحرية في العالم العربي..
2
حزيران 2005 قنبلة في سيارة تنفجر
بمناضل كان يعرف بحق ما يريد،
وما يلتزم به، ويستعد لدفع
تكاليفه. كان هذا المناضل هو (
سمير قصير) الأكاديمي
والجماهيري في آن رجل الدوائر
المفتوحة، المنخرط في محاولات
لا تكل للزحف في ظروف بالغة
القسوة نحو ما يعتقد أنه الأفضل..
أصدق الاحترام ما تكنه لمخالف.
احترام يفرضه صاحبه بصدقيته
ويقتضيك الوفاء للحقيقة أن
تبادر للتعبير عنه في ساعة يروق
للكثيرين الصمت، لا يستطيع أي
مفكر أو مثقف أو مناضل إلا أن
يقف باحترام أمام ذكرى الراحل
الذي مهر مواقفه وكلماته بدمه.
بأبسط التعابير تستطيع أن تقول
بأن (سمير قصير) كان أكبر من جميع
الانتماءات الصغيرة التي تُفرض
على المرء أحياناً اضطراراً أو
اختياراً. كما كان أكبر من جميع
الأفكار التي ولدها عقله
الوقاد، لأنه كان يحتويها دون
أن تحتويه، المتعصبون وحدهم هم
الذين يقعون أسرى أفكارهم. كان
سمير قصير متعصباً فقط ضد
التعصب لأي انتماء مهما بدت
للآخرين قدسيته وأهميته. كان
يلح كأكاديمي على عمل العقل،
وكمناضل على الحركة الواقعية
التي تتقدم دون كلل من موقع إلى
موقع..
كان الرجل ملحوظاً في كلمته وفي
حركته على الساحة (السورية –
الفلسطينية- اللبنانية)، وكان
في إطار فكره وحركته معاً
يتجاوز كل العنعنات والقوالب
الجامدة.. (أرثوذكسي، مسيحي،
قومي، علماني، فلسطيني،
لبناني، سوري، يساري ديمقراطي)
هل كان سمير قصير واحداً من
هؤلاء؟! إذا شئت قلت إن سمير
قصير لم يكن إلا سمير قصير ذاته.
ذلك أنك لن تستطيع أن تنسبه إلى
أي دائرة مرسومة بصلابة، فما
أسرعه إلى تحطيم الحواجز وتجاوز
الخطوط الحمر التزاماً برؤيته،
وتحدياً لاتجاه التيار.
تتفق، تختلف، تنتقد، هذا شأنك،
وهو حقك أيضا ولكن لا يمكن أن
تفعل ذلك إلا باحترام. ربما لا
نستطيع أن ننسب سمير قصير بحزم
وجزم إلى غير دائرتي (الحرية) و(الديمقراطية)
والاندفاع بهوس في طريقهما إلى
المصير المحتوم..
كان سمير يمسك بالكثير من
قوانين التاريخ، ومن أسرار
اللحظة، كان ابن أمة يجيد
الانتماء إليها، كما يجيد
التأمل الحر في أسباب تعاستها و
شقائها، يخطئ
أو يصيب ليس ذلك هو المهم،
المهم أنه يتلمس ذلك بحرقة ووله
وصدق. كان لا يبالي في سبيل ذلك
أن يضع أصبعه بشيء من الشدة أو
القسوة على الدمل المحتقن أو
الجرح النازف.
لقد مثل سمير قصير في كتاباته
ومواقفه دور المعلم الفلسطيني
الفريد، الذي ما زلنا أو ما زلت
نفتقده وأفتقده في الكثير من
القادة الفلسطينيين على اختلاف
الانتماءات، دور أتمنى على
الكثيرين أن يتأملوه بإمعان.. لا
معنى أن يرتفع جرح فوق جرح، أو
أن تنتهك ضحية من أجل ضحية!! بين
يدي مجريات ( النهر البارد)
ومقولات لا يطلقها هذا أو ذاك
هنا وهناك، نفتقد اليوم سمير
قصير الذي آمن أنه سوري ولبناني
بقدر ما هو فلسطيني، وأن قضية
العدل والحرية في سوريا ولبنان
وفلسطين واحدة، وأن عدو الحرية
والعدل في سوريا ولبنان وفلسطين
واحد. وأنه تنين برأسين ووجهين
ينفث هناك دماً ودماراً وينفث
هنا ناراً وشتاتاً..
هذا الإدراك الكلي لأفق القضية
ووحدتها كان السبب الأساسي الذي
من أجله قتل سمير قصير ولعل أول
الوفاء لسمير
يوم ذكراه أن يدرك الجميع
الحقيقة التي قتل من أجلها..
---------------
*مدير
مركز الشرق العربي
للاتصال بمدير المركز
00447792232826
zuhair@asharqalarabi.org.uk
10/06/2007
|