نيو
أورليانز
عزاء
ومواساة وأشياء أخرى
زهير
سالم*
نحن ـ المسلمين ـ نؤمن بعقيدة
تقدس الحياة وتكرم الإنسان.
وكشعوب نأوي إلى خلفية حضارية
قامت على التسامح والحب
والاعتراف بالآخر وصون كينونته
والدفاع عن حريته؛ ومن هنا
يعتصر قلوبنا الألم ونحن نتابع
مشهد المأساة التي حلت في
المدينة الأمريكية (نيو
أورليانز) نألم للضحايا
والمشردين والمنكوبين، ومن
قلوب منغمسة في الصدق نتقدم
بالعزاء للشعب الأمريكي ولأسر
الضحايا والمنكوبين.
ولكن أشياء أخرى ينبغي أن تقال
في هذا السياق، وإن كان المقام
لا يحتملها، لأن المواجع نسب
بين أصحابها. اشياء نقولها
لأولئك الذين قرروا التجديد
للإدارة الحالية وهم يعلمون
أنها لعبت، بما امتلكت من وسائل
القوة المادية، دور الإعصار
كاترينا في حياة بعض الأمم
والشعوب.
لقد حطمت هذه الإدارة برعونتها
حيوات جيل كامل في أفغانستان،
وتركت العراق شبح دولة يترنح في
مسلسل الحماقات التي ارتكبها
هناك بوش وتشيني ورامسفيلد.
لا تستطيع وقلبك يُعتَصر لمشهد
الدمار في (نيو أورليانز) وللناس
الذين باتو بلا مأوى مشردين في
أغنى دول العالم أن تستحضر صور
المشردين من أبناء فلسطين منذ
ما يزيد على نصف القرن وقد
اقتلعهم (كاترينا) الصهيوني من
ديارهم وطوح بهم بعيداً
بالمباركة الأمريكية والدولية،
أو مشهد أبناء أفغانستان تدك
أكواخهم الطينية وحفلات
أعراسهم المتواضعة الطائرات
الأمريكية، أو أبناء الفلوجة
يقضون عاماً كاملاً في العراء
بفعل قاصد وقرار صاحب صولة..
لا تستطيع وأنت تشم رائحة الموت
عبر عدسات الفضائيات في (نيو
أورليانز) إلا أن تتذكر الرائحة
التي أطلق الأمريكي بخورها على
أيدي وكلائه منذ أربعين عاماً
في مدينة حماة السورية أو في سجن
تدمر الصحراوي حيث مارس (كاترينا)
البعث أكثر أفعاله دموية وعنفاً
بمباركة عالمية لم تجد من
يستنكرها حتى الآن.
لا تستطيع أن تتغاضى عن صمت
عالم يدعي المدنية والحضارة على
القانون 49/1980 الذي يمثل أعتى
وأقسى ما كان في محاكم التفتيش
فيحكم بالإعدام على مجموعة من
بني الإنسان أعلنت في مواثيقها
وبرامجها وعقائدها نبذها للعنف
بكل أشكاله وإيمانها بالحوار
ودعوتها إليه. قانون يتبجح به
مصدروه على مشهد من العالم
بطريقة تنسيك أنك في القرن
الحادي والعشرين.
تتابع ما يجري في (نيو أورليانز)
والألم والحزن يعتصرانك، وحبك
لبني الإنسان يقفز بك من مقعدك
لتمد يدك، لو وصلت، لطفل تنتشله
من البلاء أو عاجز تعينه على
النجاة، أو مدنف تمده بقطرة من
دمك أو بكلمة طيبة تخفف عنه بعض
ما يذوق من عناء، أو إنسان تواري
ما بقي منه.. ولكن السياق يفرض
عليك أن تتساءل أيضاً على مَن
سيغضب الرئيس بوش هذه المرة؟!
ومن سيتحمل مسؤولية ما جرى
ويجري، ولماذا تخاذلت أقوى دولة
في العالم عن نصرة بنيها كما لم
تفعل الدول المكدودة
المستضعفة؟!
تعود إلى نفسك لتقول لله في كل
ما يجري على هذه الأرض حكمة
بالغة. ثم لماذا كانت القارعة
الربانية في مدينة أكثر سكانها
من الفقراء والمستضعفين؟! تلك
حكمة أخرى أرادها الله لكشف
الكثير من الزيف والزخرف
والادعاء.
بوش الذي ظن أنه لا يوجد في
العالم من يقول له: لا.- جاءه
الإعصار (كاترينا) يردد على
مسمعه: (وكذلك أخذ ربك إذا أخذ
القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم
شديد).
اللهم لا شماتة..
ولضحايا الكارثة كل المواساة
والمساندة..
وللشعب الإمريكي العزاء..
ولطغاة العالم أجمع: ( إن في ذلك
لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى
السمع وهو شهيد).
*مدير
مركز الشرق العربي
07/09/2005
|