الديموقراطية
خيار الأكثرية
زهير
سالم*
يقود الغرور أو سوء التقدير
البعض أحياناً ليظنوا أن
المجتمع كله منقاد لأفكارهم، أو
نازل على حكمهم، أو تابع لما
ينظّرون ويدبرون!!
كثيرون من الذين يطرحون (الديموقراطية)
خياراً أو منهجاً لصيغة الدولة
المستقبلية في بلدنا سورية
تراهم يسبقون أنفسهم إلى فرض
أدق التفصيلات في ملامح الدولة
المقبلة مرتكزاتها وآفاقها،
قواعدها ومناهدها، حتى يبلغ
الأمر بهم إلى التدخل في توزيع
الحصص المدرسية، أو في بحث
تفصيلات المناهج التعليمية على
طريقة أي حزب شمولي اعتقد في يوم
من الأيام (أنه هو) وأن كل من
عداه متخلف أو تبع ينبغي أن يرضخ
لحكمه أو ينزل على رأيه، فعن أي
ديموقراطية يتحدث هؤلاء، وأي
ديموقراطية ينشدون غير
ديموقراطية الحزب القائد
للدولة والمجتمع. وربما الذي
يعنيهم من الديموقراطية التي
يدعوننا إليها أو يزينون لنا أن
يستبدلوا اسم مستبد بآخر وأن
يديورا النار على قرصهم ليخرجوا
من قصر الرئاسة شخصاً ويدخلوا
آخر.
ففي طروحات المناطقة يطلق على
الحالة التي نتحدث عنها مصطلح (المصادرة
على المطلوب!!) يبدأون
قبل أن يمسكوا السلطة أو
يقاربوها، بتفصيل الديموقراطية
على مقاسهم أو وفق أهوائهم
تماماً كما فصل الدستور السوري
بالأمس القريب على مقاس الفرد
بالنسبة إلى الديموقراطية فهي
كفلسفة تقوم على حرية الفرد
المجرد مسبقاً من كل لون وعلى
أساس من المساواة التي ينظمها
ناظم المواطنة كمناط عام للحقوق
والواجبات بغض النظر عن الدين
أو الفكر أو اللون أو الجنس.
وهي كمنهج أداة محايدة تتبع رأي
الأكثرية وتنزل الأقلين على
حكمهم في إطار دائرة الحرية
الأولى وما ترسمه الأكثرية من
توافقات.
فالديموقراطية التي تعبر عنها
في هذا المقام صناديق الاقتراع
هي دائماً الحكم الفصل بين
أصحاب الأفكار والبرامج
والدعوات.
فلا يمكن أن نكون ديموقراطيين
مثلاً إذا كان بعضنا يصر على أنه
لا يقبل إلا أن تكون
الديموقراطية في خدمة:
العلمانية أو الرأسمالية أو
الاشتراكية ولا حتى الإسلامية.
لأن الديموقراطية تحتم على
أصحاب هذه الدعوات أن يكونوا
منقادين لما تجيء به صناديق
الاقتراع. كل الذي يمكن لهؤلاء
أن يفعلوه أن يزينوا برامجهم
وأن يزخرفوا أطروحاتهم ثم
يتقدموا بها إلى الناس لينالوا
تأييدهم.
الديموقراطية كفلسفة حالة من
الاستواء النفسي تجعل الإنسان
بعيداً عن احتكار الحقيقة
والصواب مستعداً لترك فسحة
لآراء الآخرين ولطروحاتهم أو
على الأقل للنزول عليها وأن
يسايروا الركب وإن خالفهم حتى
يقنعونه بقناعاتهم ويرونهم ما
يرون.
وهي كمنهج تحدٍ يفرض على أصحاب
الدعوات ليكونوا الأقوم سبيلاً
والأصدق قيلاً والأقرب إلى قلوب
الناس والأكثر حرصاً على
مصالحهم واهتماماً بمعاناتهم.
كإسلاميين نعلم أن قبولنا هذا
التحدي يفرض علينا أن نخوض
سجالاً غير متكافئ نظراً لما
يملكه الآخرون من أدوات التمويه
والتزييف المادية والمعنوية
والداخلية والخارجية.
ولكننا قبلنا هذا التحدي ثقة
بالمنهج الأبلج الذي ندعو إليه،
وحسن ظن بمجتمعنا الذي ندعو فيه.
حسن الظن لا يدعونا إلى التواكل
ولا إلى العجز والغرور فالمضمار
طويل، والمفاجآت كثيرة،
وأساليب التمويه كثيراً ما تبهر
أو تخطف الأبصار.
قبلناه تحدياً مفروضاً علينا،
الكثير من العمل والأمل
والالتصاق بشعبنا في تجليات
انتمائه الكبرى.
سورية القادمة ينبغي أن تكون
دولة حديثة تعددية تداولية
ديموقراطية وعلى الجميع ونحن
منهم أن يخضع لمخرجات صندوق
الاقتراع.
*مدير
مركز الشرق العربي
للاتصال بمدير المركز
00447792232826
zuhair@asharqalarabi.org.uk
17/11/2005
|