على
رؤوس الإبر
زهير
سالم*
على
رؤوس الإبر نتقدم، ففي المنطقة
الرمادية يصعب القرار .وبين (البيّن
والبيّن) أمور متشابهات لا
يعلمها كثير من الناس، وإن
علموها فعلى وجه الاجتهاد
والترجيح وليس على وجه القطع و
اليقين. وربما ترجح القرار
الصعب عند صاحبه بعلة خفية تخرج
به عن قياس جلي، وتتجافى عن علة
ظاهرة تغلق على بعض أصحاب
الظواهر منافذ الرؤية وآفاق
التفكير . بعض التعلق بالظاهر،
والانشداد إلى ما رغا وطفا دون
الغوص إلى الحقائق هو تعلق
بدموع إخوة يوسف يوم (جاؤوا
أباهم عشاء يبكون) .
كيف
يتخذ في الموقف الضنك القرار؟
هل علينا أن نفكر بصوت مرتفع
لنضع المعادلة بكل أبعادها أمام
من ثرّب علينا إشفاقاً أو
شنآناً ؟!
على
رؤوس الإبر نتقدم ، وعندما
تتقدم على رؤوس الإبر تقدم على
ما لا تحب ، وتنخرط فيما لا تريد
، فخيار المضطر ليس خياراً .
وأول العذر لقرار المضطر
اضطراره . قال (فمن اضطر غير باغ
ولا عاد فلا إثم عليه). وإنما
الاثم على من حاصره في مربع
لاضطرار. وهذا أول الفقه لقوم لا
يفقهون.
*****
لا
أحب أن أقول لأحد من أبناء أمتي (من
طنجة إلى جاكرتا ) إن شأن وطني
ليست شأنك . بل إنني سأتهمهم
بالخذلان إن فعلوا ذلك ..شأننا
الوطني بكل أبعاده شأن إسلامي
وشأن عربي ، وحين أنظر إلى
المأساة التي يعيشها شعبنا بكل
ما فيها من قسوة وعنف وإنتهاك
وعدوان على آدمية الإنسان
أستشعر وأنا المستضعف تحت رحى
الظالمين أن لي على أبناء أمتي
حق النصرة والعون والتأييد .
وحين أراهم يظاهرون الظالم
ويمالئونه لما في يديه من عرض
الدنيا ، وجاه السلطان لا أملك
إلا أن أقول لهم (حسيبكم الله ...)
*****
نحن وهم والمشروع
الصهيوني الأمريكي
بعض القوم يحاول أن يبيع
الماء في حارة السقايين فنحن، و
أقصد المواطن السوري الحرّلأبي
، ما زلنا ندفع منذ نصف قرن مضى
ضريبة المعارضة لهذا المشروع ثم
يرمينا بعض القوم بدائهم!! ...
ولكي نختصر على أصحاب
اللجاجة لجاجتهم، و نضعهم
في مواجهة حجة
إبراهيم عليه السلام على نمرود!!
نقول للذين انحازوا إلى الظالم
وظاهروه ، وخذلوا الذبيح
والمعتقل والطريد والارملة
واليتيم يكفيكم فخراً أن خياركم
في هذه المظاهرة قد تطابق مع
خيار شارون وشيعته!! ألم يسمع
العالم أجمع، لحظة حصحص الحق
شارون وميمنته وميسرته يطالبون
بالحفاظ على (قامع الأصولية ) في
دمشق وصمام الأمان في وجه
المارد الإسلامي الذي طالما
تفاخر القوم بإنهم الوحيدون
القادرون على لجمه لكي لا يجعل
من جبهة الجولان مثلاً آخر
لجنوب لبنان؟! وكم تعهدوا
بتقديم الدروس الخصوصية في
طرائق الأستئصال وأفانين
الاجتثاث للأمريكان وغير
الأمريكان...
ثم
إنه لا يمكن لمواطن سوري حرّ أن
يقارب المشروع الصهيوني
الأمريكي بله أن يتحد معه!! .
وإنما الذي كرس هذا المشروع
واقعاً في حياة المجتمع السوري من
ترك للمحتل الجولان مع الهناءة
دون أن يفكر يوماً بتذكيره أن
للاحتلال ثمناً ، وأن (حماة
الديار) هم دائما بالمرصاد.
نتحدث عن ثلاثين عاماً من فصل
القوات حولت الجيش السوري إلى
حرس حدود!! ليس حدود سورية
بالطبع فقد اخترقت هذه الحدود
أرضاً وجواًُ مرات ومرات دون أن
تستبد النخوة يوماً بأصحابها
ليثبتوا أن لهم مهمة أخرى غير
حراسة حدود المغتصبين.
ومع
أن شعبنا رفض مدريد وكل
تداعيايتها، فقد أعلنت قواه
الحية لتخفف من وطأة المشروع
الصهيوني الأمريكي يوم قاموا و
قعدوا بإسم الخيار الاستراتيجي(دعمها
لجهد المفاوض السوري) في معركته
السياسية مع الاعتراض المبدأي
على ما كان وما يكون. وللمشروع
الصهيوني الأمريكي أبعاده
الثقافية والاجتماعية
والاقتصادية
التي كنا وما زلنا نقاومها،
منذ أن تبناها البعث العربي
الاشتراكي فلسفة ومنهجاً
وسياسات يحملنا عليها رغبة
ورهبة !! وإذا لم يصح هذا في
الأذهان فلماذ يصح؟!
وليس يصح في الاذهان شيء
إذا احتاج النهار إلى دليل
الفساد والمشروع الصهيوني الأمريكي
تفريغ
القوى ، وهدر طاقات الوطن ،
وإفقار المجتمع و إلقاء أبنائه
في دوامة الحاجة وذلها، طوابير
على الأفران وأخرى على المؤسسات
وثالثة جري وراء جرة غاز،
وإملاق يشيع بين الناس الرشوة
أوالتسول وسرقة للمال العام على
نحو تحدث عن عشر معشارة مجلس
الشعب ... أهذا الذي يقاوم
المشروع الصهيوني الأمريكي (في
رأي الضاربين بالدف والنافخين
في الزامور)؟! والذي يطالب بوقف
هذا إو إصلاحه والتصدي له، ويمد
يده للمساندة والمساعدة
والاصلاح المتدرج يحسب على
المشروع الصهيوني الامريكي!؟
الذي
يقاوم الفساد صهيوني أمريكي،
والذي يؤسس له ويحميه ويقطع
لساناً تحدث عنه أو يداً أمتدت
إليه مقاوم للمشروع الصهيوني
الأمريكي ممثل لخط الممانعة
الأول في الأمة!! وينسى السادة
أن ضياع مملكة سبأ وانهدام سد
مأرب إنما كان فيما زعموا بسبب
جرذ نخر أصل السّد وقاعدته..
الحرية والكرامة والمشروع الصهيوني
الأمريكي
وأما
الهوى فشر إله عُبد من دون الله
تعالى (أفرأيت من أتخذ إلهه
هواه، وأضله الله على علم ،
أفأنت تكون عليه وكيلا...)
أليس
الهوى المتبع المعبود من دون
الله هو الذي يصيّر المستبد
الظالم المعتدي على حريات الناس
المنتهك لحقوقهم المحطم
لكرامتهم ولياً ونصيراً بحجة
أنه رأس ممانعة ومقاوم للمشروع
الصهيوني الأمريكي، ويجعل من
الإنسان الكسير الضعيف المنافح
عن حقه المدافع عن كرامته أداة
من أدوات هذا المشروع؟!
وإذا
كان من شرط التصدي للمشروع
الصهيوني الأمريكي قتل الناس
وسجنهم وتشريدهم وانتهاك
آدميتهم وإنسانيتهم فلماذا
يحتج بعض الناس في أوطانهم على
الذباب يمر أمام أعينهم، ولماذا
هان عليهم إنسان دمشق وحماة
وحلب حتى لم يجدوا فيه آدمية
تستحق أن تصان ولا إنسانية
ينبغي أن يطالب بتكريمها فتتابع
القوم على المتاجرة بآلامه، مع
اداعاء الإخوة، شماتة،
وينتفخون عليه كبراً يتظاهرون
عليه ليقبل بالدنيّة، ويخلد إلى
الهوان ويجعلون من جثاميين
أبنائه وجماجمهم منصات
يتطاولون عليها وهم يتشدقون
بمقاومة المشروع الصهيوني
الامريكي أمام شاشات الفضاء..
وقد
علمنا، وإن جهلوا، أن الشعور
بالكرامة والإحساس بالعزة هو
بوابة المقاومة وأن الحرية
ثمرتها، وأن المشروع الصهيوني
الامريكي لا يقف في وجهه إلا
الأحرار المكرمون، وليس
المستعبِدون أو المستعبَدون...
*****
وبعد
فماذا أردنا وماذا نريد من حامل
راية الممانعة المدافع –كما
يزعمون له – عن آخر خطوط
المواجهة، الصامد وراء القصور
المحصنة؟! أردنا منه فكاكاً
لأسير وكشفاً عن مصير مجهول
والسماح بعودة طريد... أردنا منه
أن يجبر كسر قلوب أمهات وزوجات
هدها الانتظار وأن يعيد لمن
مزقت مسامعه كلمة (أجنبي) و (غريب)
حقه في قبر على أرض وطنه..فكنا
بهذه المطالب عند بعض الأدعياء
البغاةَ المارقين الخارجين على
القيم والمثل ...
*****
في وطننا حريق...
نعم
إن وطننا يحترق، ونحن الأخوف
عليه والأحرص على إنقاذه، تلتهم
وطننا نيران الاستبداد والفساد
وتنفخ فيها ريح الشر تهب عليه من
أقطار الدنيا. ونحن في سعينا
لاستنقاذ هذا الوطن سنمد اليد
لجميع أبنائه. لا تتحكم فينا
دواعي الثأر، ولا تعرف قلوبنا
معاني الانتقام. وكم تمنينا أن
نفلح في إقناع من استسهل
الاستسلام و استصغر الشر ،
بالفيئة إلى بني قومه، إلى
الحضن الدافئ والحصن الحصين
ولكنه أبى إلا استعلاء
واستكبارا ومكر السيء ولن يحيق
المكر السيء إلا بأهله بإذن
الله. جهدنا سنوات طوالا لنلم
الشعث ونوحد الصف ونبني الطود
الراسخ في مواجهة مخططات
الأعداء وأبوا إلا انحيازا
للعدو واستمرءوا التنازل على
حساب الوطن وكرامته وثوابته.
دعوناهم مرارا إلى الكلمة
السواء فما سمعوا وحذرناهم
تكرارا من مغبة غمط الناس فما
وعوا. وما زلنا رغم كل ما جرى
ويجري أبناء اللحظة، نستعد من
أجل وطننا في كل لحظة لقلب
الصفحة، واستشراف المستقبل
بنفوس معمورة بالخير متطلعة
إليه، ترى في جهد المقل إن حسنت
النية وصحت العزيمة نقطة انطلاق
إلى الغد المأمول..
أملنا
وانتظرنا طويلا وأصروا على وأد
الأمل باليأس ومحاربة المحبة
بالكراهية فكانت قرارتنا
الصعبة ونحن ندرك كل ما فيها.
تنزف القلوب وتدمع الأعين ولكن
لا خيار إلا خيار الاضطرار الذي
تمسك به الظالمون..
إذا لم تكن الإ الأسنة مركباً
فما حيلة المضطر إلا ركوبها
*مدير
مركز الشرق العربي
----------------------
للاتصال بمدير المركز
00447792232826
zuhair@asharqalarabi.org.uk
14/02/2006
|