ـ

ـ

ـ

الأربعاء 15/02/2006

هل يصنع الوزراء السوريون

سياسات ؟!

زهير سالم*

لم يغير تعاقب الوزارات المختلفة ، وتغير الوزراء الدائم من بنية الحكم في سورية ولا من طبيعته شيئاَ . فالوزارة التنفيذية كما مجلس الشعب التشريعي لم يملكوا يوماً سلطة بالمعنى العملي للكلمة. وهم دائما مجرد موظفين لتصريف الأمور، أوالتوقيع على الأوامر التي تصدر عبر وسائل مختلفة، وبطرق مختلفة، ومن جهات مبهمة في كثير من الأحيان ...

في عهد الأسد الأب لم يكن الناس يتساءلون كثيراً: من يصنع السياسات في دمشق؟ فقد كان ثمة إجماع على أن الرجل القابع في القصر الجمهوري هو صانع السياسات (جلها ودقها). كما كانوا يزعمون: إن الرجل يتابع ملف سجين مغمور كما يتابع ملف وزير مشهور ، وإن أحجار الشطرنج وبيادق الرقعة كانت كلها حاضرة في ذهنيته . أما في عهد الأسد الابن فقد ظل السؤال مفتوحاً دائماً حائراً لا يجد جواباً؛ إلا أن الجميع متأكدون أن السيد ناجي عطري وفريقه في مختلف المواقع لا يملكون من أمر السياسات العامة للدولة ولا الخاصة لوزاراتهم شيئاً . وإن ثمة مطبخاً خفياً يطبخ فيه القرار، ويذهب الناس في تحديد هويته المذاهب ، ولكن هذه المذاهب أيضاً تكاد تجمع على أن جهة (خفية) أسرية- أو عشائرية أو طائفية تصنع في سورية السياسات، وأن الأسد الابن الذي يتحمل كواجهة مسؤولية هذه السياسات لا يُشترط دائماً أن يكون مقتنعاً بها أو متحمساً لها ، وأنها تفرض عليه في بعض الأحيان بالاحراج النظري أو العملي (يتصرفون ويحملونه النتائج...)

إذاً لا يستطيع المحلل أو المتابع أن يبني الكثير على التغير الوزاري الذي حصل في سورية . فالسياسات السورية لن تؤثر فيها توجهات وزير أو شخصيته ما دام جميع من يلتفون حول الحكم يعترفون لرأسه الظاهر بالفضل والأستاذية...

إلا أن هذا لا يعني أن يخلو التغيير الوزاري الجديد من أية اشارات أو رسائل جديدة ، ولاسيما فيما يتعلق بالوزير الذي تحول نائباً لرئيس الجمهورية ...

وفي محاولات عديدة لفهم التطور الذي حدث على موقع فاروق الشرع اختلفت أراء المحللين بين من ذهب إلى أن نقل الشرع إلى هذا الموقع (الفخري)يعني فيما يعني كفكفة غرب صوته المرتفع الذي ورثه من أيام الحرب الباردة وحمى الايديولوجيا والذي دهده النظام به أكثر من مرة مع الإدارة الأمريكية ...حتى اضطرت الصحف السورية في إحدى الجولات إلى حجب تصريحاته الصحفية وتشذيبها وتهذيبها وتقديم لقطات مبسترة منها تبرز إشارات إيجابية من الإدارة الأمريكية . ويعزز هؤلاء وجهة نظرهم أن البديل للشرع في الخارجية (وليد المعلم) السفير السابق في الولايات المتحدة والذي يبدو أكثر انضباطاً ومنهجية وربما أكثر قبولاً في واشنطن إنما جاء ليملأ الفراغ الذي سيتركه الشرع، بل يزيدون إنه ما زال منذ فترة غير قصيرة يمارس دور وزير الخارجية السورية على المستويين العالمي والعربي ..

ويذهب آخرون إلى أن تعيين الشرع نائباً للرئيس هو خطوة عملية في تمكين الرجل وتكريسه كجزء حيوي وفاعل في بنية النظام. وأن هذه الخطوة جاءت في سياق الرد على نائب الرئيس السابق (عبدالحليم خدام) الذي كانت له معركته الشخصية مع الشرع منذ أن حلّ محله في وزراة الخارجية في أوائل الثمانينات . ويزعم هؤلاء أن نائب الرئيس سيلعب دور المستشار والمرشد للرئيس، وسيقود معه من موقع المتمكن، فيما يرى هؤلاء، السياسية العامة للبلد..

وفي السياق ذاته يتوقف المتابعون عند وزير الإعلام (محسن بلال) الطبيب الجراح الذي كان سفيراً لسورية في اسبانيا والذي سبق أن احرج الحكومة السورية يوم أعلن عقب العدوان على (عين الصاحب) أن سورية  سترد بالقوة إذا تكرر العدوان الصهيوني، وخرجت الخارجية السورية يومها لتقول بإن السفير يعبر عن (رأي شخصي) لا عن رأي رسمي ..يرى المحللون في محسن بلال شخصيتين طبيباً قادماً من الغرب مثله مثل بشار الاسد و صارماً يحسن استخدام لغة التهديد والوعيد ويتحمل المسؤولية الرسمية على كتفيه الشخصيين . فأي اعلام سينسج لسورية هذا الوزير ؟!

من المؤسسة العسكرية ومن محافظة القنيطرة نصف أو شبه المحررة يأتي وزير الداخلية ليكتمل نصاب الوزارات السيادية الثلاث الخارجية والداخلية والاعلام ...

لا شك أن إيحاءً بالصرامة يخلفه التغيير الوزاري الجديد في سورية . وأن بشار الاسد قد اختار التوازن في السياسة الخارجية بين (الشرع) و(المعلم)، وحسم أمره في السياسة الداخلية، بعيداً عن القلب السوري، ورماها من جديد في حضن العسكر . وزارة متجهمة بلا شك ولكن في العناوين فقط.

*مدير مركز الشرق العربي  

----------------------

  للاتصال بمدير المركز

00447792232826

zuhair@asharqalarabi.org.uk

15/02/2006