فتاوى
ومذاهب تاريخية
زهير
سالم*
من المتفق عليه بين علماء
المسلمين أن الفتوى مرتبطة
دائماً بواقعتها. أي أن الفتوى
ذات طابع شخصي سواء بالنسبة
للفرد أو المجموعة أو الحدث.
ويؤكد علماء الإسلام دائماً على
أنه لا يجوز أن تنتزع فتوى من
بطون الكتب إلا على يد عالم
ينزلها على واقعة زمانية مكانية.
ترتبط الفتوى دائماً بزمانها
ومكانها وإطارها، ويصيب العالم
الذي يطلقها الأجرين أو الأجر
الواحد وهو يعمل اجتهاده في
الوصول إلى الحق الذي يرتضيه.
وكذلك شهد تاريخ الفرق
الإسلامية العديد من المذاهب
والعقائد اندثر كثير منها وما
يزال بعضها قائماً بين ظهرانينا.
مذاهب تحمل في أثنائها الكثير
من العقائد أو النظريات أو
الأحكام التي ترتبط بعصور مضت
أكثر من ارتباطها بجوهر العقيدة
وحقيقة الدين. والكثير من هذه
المذاهب التاريخية لم تتح له
الفرصة الكافية للقيام بعملية
نقد أو مراجعة داخلية تفرز
الأصيل فيه عن الدخيل والتاريخي
فيه عن المطلق.
بالعودة إلى تراث الإسلام
السني، مثلاًَ، ربما يجد المرء
الكثير من الأفكار والآراء
التاريخية التي تلبست لبوس
الإسلام وتماهت في كتب المؤلفين
المسلمين على اختلاف العصور وهي
بنت المعرفة الزمنية للعصر الذي
سادت فيه.
الحركة الواثقة لعلماء
المسلمين جعلتهم منذ عصور
متباعدة يضعون أيديهم في عملية
نقد وتصحيح ومراجعة وقبول ورفض
وهي عملية مستمرة على مدار
العصور ولا يمكن أن تتوقف لأنها
إن توقفت قضى الزماني المكاني
على المطلق فأفقده ما يتمتع به
من صلاحية غير محدودة.
في واقع المسلمين مذاهب عديدة
تحتوي الكتب التي تتحدث عنها
كثيراً أو قليلاً من الغثاء
التاريخي الذي لا يقبله دين ولا
عقل ومع ذلك فقد بقيت هذه الكتب
المنطوية على ما فيها تمثل
مرجعيات لأصحابها!! أو لأصحاب
الأغراض المولعين بالتشنيع على
الآخرين.
ومنهج التشنيع على الآخرين،
فيما أحسب، ليس منهجاً إسلامياً
دعوياً؛ فقد أكد الإسلام دائماً
على أن الحوار والجدال لا ينبغي
أن يكون بالأسلوب الحسن فقط
وإنما ينبغي أن يكون بالأسلوب
الأحسن. وجعل منطلقه في الحوار
مع أهل الكتاب والمخالفين تقديم
ذكر الجوامع قبل الصيرورة إلى
المختلف عليه: (ولا تجادلوا أهل
الكتاب إلا بالتي هي أحسن، إلا
الذين ظلموا منهم، وقولوا آمنا
بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم
وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له
مسلمون).
في كتب الملل والنحل والفرق
والطوائف ركام كثير. ركام هو
صنيعة عصره أو صنيعة الجهل
والتخلف وسوء النية أحياناً.
وكما أرفض، كمسلم سني يطرح
الإسلام منهجاً عصرياً يسوس
الحياة،
أن أحاسب على مثل ما ورد في كتاب
(بدائع الزهور في وقائع الدهور)،
كذلك ليس من الإنصاف أن أحاسب
أصحاب المذاهب والطوائف الأخرى
على ما في كتبهم على قلتها من
هذا الركام الذي يتلبس بلباس
الدين، والدين منه بريء.
وهذا يستدعي بالمقابل من رواد
التنوير ورجال العلم والفقه في
آن أن يوغلوا برفق في بطون تلك
الكتب لينفوا الأباطيل،
ويصححوا المفاهيم ولا سيما ما
استقر منها في وجدان الناس
ووعيهم، أو تسرب إلى عقولهم
وأنماط سلوكهم.
حركة التجديد الديني مطلب
متقدم في حركة التنوير الوطني
العام الذي يسعى المستنيرون من
أبناء الوطن إليه. وحينما يطلع
الإنسان على بعض ما في كتب /الملل
والنحل/ من أباطيل وترهات تنسب
إلى هذا المذهب أو ذاك، عليه أن
يدرك أن الأحاديث هنا تدور عن
عقائد تاريخية هي أيضاً بنت
زمانها، لا يجوز أن يحاصر
المنتمون إلى هذا المذهب أو ذاك
بحكم الولادة أحياناً بها.
حول جوهر الإسلام الثابت في
الكتاب والسنة الصحيحة يمكن أن
تتعدد الآراء وتتكاثر
الاجتهادات مادامت عل قواعدها
المنهجية وفي إطار ما تحتمله
لغة العرب، هذه الاجتهادات التي
عدد لها الإمام حجة الإسلام
الغزالي في مقدمة كتابه (فيصل
التفرقة بين الإسلام والزندقة)
ستة آفاق.
أدوات المعرفة المعاصرة بكل
أبعادها هي منهج أساسي للنقد
والتجديد والتصحيح للالقتاء في
بحبوحة الحقيقة سليلة العقل
والعلم معاً.
وفي ظل العقل والعلم معاً لا
خوف من الاختلاف ولا مكان
للتعصب والانغلاق.
*مدير
مركز الشرق العربي
----------------------
للاتصال بمدير المركز
00447792232826
zuhair@asharqalarabi.org.uk
25/03/2006
|