وهل
تصلح العطار ما أفسد البعث
زهير
سالم*
بضعة وعشرون عاماً كانت فيها
الدكتورة نجاح العطار وزيرة
للثقافة في حكومات سورية
متعاقبة. لا أحد يزعم أن الحياة
الثقافية في سورية كانت بخير،
أو آلت إليه. فمعاناة المثقف
السوري لا حدود لها. والمناخ
الثقافي في سورية مخنوق مسموم،
وكيف يمكن للحياة الثقافية أن
تزدهر في ظل حالة الطوارئ،
والقوانين العرفية، وعدوان
المؤسسات الأمنية بفروعها
المختلفة على المؤسسات
الثقافية؟! كيف يمكن للحياة
الثقافية في سورية أن تزدهر،
وقائمة الكتب الممنوعة الصادرة
عن (الجهات المختصة) تشكل أطول
قائمة يمكن أن تخطر على البال؟!
كيف يمكن للحياة الثقافية أن
تزدهر وميادين الحركة الثقافية
وأدواتها وآلياتها حكر على فريق
من الناس، يجيد فن الملق
والمداهنة والنفاق؟!
لا علينا من ذلك كله، فالدكتورة
نجاح العطار اليوم في موقع نائب
رئيس الجمهورية للشؤون
الثقافية، وهنا نتساءل: ماذا
يراد منها أو ماذا أراد منها
الذين أوكلوا إليها هذا المنصب؟
وماذا تريد هي؟ وماذا ينتظر
بالتالي المثقف السوري
المغبون؟ وهل من فرق بين هذه
الإرادات.
وحديثنا عن الدكتورة العطار في
هذا المقام ليس حديثاً عن شخص
بوصف، وإنما هو حديث عن ظاهرة
يمثلها مجموعة من السوريين
كانوا لسبب أو لآخر جزءاً من
نسيج السلطة في هذا الموقع أو
ذاك.
يرقب شعبنا بعين الناقد البصير
تحركات وتصرفات الفرد أو
الأفراد هؤلاء في إطار المجموع.
يرقب تحركات وتصرفات أعضاء مجلس
الشعب كما أعضاء الوزراء
والمدراء وكل من شغل موقعاً في
الحياة العامة في بنية السلطة
القائمة.
ومع تحفظ شعبنا الأساسي على
نظام الفساد والإفساد، إلا أنه
يرفض الأحكام المسبقة التي
تصادر الإرادات وتسوي بين
المصلح والمفسد. بين من يريد
الموقع استئثاراً أو استكثاراً
وبين من يسعى إلى موقع الرجل
الذي كتم إيمانه زماناً في
حاشية فرعون. فشعبنا ينقب عن
إرادة إصلاح متوارية في نفوس
أبنائه أينما كانوا.
نعم نرقب ونقوّم ونميز في ساعة
الحلكة بين أداء وأداء، بين
مفسد يحاول ما وسعه الجهد أن
يغترف من مستنقع السحت ما وسعه
الاغتراف، وبين مسدد مقارب يدرء
عن ناسه مفسدة هنا ويحقق لهم
مصلحة هناك.
شعبنا، بفقهه الأصيل، ورؤيته
النافذة، لم يكن أبداً عدمياً
متنكباً سبيل التعاطي الإيجابي
الحي في كل مربع من مربعات
الوجود العام صغر هذا المربع أو
كبر. فالنسيج الحي هو الأصل،
مهما تكاثرت خلايا البلاء
السرطاني وامتدت وتفرعت حتى لو
ضربت القلب ووصلت الدماغ. سيبقى
شعبنا مقاوماً، وينتظر
المقاومة من الجميع كل بطريقته
ومن موقعه وحسب رؤيته.
ففي إطار المنظومة العامة
للفساد والاستبداد التي تتحكم
في كل شيء، لا بد أن تمتد خيوط
الأمل، وأن تترسخ قواعد العمل
الشريف لتعبر أول ما تعبر عن
كرامة أصحابها، وعن اعتزازهم
بشخصياتهم وإحساسهم بإنتمائهم
للوطن الذي يمثلون.
في إطار منظومة الفساد
والاستبداد التي تحرق كل شيء،
ننتظر من صاحب كل موقع في موقعه
أن يجاهد بملء فمه ماء يطفئ بها
النار التي سعرها النمرود
لإبراهيم عليه السلام.
يوماً ما، نتمنى أن يكون قريباً
بإذن الله، سيقف كل واحد من
هؤلاء مجرداً من هالة الموقع
والمنصب والجاه المستعار، أمام
أبناء أسرته وحيّه ومدينته
وشعبه أجمع ليُسأل: ماذا قدم
وماذا أخر؟!
ثمة أمر آخر لا بد من التنويه
إليه، وهو أن ظرف التعاطي
السياسي، لمن أراد الإصلاح أو
درء الفساد، قد تغير. وأصبح بوسع
رئيس الوزراء أو الوزير أو
المدير أو عضو مجلس الشعب أن يمد
أكثر قطر دائرة إرادته،
فالمستبدون اليوم في حالة من
الهشاشة لا تسمح لهم أن يسدوا
الطرق والسبل. ولن يستطيع
اليوم، فيما نحسب، أن يكون أحد
الموظفين الأخفياء هو الوزير أو
المدير الحقيقي. مرة أخرى
نقولها: إنها مسؤولية وطنية
وكرامة شخصية وتكوين ذاتي (يكونون
أولا يكونون) تلك هي قضيتهم. في
إطار هذه الرؤية نرقب ونتابع
الأداء، أداء الجميع. والشعور
بالكرامة الشخصية، والإحساس
بالمكانة العلمية، وبالدور
الوطني هي ملامح نعتمد عليها في
تقويم عمل الجميع وتأكيداً نقول
بغض النظر عن أي انتماء غير
الانتماء لهذا الوطن الذي يمنح
كل فرد مهما كان موقعه بطاقة
الشرف والعزة ألا يرتضي مسؤول
لنفسه الدونية والهوان.
*مدير
مركز الشرق العربي
للاتصال بمدير المركز
00447792232826
zuhair@asharqalarabi.org.uk
02/04/2006
|