جدل
حول جبهة الخلاص الوطني
زهير
سالم*
كان
الإعلان عن جبهة الخلاص الوطني
الخطوة الوطنية الأكثر إثارة
للجدل حتى الآن. بعض الناس
يتساءلون: عن أصل قيام الجبهة،
وآخرون يتحدثون: عن الظروف
الدولية والإقليمية المرافقة
للإعلان عنها، بينما انتقل فريق
ثالث إلى الحديث عن المجريات
التي تمت في اللقاءين التشاوري
في بروكسل والتأسيسي في لندن.
وبعض
الجدل يمضي في إطار موضوعي،
يعتمد أصلاً على اختلاف الناس
في (التقدير) أو (التقويم) وإن
اتفقوا أصلاً بالأهداف. وبعضه
الآخر ينبع من النفوس لا من
العقول، بينما يكون للفريق
الثالث دسيسة رأي أو موقف للجهة
الأكثر تضرراً من قيام الجبهة
وانزعاجاً من وجودها.
ونعتقد
أنه إذا كان من حقنا أن نمر
كراماً على جدل يثيره الصغار
على اختلاف توجهاتهم وبواعثهم
لئلا نشغل أنفسنا بما لا يليق..
فإن من واجبنا أن نتوقف بأناة
وتفتح أمام كل أشكال النقد
المعبر عن الرؤية القويمة لواقع
ليس من السهل أن تفرز الأمر فيه
إلى أبيض وأسود، أو خطأ وصواب،
أو حق وباطل، ويظل للاجتهاد فيه
مغداه ومراحه.
كل
من انخرط في إطار الجبهة أمعن
النظر وأجال الفكر فيما يمكن أن
يحقق كفريق أو كشخص بالإقدام
وماذا يمكن أن يخسر بالإحجام.
تساءل عن ذلك على المستوى
الذاتي وثم على المستوى الوطني.
في أفق أعلى: ماذا يمكن أن يكسب
المشروع الوطني، وماذا يمكن أن
يخسر أيضاً. لأننا مهما بالغنا
في ادعاء المثالية، فإنه يبقى
للخاص دائماً حضوره في إطار
العام شريطة ألا يتقدم أو يغلب
عليه.
مثلاً
لا بد أن السيد خدام قد طرح على
نفسه، وهذا من حقه بالطبع، ماذا
يمكن أن يربح وماذا يمكن أن يخسر
من التحالف مع الإخوان
المسلمين؟! ربما يخطر ببال
الإسلاميين أن يمروا بالسؤال
على عقولهم بطريقة عفوية مباشرة.
أحياناً يغفل الإنسان عن بعض
التقويم الموضوعي لانعكاس
وجوده، ليس في حقيقة الأمر،
وإنما كما هو في تصور الآخرين.
والآخرون
هنا دوائر متكاثرة ربما نذكر
منها النظام في سورية
والبعثيين، وأبناء الطائفة
الحاكمة، وبعض القوى والأنظمة
الإقليمية وكذا بعض القوى
الدولية. فخدام مثلاً سيتحمل
تبعة التحالف مع الإخوان
المسلمين أمام هؤلاء جميعاً،
والذين ينظرون إلى الإخوان
المسلمين بغير المنظار الذي
ينظر به الإخوان المسلمون إلى
أنفسهم، وسيكون في كثير من
الأحيان بحاجة إلى خطاب تطميني
أو تسويغي سري أو علني، وهو
يتحمل كل ذلك لأنه ثبت لديه أن
كفة الإقدام للتحالف مع الإخوان
أرجح من كفة الإحجام. ويبقى
السؤال عن حجم التفاوت بين
الكفتين قائماً ومؤثراً أيضاً
في نجاح التحالف وفي استمراره،
وهذا بدوره يعتمد على مدى
النجاح في تحقيق المأمول من هذا
التحالف.
وعلى
الجهة المقابلة، لا بد أن
الإخوان قد صنعوا مثل ما صنع
خدام. لا بد أنهم فكروا وقدروا
ووازنوا ثم ترجح لديهم ما ترجح
لديه، بأي درجة تم ترجيح ذلك،
ليس ذلك مهماً الآن.
يبقى
فارق أساس بين (الآخرين) في محيط
خدام و(الآخرين) في محيط الإخوان.
فالآخرون بالنسبة لرجل مخضرم في
عالم السياسة اكتسب شهرته من
موقعه السياسي هم أكثر إغراقاً
في السياسة وتفهماً لمقتضياتها
وتقلباتها من (الآخرين) في نطاق
حركة إسلامية مبدأية ذات تاريخ،
ترتبط بقواعد شعبية وجمهور
مناصر داخل الوطن وخارجه في
أفقين عربي وإسلامي. وهذه
القواعد الشعبية عموماً أكثر
نزوعاً إلى التمسك بالمثل من
الانخراط في مقتضيات الواقع.
كان هذا أحد الأسباب الرئيسية
التي أثارت الجدل وماتزال حول
خطوة مثل الإعلان عن جبهة
الخلاص.
كان
الإعلان عن الجبهة بأثره الأولي
الفعلَ الأكثر إغاظة للنظام،
منذ استلم بشار الأسد السلطة،
وأنه لم يكن أقل أثراً من (1559)
الذي فرض على النظام الانسحاب
من لبنان بالطريقة التي انسحب
بها. بمعنى أنه الفعل السياسي
المعارض الأول في تاريخ بشار
الأسد الذي يحتسب نقطة لمصلحة
المعارضة. بالنسبة إلي كواحد من
الإخوان المسلمين أعتقد أن في
دمشق مَن قضم أظافره حنقاً على
نفسه لأنه استصغر الناس واستهان
بقيم الرجال، وتمادى في الغطرسة
والغرور يوم كانت وفود الناصحين
والوسطاء تدق عليه الباب فيأبى.
تضعك هذه الحالة في هذا السياق،
والاستشهاد مع الفارق، أمام
حقيقة قوله تعالى (ولا يطؤون
موطئاً يغيظ الكفار..) فلقط وطئت
الجبهة بحق الموطئ الذي أغاظ
النظام وأحرجه.
إن
الموقف من الجدل المثار حول
الجبهة يجب أن يأخذ في حسبانه
اعتبارين: الأول قصور أدوات
الجبهة، حتى الآن، في البيان عن
نفسها، والوصول بهذا البيان إلى
دوائره العامة. ولا نقصد هنا
البيان العابر في لقاء على محطة
على الهواء. وإنما نقصد البيان
المتمادي الذي يمتلك قواعد
الشرح والتفصيل وآفاقه،
ويتغلغل في المدى إلى أعماق
البادية والحاضرة في سورية،
فيكون في متناول الفلاح والعامل
والمثقف والرجل والمرأة، كما
يكون في متناول الجمهور العربي
من المحيط إلى الخليج.
والثاني
مسارعة النظام مع وفرة أدواته (المادية)
و(البشرية) إلى الالتحاف بالعلم
الوطني وبالهوية الحضارية
ليقدم نفسه، زوراً وبهتاناً،
بأنه المدافع عن سيادة الوطن،
الممانع دون هوية الأمة!!
فهل
انطلت لعبة النظام هذه على أحد؟!
لن ننكر أنها أثارت بعض الغبار،
ولا سيما أن رسل النظام الذين
حركهم في كل اتجاه، واستقبلهم
من كل اتجاه، لم يفوتوا أن
يوظفوا بعض ما يجري في العراق
ويعكسوه بطريقة سلبية على
الساحة السورية. وكان هذا
الغبار من بعض ما أثار الجدل حول
جبهة الخلاص وتوقيت الإعلان
عنها مقترناً بالحديث عن توقيت
إعلان السيد خدام انشقاقه،
والارتباطات المحتملة لهذا
الانشقاق.
كانت
محاولة من النظام للهروب إلى
الأمام من استحقاقات الإصلاح
الوطني، الذي لم يكن في تقديرنا
مؤهلاً أصلاً له. فهل يعطى
النظام فرصة للنجاح في هذا
الهروب؟! إن جبهة الخلاص ومن
قبلها إعلان دمشق، ومن قبل هذا
وذاك جماعة الإخوان المسلمين لم
تتقدم أي جهة من هذه الجهات بأي
مطالب ذات طبيعة (شخصانية) أو
فئوية ذاتية. كل المطالب
المطروحة من الجميع هي مما
يحمي سيادة الوطن ويعزز نظام
ممانعة في الأمة. لا أحد من
الذين يحاول النظام أن يلعب
أمامهم (أوراقه الثلاثة) يمكن أن
يصدق أن اعتقال نخبة المثقفين (ميشيل
كيلو وشركاه) مما يحمي سيادة
الوطن أو يعزز نظام الممانعة في
الأمة!! ولا أحد من أبناء الأمة
يسمع بالقانون 49/1980 إلا ويفغر
فاه ويعض على أصابعه: هل هذا
معقول؟! ولم توضع المادة
الثامنة من الدستور أمام مثقف
أو سياسي إلا ضرب على جبهته
متسائلاً أو متندراً!!
بقي
على جبهة الخلاص لتقطع الطريق
على خيار النظام هذا أن تنقل
خطابها المفند لمزاعم النظام من
إطار اللقاء الفردي إلى إطار
الخطاب الجماهيري العام،
لتحاصر النظام في المربع الضيق
الذي اختاره لنفسه.
أما
الجدل حول المجريات في لقائي
بروكسل ولندن؛ فجدل بعضه حول (النهج)
وبعضه حول (الأداء). ما كان حول
الأداء فأمره أهون وإصلاحه أيسر.
وما كان حول النهج فبحاجة إلى
وقفة عملية لمراجعة أصيلة. ربما
لا يشفع حسن النية المسبقة في
مثل هذا المقام وإن توفر، إن
القدرة على وضع الأصبع موضع (النقب)
هي أول الطريق للاستدراك في أول
الطريق. سيكون بإمكان الأمانة
العامة للجبهة أن تتلقى منذ
اللحظة ومن جميع أعضاء الهيئة
التأسيسية الرسائل أو اللفتات
الهادفة التي لا تكتب للإعلام،
وإنما تكتب للتسديد والتقويم.
ولا نعتقد أن خطأ في إطار (تحالف
طري ودي) لا يمكن تجاوزه. إن
التعلق بالمستقبل ينبغي أن
يغرينا جميعاً للانطلاق.
---------
*مدير
مركز الشرق العربي
للاتصال بمدير المركز
00447792232826
zuhair@asharqalarabi.org.uk
21/06/2006
|