مجـزرة
حمـاة الكبرى (1982) ـ 1
الدكتور
: خالد الأحمد*
جاء
في تقرير منظمة العفو الدولية :
وهي
أكبر مجزرة في العصر الحديث،
كما وصفتها وسائل الإعلام
العالمية في 2 شباط 1982.
قبل
الدّخول في تفصيلات المجزرة
الرهيبة، عبر شهادات حية، نضع
هنا أمام أعين القارئ شهادات
أخرى لأناس ليسوا عرباً وليسوا
سوريين، إنما هم صحفيون أجانب
أبى ضميرهم الإنساني، وإخلاصهم
للحقيقة الموضوعية، إلا أن
يساهموا في إماطة اللثام عن شيء
من الحقيقة المفزعة، وكشف وجه
النظام الهمجي الأسود.
هؤلاء
الصحفيون لم يسمعوا عن المجزرة
من مصادر بعيدة، بل مكثوا
طويلاً في دمشق، ينتظرون أن
تسمح لهم السلطة بدخول المدينة..
لكنها لم تفعل، وظلت تراوغ، بل
وصل بها الأمر إلى تهديد كل صحفي
يفكر بالاقتراب ودخول حماة.
صحفي واحد استطاع الدخول إلى
المدينة بعد عشرين يوماً من
الحصار وكانت المذبحة قد قاربت
على النهايات، ومع ذلك، نقل إلى
العالم رواية موضوعية عن
مشاهداته. وننقل بعض النماذج
لشهادات صحفيين أجانب أدلوا
بشهاداتهم:
ذكرت
صحيفة النوفيل أوبزرفاتور
الفرنسية بتاريخ 30 نيسان 1982:
"في
حماة، منذ عدة أسابيع، تم قمع
الانتفاضة الشعبية بقساوة
نادرة في التاريخ الحديث.. لقد
غزا (
حافظ ورفعت أسد) مدينة حماة،
بمثل ما استعاد السوفيات
والأمريكان برلين، ثم أجبروا من
بقي من الأحياء على السير في
مظاهرة تأييد للنظام، صحفي سوري
مندهش قال موجهاً كلامه لأحد
الضباط: رغم ما حدث، فإن هناك
عدداً لا بأس به في هذه المظاهرة.
أجاب الضابط وهو يضحك: نعم، ولكن
الذي بقي أقل من الذين قتلناهم".
وتحت
عنوان: "في سورية، الإرهابي
رقم واحد هو الدولة« ذكرت صحيفة
لوماتان الفرنسية في عددها رقم
1606 تاريخ 24 نيسان 1982:
20.000
(عشرون ألف) سجين سياسي، 10.000 (عشرة
آلاف) قتيل في حماة، 600.000 (ستمئة
ألف) شخص موضوعون على اللائحة
السوداء.
هنالك
على الأقل 20.000 (عشرون ألف) سجين
سياسي (وربما وصل العدد إلى 80.000 (ثمانين
ألفاً) في سوريا، حيث العنف
والإرهاب السياسي هما اليوم
عملة رائجة. إن جهاز القمع
التابع للنظام مدهش للغاية:
سرايا الدفاع بقيادة رفعت أسد،
سرايا الصراع بقيادة عدنان أسد،
الوحدات الخاصة بقيادة علي
حيدر، المخابرات العامة،.. وقد
اشترت وزارة الداخلية مؤخراً من
شركة فرنسية عقلاً إلكترونياً
يمكن له أن "يفيّش" (أي يضع
على اللوائح السوداء) 500.000 (نصف
مليون) شخص دفعة واحدة.
لقد
شهد عام 1981 بطوله قيام عمليات
مسلحة يقودها الإخوان المسلمون
[ يقصد الطليعة المقاتلة ]ضد
السلطات في مدن حلب وحمص وحماة.
وكانت المواجهات بين الطرفين
تدوم عدة أيام، آخذة أحياناً
شكل حرب حقيقية بين الجناح
العسكري للإخوان
[ الطليعة المقاتلة ] وبين
سرايا دفاع رفعت أسد، "الحرس
الإمبراطوري" التابع للنظام.
وكانت الضحايا تتساقط بالمئات.
ولكن
من بين كل هذا الأحداث، فإن حدث
حماة الأخير الذي دام عملياً
طيلة شهر شباط، كان الأكثر
عنفاً، ونتج عنه عدد من الضحايا
أكثر بما لا يقارن.
"إنه
أكبر مجزرة في العصر الحديث"
، على حد قول دبلوماسي سوفياتي،
لا يمكن طبعاً أن يشك بعدائه
أصلاً للنظام. لقد كان هناك على
الأقل 10.000 (عشرة آلاف) قتيل،
ولكن مصادر أخرى تتحدث عن (30.000) (ثلاثين
ألفاً) وهو رقم قريب من الواقع
إذا تذكرنا أنه، لكي يقضي على
الانتفاضة فقد زج النظام بآلاف
من سراياه، كما أنه قصف المدينة
بالطيران فوق سكانها المدنيين،
مما أدى إلى هدم أجزاء كبيرة من
المدينة."
وذكرت
مجلة الفيزد الفرنسية في عددها
الصادر في أيار 1982:
"وكان
القمع مميتاً أكثر من يوم حرب
الكيبور (يوم الغفران)."
"..
المدفعية الثقيلة تطلق قذائفها
على الآمنين. وطوال أربع وعشرين
ساعة تساقطت آلاف القذائف
والصواريخ على حماة. كل مجمّع
سكني وكل منزل كان مستهدفاً.
-
يقول دبلوماسي غربي وصل مؤخراً
من دمشق: "إنه أعنف قصف حدث
منذ حرب سورياً عام 1941 بين أنصار
حكومة فيشي من جهة وأنصار فرنسا
الحرة والبريطانيين من جهة أخرى".
وأخيراً
وحوالي منتصف الأسبوع الماضي،
استطاعت الدبابات اختراق
المدينة وطوال أيام كاملة، كانت
المعركة مستمرة وبشدة. من بيت
إلى بيت، أو بالأحرى من أنقاض
إلى أنقاض. هذا وتتكتم الدولة
على عدد القتلى والجرحى من
الجانبين. ويضيف الدبلوماسي
الغربي قائلاً: "ولكن الطلب
على الدم في المراكز الطبية كان
كثيراً وكثيراً مثل أيام "حرب
الكيبور" التي سببت في سوريا
آلافاً من القتلى والجرحى.
ويختم
الدبلوماسي حديثه قائلاً: "يمكن
القول إن ما جرى في الأسبوع
الماضي في حماة هو "فرصوفيا
أخرى" أي مثلما حدث لفرصوفيا
أثناء الحرب العالمية الثانية...
إنه فعلاً، موت مدينة".
كما
ذكرت مجلة الإيكونومست في عددها
الصادر في (مايس) 1982 تحت عنوان
أهوال حماة:
"إن
القصة الحقيقية لما جرى في شهر
شباط في مدينة حماة الواقعة على
بعد 120 ميلاً شمال دمشق العاصمة
لم تعرف بعد وربما لن تعرف أبداً.
لقد مرّ شهران قبل أن تسمح
الحكومة السورية للصحفيين
بزيارة خرائب المدينة التي
استمرت تحت قصف الدبابات
والمدفعية والطيران ثلاثة
أسابيع كاملة. ونتيجة لذلك فإن
قسماً كبيراً من المدينة
القديمة القائمة في وسط البلد
قد مُحي تماماً، وسوّي مؤخراً
بواسطة الجرافات.
إن
عدد القتلى يرتفع إلى أكثر من
30.000 شخص (بما في ذلك طبعاً خسائر
الجيش) كما تقول تقديرات
الإخوان المسلمين. التقديرات
الأخرى تقول بـ 9.000 فقط ولكن ذلك
رقم رسمي معطى من قبل
المستشفيات ولا يأخذ بعين
الاعتبار الأناس الذين دفنوا
دون أن يدخلوا المستشفى. لم يوفر
القصف لا المساجد ولا الكنائس. (في
حماة يعيش حوالي8000 مسيحي من
طوائف مختلفة، ومنذ قرون، وهم
يعيشون بسلام كامل، وتآخٍ حقيقي
مع أكثرية الشعب السنية المسلمة)."
أما
جريدة ليبراسيون الفرنسية، فقد
ذكرت على لسان الصحفي شارل
بوبت، وهو صحفي فرنسي محرر في
صحيفة "ليبراسيون"
الفرنسية استطاع أن يدخل إلى
قلب مدينة حماة أثناء الأحداث.
إنه
الصحفي الوحيد من بين كل
الصحفيين العرب والأجانب الذي
تمكن من الدخول إلى هذه المدينة...
وبحيلة ذكية.
كان
في دمشق.. وحينما سمع بالأحداث
استقل الباص باتجاه حلب. وفي حمص
وأثناء استراحة قصيرة اختفى
وترك الباص يتابع سيره ثم بحث عن
تكسي لكي تنقله إلى مداخل حماة
أو ضواحيها بحجة أنه سائح يبحث
عن الآثار.
قضى
في المدينة وقتاً لا بأس به، ثم
سلم نفسه للسلطات السورية
تمويهاً.. وبعدما عاد إلى فرنسا
نشر تحقيقاً مطولاً يعتبر أخطر
ما كتب في الصحافة العالمية عن
هذه المذبحة.
إنه
يقدم لنا شهادة حية ثمينة،
وقيمتها مزدوجة الطابع، لأن
صاحبها محايد في الصراع،
وموضوعي في الحكم، ولأنه
ثانياً، لم ينقل أخباراً سمعها
عن روايات وصلته بالتواتر،
وإنما يحكي لنا هنا ما شاهده
بنفسه، ورآه من ماسي وأهوال.
لا
يتسع المقام هنا لنشر كل "الريبورتاج"
فهو طويل للغاية سنكتفي فق ط
بترجمة أهم فقراته.
فلنترك
له الكلام الذي نشرته الصحيفة
المذكورة يوم الاثنين في الأول
من آذار 1982:
"الساعة
السابعة صباحاً.. تبدو حماة
مدينة غريبة، حركة عمران! كل شيء
في طور الإعمار، أو كان كذلك،
وفجأة توقف كل شيء. وبمحاذاة
البيوت التقليدية القديمة،
كانت الأبنية الحديثة تبدو
كأنها حيوانات ضخمة جريحة واقفة
على ظهرها. الطوابق الأرضية
ظاهرة، والأعمدة التي تستخدم
عادة لحمل الطوابق الأخرى كانت
عارية، ومتجهة نحو السماء بشكل
مستقيم، وعلى قمتها قضبان
حديدية ملتوية وصدئة. (...) إنني
أمشي الآن وسط بيوت متهدمة،
وأشجار مكسرة، وأعمدة ملوية أو
منزوعة من مكانها. هناك قليل من
السكان. ومثلهم فإنني أتنقل
بحذر أثناء المسير. إنه هنا حدث
القتال وما يزال مستمراً من
صباح هذا اليوم من شهر شباط.
إنها ليست الحرب، ولكن بالأحرى،
نهاية معركة كانت على ما يبدو
رهيبة.
ننتقل
من بيت إلى بيت. ومن فوقنا تمر
طائرة هيلوكبتر. وأمامنا عائلات
بأكملها تبكي، جثث تجر من
أرجلها أو محمولة على الأكتاف،
أجساد تتفسخ وتنبعث منها رائحة
قاتلة ، وأطفال تسيل منهم
الدماء وهم يركضون لاجتياز
الشارع. امرأة ترفض أن تفتح لنا
منزلها. إنها ليست زيارة متفقاً
عليها. إنني غير مرغوب في مثل
هذه الساعات. ونهيم على وجوهنا
أنا ومرافقي - أحد أبناء المدينة
الذي تطوع بهذا العمل- ولكن كنا
محتاجين لأن نبقى ضمن الأحياء
التي ما تزال في أيدي الثوار
التي تضيق رقعتها شيئاً فشيئاً.
وأخيراً تستجيب المرأة لتوسلات
مرافقي وتفتح لنا. إنها تخبئ
زوجها. ها هو ذا أمامنا مسجَّى
على الأرض، دونما رأس، ميتاً
منذ 5 شباط!!! وهكذا فإن كثيراً من
الناس يخبئون جرحاهم، خشية أن
تجهز عليهم القوات الحكومية.
أما الأموات فإن أهاليهم
يدفنونهم بسرعة. إذا أمكن، فيما
أصبح يطلق عليه اليوم مقبرة
الشهداء في الزاوية الكيلانية. (التي
تم نسفها كلياً فيما بعد).
بضع
طلقات نارية صوب الجنوب تتبعها
رشقات قوية. وخلال عشر دقائق
كانت القذائف تتساقط كالمطر
أينما كان، وحيثما تسقط كنت
تسمع صرخات الرعب ونداءات
التوسل إلى الله على بضعة أمتار
منا، شاهدنا رجلاً يتمزق تماماً
ويسقط فوق جدار، كما لو أنه هيكل
عظمي. ولم أصدق عيني، ولكن عندما
ظهرت الطائرات من جديد فوقنا،
دفعني مرافقي لتحت منزل، صارخاً
"هاهم يعودون".
في
الطريق يصادفنا رجل يقدمه
مرافقي لي. إنه طبيب... وبكل سرعة
يناولني الطبيب هذا بضع أوراق،
ويكتب لي أسماء ضحايا: "كم
قتيلاً" سألته.. أجاب: لا أعرف.
ليس أقل من 8.000
أو 10.000 لقد رأينا ضحايا في
كل مكان.. أمسك. (حتى يعرف العالم
كله الحقيقة سجل: "مصطفى
شامية، طارق عبد النور، أديب
السبع، أحمد الشلبي". وبإشارة
أفهمه أنه لا فائدة من
الاستمرار لأنني لا أستطيع أن
أسجلهم كلهم ولكنه يستمر وبكل
عصبية ويطلب مني بطريقة الأمر
أن أسجل: "إبراهيم الطرقجي،
فؤاد جودت، غسان جلوسي دهيمش.
أترك
حماة بمزيج من الرعب والفزع...
الفزع حين أتذكر أنه ولا مرة
واحدة خلال هذه الأيام والليالي
التي قضيتها هناك سمعت صوت
المؤذن يدعو المؤمنين إلى
الصلاة، كما لو أن المآذن نفسها
قد انكمشت على نفسها تلقائياً."
ونشرت
صحيفة دي تسابت الألمانية
بتاريخ 2/4/1982 تقريراً عن مجازر
حماة تحت عنوان:
"مذبحة
كما في العصور الوسطى - كيف
ابتلى أسد مدينة حماة بالموت
والدمار" جاء فيه:
"دمشق
- نهاية آذار: (إن ما حدث في مدينة
حماة قد انتهى) كان هذا تعليق
الرئيس أسد على أخطر أزمة
داخلية هزت سورية منذ توليه
السلطة عام 1970، فقرابة أربعة
أسابيع في شباط أُغرقت حماة
بالدماء والآلام من قبل قوات
بلغت 11 ألف رجل (مدرعات ومدفعية
وطائرات مروحية ومظليين وقوات
حماية النظام الخاصة وقوات
حماية أمن الدولة) لقد انتهت
فترة القتل والنهب والحرق التي
تذكر بالقرون الوسطى، وسكتت
المدافع وغدت المدينة أنقاضاً
ورماداً.
إن
مدينة حماة التي ذكرت في
الإنجيل (في الوصايا القديمة)
تقع على نهر العاصي.. هي واحدة من
أقدم مدن العالم (يقال إن الرب
قد خلقها وهي الوحيدة التي تعرف
عليها بعد عودته إلى الأرض،
نظراً لأنها لم تتغير) لم تعد
الآن موجودة. لقد توقفت
النواعير الأسطورية التي كانت
منذ قرون تملأ القناطر
ومستودعات المياه، ولم يبق من
المدينة ومن متاحفها ذات الماضي
البابلي والآشوري والسليماني
إلا بقايا تعيسة. ويلجأ
الملحقون العسكريون الغربيون
إلى انطباعات وأسماء من الحرب
العالمية الثانية لتصور أبعاد
الدمار الـذي حـل بـالمدينة،
أسماء وانطباعات عن مثل برلين
عام 1945 وستالينغراد.
وفي
الخرائب التي استحالت إليها
أحياء الكيلانية والحميدية
والزنبقية يبحث ناس حائرون
صامتون وكأنهم مشلولون، وحولهم
لا تتوقف الجرافات عن العمل حتى
يوم الجمعة، فهي تزيل بقايا
ممتلكاتهم التي يحملونها في
أكياس نايلون وهي أكوام أنقاض،
وتهدم الخرائب وتردم القبور
الجماعية.
ولقد
وعدت الحكومة بأن تعيد بناء
المدينة إلا أن الأهالي يعتقدون
أن هناك مخططاً يهدف إلى أن لا
يبقى في مركز المدينة القديم
حالياً إلا العشب الأخضر، كما
يقال إن المخطط يهدف إلى
تغييرات أساسية مثل إبعاد
الأحياء السكنية عن بعضها من
أجل السيطرة عليها، وقهرها
وكذلك تخفيف الكثافة السكانية،
بإسكان علويين من القرى المحيطة.
ويتنبأ
مهندس درس في أوروبا أن مدينة
حماة الجديدة ستكون بشوارعها
العريضة قابلة تماماً للسيطرة
عليها بسهولة ويقول جامعي آخر:
لقد كانوا دائماً يريدون إنهاء
حماة وقتلها، والآن تم لهم ذلك.
ويسمي سفير عربي إعادة البناء »استئصال
دمل المعارضة في حماة إلى الأبد«
على كل فإن حماة قد انتهت الآن،
مخربة مهجورة ومنهوبة كلياً (كما
لو أن جنكيز خان مر بها) على حد
تعليق تاجر مسيحي منكوب.
إن
ما يحكم حماة الآن هو الذعر وسوء
الظن المقيت والحرس ووحدات رفعت
أسد التي تشيع الإرهاب، وكل
حديث يزيل بعض الستار عن صور
المأساة في ليلتي الثاني
والثالث من شباط عندما اندلعت (حرب
حماة): إعدام جماعي لرجال حي
بكامله أمروا من الجيش بتوزيع
الخبز وإعدام 70 رجلاً أمام
المستشفى البلدي في 19 شباط،
وجثتان عرضتا هناك أيضاً
وبُشِّع بهما إلى حد رهيب لطبيب
عيون مشهور وطبيب داخلي، وأمّ
لم يسمح لها طيلة أسبوع بدفن جثة
ابنها الذي قتل أمام المدينة،
كلهم لم يسألوا عن أسمائهم
وهوياتهم أو عن الذنب الذي
اقترفوه. (قطعات) مما يسمى
جنوداً تقاتل وتتقاتل على غنائم
الذهب والمجوهرات، وتلطخ بصورة
بذيئة جدران البيوت بأسماء
البنات والنساء المغتصبات التي
يكتبونها من البقايا المتفحمة
لأثاث مستشفى خاص، حيث أقاموا
فوق سطحه ناراً يشوون عليها ستة
خراف (ومنذ الآن فصاعداً يوجد
لمن بقي على قيد الحياة من سكان
حماة ناحية من جهنم اسمها حماة).
الوقائع
اليومية للمجزرة جاءت في الصفحة
34 وما بعدها من كتاب: (مجزرة حماة
القصة الحقيقية بالأسماء
والوقائع والأرقام والصور
لأكبر مجزره في العصر الحديث):
شباط..
عام اثنين وثمانين
الشتاء
شاحب يغلف وجه المدينة بلونه
الرمادي، ونهر العاصي على غير
عادته في تلك المواسم لا يسرع في
الجريان...
توقفت
النواعير عن الدوران.. سكت
العاصي حزيناً على حماة.. شباط
الأسود، أرخى سدوله يوم
الثلاثاء في الثاني منه، ومنذ
الآن، سيكون لهذا اليوم وقع
خاص، فسورية الوطن، ومنذ ذلك
التاريخ، دخلت المجهول، وأصبح
مستقبلها على كف شيطان.
التفاصيل المرعبة للمجزرة
ستكون الكلمات عاجزة عن نقلها
وتصويرها، لكننا نترك للأحداث
التي عشناها عن قرب، وكنا
شهودها منذ اللحظات الأولى، أن
تقول جزءاً من الحقيقة، وستكون
رحلتنا في دهاليز الجريمة
والموت يوماً بيوم، وحتى آخر
شباط.. نعرج على المناطق
والأحياء التي شهدت شيئاً من
فصول المجزرة.
البداية:
الثلاثاء الثاني من شباط
سرايا
الدفاع (جيش النظام الطائفي)
المدرّب على عمليات الاقتحام
والقمع داخل المدن فقط،
والمتمتع بامتيازات مادية
هائلة يعود إلى المدينة مساء
ذلك اليوم . تلك الليلة السوداء
كانت البداية الفعلية التي
استمرت بعد ذلك شهراً كاملاً،
ضجت المدينة بأصوات الرصاص
والمدافع والقاذفات بدءاً من
الساعة التاسعة ليلاً.. سرايا
الدفاع مع قوات مكثفة من الجيش
النظامي والمرابط هو الآخر على
أطراف المدينة) تحاصر منزلاً في
حي البارودية) وتشتبه بأنه مركز
للمعارضة ضد النظام.
تلك
الليلة كانت البداية الفعلية
للمجزرة . السلطة الحاكمة عمدت
إلى إغلاق كل مخارج المدينة،
وعزلتها عن العالم الخارجي،
ورافق ذلك انقطاع الكهرباء،
ومعظم أجهزة الهاتف، وغرقت
المدينة منذ ليلة الثلاثاء في
ظلام طويل.
إن
كل عمليات الإبادة التي تمت بحق
المدينة من إعدام الآلاف إلى
هدم الأحياء، إلى تدمير الجوامع
والكنائس، إلى نبش المقابر.. كل
ذلك تم فعلياً بعد أن سيطر الجيش
و(جيش السلطة الحاكمة) على
المدينة كلياً، وأصبحت بكل شبر
فيها تحت بطشه وفي قبضته.
الأربعاء
الثالث من شباط
المدينة
تحت الحصار الكامل مكممة مطوقة،
ألوف الناس داخل البيوت
المستسلمة الآمنة، وقد أطبق
عليهم الجحيم رجالاً ونساء
وأطفالاً.
السلطة
الحاكمة بجيوشها الجرارة تدخل
من كل أطراف المدينة. . لقد حانت
الساعة.. وها هي جهنم تبدأ
بابتلاع المدينة الشهيرة.
منذ
صباح هذا اليوم استطاعت كتائب
الجيش التابع للسلطة، والقابع
على أطراف المدينة منذ سنوات أن
تضع يدها على كل شارع وكل زقاق،
وكل بيت.
لقد
استطعنا نحن المحاصرين - ومن
شقوق النوافذ المغلقة أن نرى
أرتال الجيش الزاحف والراجل
والراكب.. عشرات الألوف من الجند
- وبأشكال متنوعة من اللباس.
-
اللواء 47 المدرع.
-
الفرقة الثالثة التابعة للجيش
النظامي.
-
آلاف من جنود سرايا الدفاع
بلباسهم وسلاحهم المميز.
-
آلاف من جنود الوحدات الخاصة.
-
مجموعات من سرايا الصراع.
-
قوات سريعة التحرك تابعة لسرايا
الدفاع برئاسة علي ديب.
كل
هذه الفرق، وكل هذا العدد
الوفير من الجيش.. أعدّته السلطة
الحاكمة لاقتحام المدينة،
ولملاحقة عدد محدود من
المعارضة، حسب زعمها.
كان
من الواضح في تلك اللحظات.. أن
هذا الجيش قد احتل البلد ليسدّد
إليها الضربة القاضية، عند هذا
قد يكون مفيداً أن نورد الحادثة
الواقعية التالية التي جاءت على
لسان مسؤول حكومي كبير.. هو عضو
في الجبهة التابعة للسلطة
الحاكمة.. يقول هذا المسؤول:
"أثناء
أحداث حماة، زارني أحد الأصدقاء
المقربين من السلطة، وكان قلقاً
من الحد اللامعقول الذي وصلت
إليه السلطة في قمع المدينة،
لما سيترتب على ذلك من نتائج
مستقبلية خطيرة. وكان قد اجتمع
مع بعض ضباط سرايا الدفاع،
وهؤلاء حدثوه عن حضورهم
اجتماعات قيادية في مدينة حماة،
وقبل عدة أيام من المذبحة،
وبالتحديد (الثامن والعشرين من
كانون الثاني) عرض عليهم فيها
الضابط المسؤول خرائط ميدانية
مسبقة معدة لاقتحام المدينة من
كافة جهاتها وشوارعها.
وقد
سأل بعض الضباط أثناء الاجتماع:
هل هي معركة مع أهالي المدينة أم
مع ما بقي من المعارضة؟ فأجاب
الضابط المسؤول حرفياً -ويدعى (علي
ديب) قائد اللواء المتحرك
التابع لسريا الدفاع،
والمتواجد داخل المدينة-: لقد
أعطانا الفريق حافظ أسد أوامر
صريحة بضرب كامل المدينة -
الأهالي قبل المقاتلين -وعلينا
تنفيذ هذه الأوامر- والغاية قتل
وتهجير أكبر عدد ممكن من أهلها.
يتابع
العضو المذكور: وعند هذا الحد
أيقنت أن المطلوب تدمير المدينة.
هذه
الواقعة صحيحة.. وقد ورد مثلها
في أحاديث كثيرة، بعضها كان يرد
على ألسنة الجنود أنفسهم.. لقد
سمعناهم يقولون بوضوح وبشكل
صريح معلن:
"طلب
إلينا الضابط أن نقتل كل
الأهالي دون تمييز. كانوا
يحددون لنا الشوارع، ويطلبون
منا الدخول إلى كل بيت فيها،
تاركين لنا حرية التصرف من قتل
ونهب واعتداء، وكل ما نفعله
لسنا مسؤولين عنه، وكل ما نحصل
عليه ملك لنا.. لقد سرق رفاقنا
الكثير من الذهب. أما الضباط
الكبار، فلم يتركوا شيئاً،
نقلوا مسروقاتهم على الشاحنات..
ولم نصدق جميعاً أن حماة غنية
على هذا النحو!!!"
وهكذا
دون مواربة أو خجل، ودون حاجة
لإخفاء العورات، كان هدف السلطة
واضحاً..
هذا
النظام يريد أن تصبح حماة مدينة
أخرى، لذلك غيّر معالمها، وهدم
شوارعها وأسواقها، ومسح
تاريخها، وقضى على المتحف
والبيوت الأثرية فيها، وقوّض
جوامعها وكنائسها. حتى المقابر
درسها، فمات الأموات مرتين، حتى
النواعير لم تسلم من حقده.
لو
تسنى له لغيّر اسم المدينة دون
شك.. ولبدّل بسكانها ناساً
آخرين، وكنّا نقول: هل كان يغيّر
مجرى نهر العاصي لو استطاع؟!
اعتقادنا،
بعدما رأيناه، أنه كان يفعل.
هذا
اليوم الثالث من شباط سيكون من
أيام الحزن السوري.. ما الذي
حصل؟
إن
حيَّ (الحاضر) بشوارعه وأزقته
الضيقة، كان فيه بعض جيوب
المقاومة الوطنية، وقد حانت
الفرصة التي انتظرتها السلطة
طويلاً، فحملت راجمات الصواريخ
إلى أعالي الأبنية المتواجدة في
ساحة العاصي، مقابل سراي
الحكومة، بحيث تصبح منطقة (الحاضر)
مكشوفة تماماً، ومن هناك بدأت
عملية دك المدينة.
كانت
الصواريخ تنقض بمعدل عشرة أو
أكثر في الدقيقة الواحدة، ومع
كل صاروخ تخرّ البيوت القديمة
على ساكنيها من الرجال والأطفال
والنساء. كان (الحاضر) بأكمله
يشتعل ببيوته وأزقته وسكانه
الذين يتجاوز تعدادهم مئة ألف
مواطن، من استطاع منهم الهرب
باتجاه القرى الشمالية فقد أسرع
تاركاً ركام البيت، وجثث
الأعزاء، ومن لم يستطع، انهار
البيت عليه، أو احترق وهو فيه.
وحتى
هذه اللحظة.. لا يستطيع أحد أن
يعطي إحصاءً دقيقاً لخسائر هذه
المنطقة القديمة، فهناك عائلات
أبيدت بأكملها، وذهبت تحت
الركام أو احترقت.
وهناك
بيوت اختلطت على بعضها بأكوام
هائلة من التراب والأحجار.. بحيث
بات يصعب حتى تقدير عدد المنازل
المتهدمة، فضلاً عن جرفها
نهائياً بعد ذلك، وتحويلها إلى
ساحات ترابية هائلة.
باختصار،
كان هذا الحي القديم منذ يوم
الأربعاء، سحابة كثيفة من
الغبار الأسود المختلط بتراب
الحجارة المنهارة، ودخان
الحرائق المتصاعدة من معظم
الأمكنة.. كان (الحاضر) يحترق
بأكمله، وينهار بأكمله، ويموت
بأكمله.
لذلك،
مهما كذبت السلطة في تضخيم ما
يمكن وجوده من أشكال المقاومة
العنيفة داخل الحي القديم،
لتبرر ضربها للمدينة، فإنه يبقى
فضيحة معلنة.. لأن الحي القديم
كان يشتعل من كل جوانبه بصواريخ
السلطة منذ اليوم الأول، ولا
مجال من الناحية المنطقية لحدوث
مقاومة مؤثرة على النحو الذي
صوره النظام.
إذا
تركنا (الحاضر) المحترق وتلفتنا
نحو الجانب الآخر من النهر، نجد
أمامنا المنطقة الأخرى وهي (منطقة
السوق) عصب المدينة التجاري..
وحيث تقع أهم وأكبر الأسواق.
في
هذا الجانب من حماة كان القصف
أخف وطأة تناول بصورة رئيسة
الأحياء المحيطة بالقلعة.. مع
قذائف صاروخية عشوائية تنهال من
كل المرتفعات، وتقع دون تحديد
على أي حي أو بيت.
هذا
اليوم لم تنجُ معظم البيوت في
الشوارع الرئيسة من زيارات
صاروخية كانت تلتهم سقفاً أو
حائطاً بلمح البصر.
لكن
منطقة السوق ستكون بعد يومين
مسرحاً لآخر منجزات حضارة القمع
(والعنف الثوري) في فن الإبادة
والنهب والاعتداء.
في
هذا اليوم أيضاً بدأنا نرى
شيئاً هاماً.. لقد عمدت السلطة
إلى أسلوب الانتشار الكثيف،
فتركت الجنود من سرايا ووحدات
وجيش نظامي يملئون الشوارع
والأزقة، حيث استتب الأمر
كاملاً في منطقة السوق، بعد
سقوط القلعة.
كان
الجنود يقرعون الأبواب،
ويطلبون الطعام.. وفعلاً قدّمت
لهم كثير من البيوت الطعام
والشراب والأغطية.. أحد الجنود
كشف عن الحقيقة حين قال لإحدى
النسوة: (لقد تركنا الضباط دون
طعام أو شراب) قالوا لنا (المدينة
مفتوحة وهي لكم بكل ما فيها)
معظم الجنود لم يتعبوا طويلاً..
كانت مخازن الأسواق ملأى بكل
احتياجاتهم.. وفعلاً.. فتحت من
مساء ذلك اليوم مخازن المدينة
بكاملها، وبدأ النهب الفعلي
المنظم والذي سيستمر طوال اليوم
التالي أيضاً.. قبل الانتقال إلى
عمليات الإبادة، وحتى يمارس
الجنود عملهم القادم براحة
ونشاط، وبعد أن يكونوا قد حصلوا
على غنائم لا تصدق..
جنود
كثر.. ممن تواجدوا داخل الأحياء،
وعلى مسافة من الأسواق، كانوا
ضيوفاً على كل البيوت.
نعم..
حماة المدينة الصابرة قدّمت يوم
الأربعاء بل كلّ يوم تقريباً
الطعام والشراب والشاي
والأغطية للجنود الذين قتلوها،
وفي التفصيلات التي سنذكرها
فيما بعد ما يشير إلى ذلك
بالأسماء.
الخميس:
الرابع من شباط
لا
يزال القصف المجنون الذي بدأ
منذ منتصف الليل وما يرافقه من
موت عبثي محتم.. هو سيد الموقف.
منطقة
السوق الآهلة بالسكان، بل
المكتظة بهم، ستكون بعد قليل
مسرحاً لأكبر مشروع من مشاريع
حمامات الدم عرفه التاريخ.
لكن
هذا اليوم.. سيكون بالنسبة لجنود
السرايا والوحدات يوم الغنيمة
الكبرى. لقد فتحوا منذ البارحة
بعض الأسواق واليوم يطبقون
عليها كلياً، فلا تسلم دكان
واحدة، وبدأت عملية النهب
المنظم.
تركزت
السرقات أولاً على الأموال
المودعة داخل المخازن.. في
الصناديق الحديدية، أو في حفر
مخفية داخل الجدران، يستطيع
الجنود الاهتداء إليها جيداً..
بأيديهم وأنوفهم المدربة، وحتى
دوائر الدولة، فقد تم فتحها
بكاملها.. وسرقت كل الأموال
المودعة داخلها.. (بعض هذه
الأموال كانت رواتب الموظفين
البسطاء عن شهر شباط التي لم يتم
قبضها كلها بعد).
وحتى
سراي الحكومة لم يسلم من
التخريب والتدمير والسرقات..
لقد حوله الجنود عن عمد إلى
مستودع للقاذورات والنفايات.
المحاكم
داخل السراي.. مع دوائر السجلات
المدنية والعقارية، تحوّلت هي
الأخرى، بفضل السواعد (الحضارية
الجديدة) إلى صناديق قمامة،
فيها آلاف الأوراق الممزقة
والمرمية داخل الغرف وفي
الممرات وفي الحديقة الخلفية..
كان الجنود وهم يبحثون عن
الصناديق الحديدية والأموال
المودعة داخلها، يمزّقون كل
شيء، ولا يبقون على شيء.
وقد
باتت مدينة حماة اليوم بدون
وثائق ومستندات تضبط الملكية أو
العلاقات بين السكان.
وفعلاً
استطاع الجنود والضباط، بعد أن
وضعوا أيديهم على كل الأموال
المودعة في الأسواق ودوائر
الدولة، أن يحصلوا على غنائم
حقيقية توزعوها فيما بينهم.
يروي
شهود عيان.. أن الجنود حين سرقوا
سوق الخضار.. أخذوا الأوراق
النقدية من فئة المائة ليرة أو
الخمسين.. وكانت بكميات كبيرة..
أما الأوراق النقدية ذات الليرة
الواحدة فكانوا يقذفونها على
الأرض، ويدوسونها بأحذيتهم..
لأن جيوبهم لم تعد تتسع.
ويقول
شهود العيان من مدينة حمص: إن
الجنود كانوا يقايضون المائة
وعشرين ورقة نقدية من فئة
الليرة الواحدة بورقة نقدية
واحدة من فئة المائة، ويجبرون
التجار في حمص على هذه
المقايضة، حتى يسهل عليهم حمل
النقود إلى بيوتهم أو قراهم.
وهكذا
فإن يوم الخميس كان يوم النهب..
وكان جيش السلطة الطائفية
مشغولاً بحصر الغنائم وتوزيعها.
لكن
الأمر لم ينته في الأسواق عند
هذا الحد.. لابد بعد ذلك من تغطية
السرقات.. ولتحقيق هذا الغرض..
أمر الضباط المكلفون جميع
الجنود بحرق الحوانيت بالقنابل
الحارقة.. وفعلاً وخلال ساعات
تحولت جميع الأسواق إلى فوّهات
سوداء.
أما
البضائع فكانت مرمية على
الأرصفة، يدوسها الجنود
بأرجلهم، يحملون منها ما
استطاعوا، ويتركون الباقي
لجولات قادمة.
يقول
شهود العيان: كان الجنود هذا
اليوم مشغولين جداً.. وكانت
البضائع تتكدس في الشوارع، ثم
تأتي السيارات العسكرية فتحمل
ما استطاعت منها، أما ما تبقى،
فيُحمل غالباً إلى عيادات
الأطباء الفارغة، أو الدوائر
الحكومية المستباحة، لتتحول
هذه وتلك إلى مخازن لتجميع
المسروقات.
الجمعة:
الخامس من شباط
يلاحظ
سكان المدينة أن أعداداً إضافية
من الجنود أخذت تفد على المدينة
من فجر هذا اليوم. كانت الدبابات
تهدر فوق الشوارع المزفّتة،
ترافقها أصوات الطائرات
المروحيّة التي لم ينقطع صعودها
أو هبوطها.. ومظهر الجيش على هذه
الكثافة أخذ يطرح أمامنا ألف
سؤال عن طبيعة مهمته القادمة..
كان معظم الجنود يرتدون الدروع
الواقية، وبعض الجنود ارتدوا
أقنعة بيضاء على وجوههم.
كما
لفتت الأنظار كتائب مميزة تعتلي
سيارات مصفحة سريعة وصغيرة
الحجم، وكانت تضع هي الأخرى
الدروع والأقنعة البيضاء..
وعرفنا فيما بعد.. أن هذه تسمى (كتائب
الشطب) وأنها تتلقى الأوامر
مباشرة من القيادة العليا
لسرايا الدفاع.
وهكذا
تدخل المدينة حمام الدم.. وفي
تلك اللحظات الرهيبة من صباح
هذا اليوم.. كانت السكاكين فوق
أعناق الجميع ودون استثناء.
ظهر
الجمعة: ينهمر وابل الصواريخ
بجنون على منطقة السوق.. إنه
الإنذار ببدء عمليات الذبح. أدى
إطلاق الصواريخ إلى تهديم عدد
جديد من البيوت، مما دفع بعض
الناس إلى الهرب والتجمع في بعض
الأقبية القديمة.
تجمعات
الأهالي المذعورين سهّلت على
كتائب الشطب المهمة.. فكانوا
يدخلون الأقبية ويعدمون الجميع
على الفور.
في
هذا اليوم بدأت عمليات الإعدام
الجماعي بصورة فعلية، وقبل أن
ندخل في التفاصيل الرهيبة، نقف
عند ملاحظة هامة جداً.. سنقرأها
في المقالة القادمة إن شاء الله
.
*كاتب
سوري في المنفى
|