مجزرة
حماة في ذكراها الرابعة
والعشرين...
المجزرة
المستمرة
محمد
فاروق طيفور
شهر شباط في حماه
وعند الحمويين ليس كباقي شهور
السنة كما هو عند الآخرين. فشهر
شباط له طعم آخر في مدينة حماه..
إنه طعم العلقم. بل هو أشد إنه
طعم الموت ولون الدم وريح
البارود.. هذا هو شهر شباط في
حماه وعند الحمويين.. وبالرغم من
كل هذه السنين الأربع والعشرين
تبقى ذكرى مجزرة حماه كأنها
أحداث اليوم.
- في شباط يطل
الحمويون من نوافذ بيوتهم ليروا
بأمّ أعينهم نيرانا تلتهم
بيوتهم ودخاناً يعمي أبصارهم
وأزيز انفجارات تقطع أفئدتهم..
إنها ليست ذكرى كما يظن البعض..
إنه مشهد الحقيقة التي ما زالت
نابضة بالحياة في مدينة الفداء.
- شباط في حماه شهر
البؤس وشهر النكبة.. قتل فيه
المجرمون عشرات الآلاف من
الأبرياء.. شيوخاً ونساءً
وأطفالاً وشباباً لا لذنب
اقترفوه سوى أنهم من أهالي حماه..
لأنهم رفضوا الذل والقهر
والاستبداد.. لا لذنب سوى أنهم
آمنوا بربهم الواحد الأحد
المنتقم الجبار ولم يطأطئوا
رؤوسهم لفرعون وزبانيته..
وثبتوا على قوله تعالى: (لن
نؤثرك على ما جاءنا من البينات
والذي فطرنا فاقض ما أنت قاض
إنما تقضي هذه الحياة الدنيا).
- في شباط من كل عام
يتذكر الحمويون كيف دخل
المجرمون مدينتهم فداسوا كل
المقدسات وفي مقدمتها قرآنهم
العظيم ومساجدهم ودور عبادتهم
أكثر من ثمانين مسجداً تمّ
تدميرها وقتل من لجأ إليها أكثر
من ألف من علماء حماه ومشايخها
تمّ قتلهم والتمثيل بهم وعلى
رأسهم مفتي حماة الشيخ بشير
المراد. وحتى الكنائس لم تسلم من
تدميرهم. أربع كنائس تمّ
تدميرها على من فيها وما فيها.
- في شباط يتذكر
الحمويون كيف صدّقوا (حافظ أسد)
عندما أعلن حركته التصحيحية عام
1970م فاستقبلوه في ساحاتهم
وديارهم بالأهازيج والذبائح
والزهور. ليثبتوا له ولكل أحرار
سوريا أن لا حقد ولا تمييز في
نفوسهم على أيّ كان من أبناء
وطنهم، لكنه جاءهم في شباط 1982م
غادراً قاتلاً هو وعصابته.
- في شباط يسير
الحمويون في طرقات وأزقة
مدينتهم وهم منكسوا الرؤوس لأن
بلدهم وديارهم ما زالت محتلة
مستباحة من فرعون وزبانيته،
وأنهم ما زالوا يعيثون فساداً
قي أهليهم وديارهم.. آلاف
المفقودين وعشرات الآلاف من
المهجرين عن مدينتهم إنه شهر
الذلة والغربة في المدينة.
- في شباط يستذكر
الحمويون كل قوانين البغي
والجور من قانون الطوارئ إلى
المحاكم الميدانية والقانون /49/
لعام 1980 سيء الذكر والذي أعدموا
بموجبه أكثر من أربعين ألفاً من
أهل المدينة شيوخاً ونساءً
وأطفالً وشباناً. كل حموي محكوم
بالقانون (49) سيء الصيت. حتى
البعثيين الحمويين قتلوهم
بصلاحية هذا القانون. حتى بعض
المسيحيين من أبناء حماه قتلوهم
بموجب القانون لأنهم قدموا
مساعدات إنسانية من طعام ودواء
لإخوانهم من أهل المدينة.
- في شباط من كل عام
يستذكر الحمويون أنهم ومع قدوم
الدكتور بشار الأسد كرئيس جديد
للبلاد خلفاً لأبيه وبالرغم من
كل الإشكالات القانونية
والدستورية لهذه الوراثة إلا أن
أهل حماه فتحوا صدورهم للقادم
الجديد وتجاوزوا كل المصائب
السابقة مستبشرين بعهد جديد.
لكن القادم الجديد خيّب كل
الآمال وحطّم كلّ الاستبشار
وبقي على عهدة أبيه. السجين بقي
سجينا والمفقود بقي مفقوداً
والمهجّر بقي مهجّراً بل ازداد
الفساد فساداً والاستبداد
استبداداً وعدنا من جديد إلى
المربع الأول.
- في (14) شباط 2005م قام
النظام بمؤسساته القمعية بقتل
الرئيس الراحل رفيق الحريري على
عادة النظام بتصفية الخصوم حتى
والأصدقاء لكنّها هذه المرّة لم
تمرّ الجريمة كما مرّت الجرائم
السابقة وكانت فخاًّ نصب بإحكام
لعصابات الإجرام الحاكمة في
دمشق ولن يخرجوا منها إلا كما
خرج أسلافهم من القتلة شاوشسكو (رومانيا)
وميلسوفيتش (يوغسلافيا) خروجاً
إلى غير رجعة، وكما أخرجوا هم
رفيقهم (محمود الزعبي) و(غازي
كنعان) رفاق الدرب!.
- وأخيراً في شباط
هذا العام يستبشر الحمويون بوعد
ربهم في قوله تعالى: (إنا للنصر
رسلنا والذين آمنو في الحياة
الدنيا..) فتجأر قلوبهم بالدعاء
إلى ربهم أن يزيل الطواغيت
ويذلّ فرعون وقومه ويوقع بينهم
العداوة والبغضاء وأن يمنّ الله
على المؤمنين بالفرج القريب
والنصر الأكيد مصداقاً لوعده
سبحانه (ونريد أن نمن على الذين
استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة
ونجعلهم الوارثين) ... (ويسئلونك
متى هو قل عسى أن يكون قريبا).
صدق الله العظيم
|