اتحاد
المحامين العرب
والذكرى
الرابعة والعشرين لمجزرة
حماة
محمد
عبد الله الهدائي
عقد اتحاد المحامين
العرب مؤتمره الثاني والعشرين
في دمشق (21-23 كانون الثاني 2006)
تحت شعار (الدفاع عن سورية حق
وواجب قومي) في ظروف حرجة ووقت
عصيب من حياة النظام السوري
الحاكم. لقد تساءل الكثير من
الناشطين والمهتمين بالشأن
السوري عن المغزى الحقيقي من
انعقاد هذا المؤتمر الحقوقي،
وعن الحق الذي جاء ليدافع عنه
ويسانده في هذا الوقت أو هذا
البلد الذي يخضع لنظام جائر لا
يعير للحق ولحقوق الشعب السوري
أية قيمة أو اعتبار. وربما كان
من سخرية القدر أن يأتي انعقاد
هذا المؤتمر للمحامين الذين
يفترض أنهم أول المدافعين عن
الحقوق والكرامة الإنسانية
قبيل قدوم الذكرى الرابعة
والعشرين لمجزرة حماة الأليمة (شباط
من عام 1982) التي انتهك فيها
النظام السوري ابسط الحقوق
الإنسانية فأزهق عشرات الآلاف
من الأرواح، كما شرّد وهجّر
مئات الآلاف من السوريين،
ومازالت آثارها السلبية تكوي
بآلامها قلوب أمهات وذوي
المفقودين الذين لم يعرف مصيرهم
بعد، وتبث عبرات وحسرات
المهجرين الذين لم تكتحل أعينهم
برؤية وطنهم الحبيب حتى الآن..
إضافة إلى ذلك، فإن
المؤتمر ينعقد أيضاً في ظل
استمرار نهج القمع والاستبداد
حيث تعج السجون بالمئات من
المعتقلين السياسيين الذين لا
تتوفر لهم أدنى حقوق السجين ولا
الضمانات القانونية بمحاكمة
عادلة أمام محكمة طبيعية، كما
أن التعذيب مازال يمارس بشكل
كبير، عدا عن حالة التضييق
التام على النشطاء ومنع
لقاءاتهم منتدياتهم، وقمع حرية
التعبير، وكمّ أفواه الصحافيين
وإرهابهم، واستمرار تحكم
السلطة التنفيذية بالسلطة
القضائية...
وبناءً على هذه
المعطيات وغيرها فقد وُجّهت
رسائل عديدة من منظمات حقوقية
ومدنية سورية إلى المؤتمرين
الحقوقيين (انظر أخبـار الشــرق:
20/1/2006)، خاطبتهم بصفتهم "رأس
الحربة في الدفاع عن الحق
والعدالة والحريات الأساسية"،
مطالبة إياهم باتخاذ موقف واضح
من موضوع الحريات وأوضاعها في
سوريا، ومحذرة من أن "تسويغ
قمع الحريات في سوريا وغياب
القانون بذريعة المخططات
الغربية الصهيونية الأمريكية
هو كلام مستهلك وشعارات تلطت
خلفها كافة أشكال انتهاك حقوق
الإنسان وقمع الحريات". وعلى
الرغم من أن المنظمات الحقوقية
والمدنية السورية قد طالبت "المحامين
وهم المعبرون عن ميزان الحق
والعدالة... باظهار انحيازهم إلى
الحرية والكرامة ومصالح الشعب
وليس لمصالح أنظمة وسلطات عاثت
فسادا"، إلا أن المؤتمرين
أبَو إلا أن يعلنوا بوضوح لا لبس
فيه عن انحيازهم إلى النظام
السوري الظالم بدل الانحياز إلى
المضطهدين والمقهورين من أبناء
الشعب السوري. ولكم كانت خيبة
أمل السوريين حينما شاهدوا أن
المحامين الذين يفترض أنهم أول
المدافعين عن حقوق المظلومين
يتحولون إلى أبواق لتمجيد الظلم
والطغيان تحت شعارات زائفة
مازال النظام الاستبدادي
السوري يدغدغ بها عواطف السذج
من أبناء أمتنا، وينتهك باسمها
حقوق الشعب السوري وكرامته
الإنسانية. والغريب في الأمر
أيضا أن هذه النخبة من
المدافعين عن الطغيان جاءت من
كل أصقاع العالم العربي لترفع
هذه الشعارات بعد أن انتهت
صلاحيتها وفقدت بريقها
وفاعليتها حتى أمام البسطاء من
أبناء الشعب السوري الأسير، مما
يزيد من إحباط هذا الشعب ويأسه
من توسم الخير في إخوانه العرب،
وخاصة الذين يتمسحون منهم
بمبادئ وقيم القومية العربية أو
التضامن العربي. وإذا كنا لا
نستغرب حينما نشاهد المبادرات
الرسمية التي تأتي لإنقاذ
النظام، سواء من قبل الدول الـ"الشقيقة"
أو من قبل جامعتها العربية،
التي من المعلوم أنها تمثل هذه
الدول المستبدة الظالمة وليس
شعوبها المسلوبة الإرادة، إلا
أن آخر ما كان متوقعا أن تأتي
مبادرات إنقاذ هذا النظام
الجائر من قبل حقوقيين يفرض
عليهم شرفهم المهني أن يعملوا
على استرداد الحقوق المسلوبة
إلى أصحابها، وليس العكس.
ولئن كان شعار
الدفاع عن سورية كلمة حق لا
يماري فيها أي إنسان يتمتع
بأدنى حس من الغيرة على بلده
وشعبه، إلا أن الشعب السوري،
والعالم كله، رأى وسمع من
خطابات وهتافات هؤلاء الأبواق
ما يدل بشكل قطعي على أن كلمة
الحق هذه قد وظفت من أجل هدف
باطل وخبيث. لقد برهنوا على هذه
الحقيقة المخجلة حينما أعلنوها
صراحة وعلى الملأ أن سورية التي
جاؤوا للدفاع عنها هي سورية "النظام"
الجائر، وليست سورية الدولة
والشعب! لقد تكرر ذلك المفهوم في
عبارات كنا نربأ بمن ينتمي إلى
مهنة الحقوق عنها، مثل عبارة
"سورية الأسد" التي يدرك
الشعب السوري أن هذه العبارة
تتضمن محذوفاً تقديره "سورية
مزرعة الأسد". فإن كان "الحقوقيون"
العرب يدركون معنى هذه العبارة
وأبعادها فتلك مصيبة، وإن لم
يكونوا كذلك فالمصيبة أعظم!
إن هذه العبارة
أيها المحامون "المؤتمرون"
تعني، كما يفهمها معظم أبناء
سورية بعد الخبرة والتجربة
العملية، أن الشعب السوري ليس
أكثر من عبد يعمل على خدمة
أسياده في مزرعتهم الخاصة، وأن
هذا الشعب لا يستحق من أسياده
سوى العصا، وذلك على مبدأ "لا
تشتري العبد إلا والعصا معه".
وإذا كنتم من السذاجة إلى درجة
التعويل على الوعد الخجول الذي
أطلقه الرئيس حول الإصلاح،
وأنكم رفعتم العتب بطلبكم
الخجول بمنح الشعب السوري حريته
من منطلق أن الأوطان لا تتحرر
بالعبيد، وهذا اعتراف منكم
بمعرفة الحقيقة والاستخفاف بها
في آن، فنذكركم بأن الشعب
السوري قد اختبر هذه الوعود
الكاذبة والمطالبات الخجولة
لمدة خمس سنوات وما زال النظام
في كل مناسبة يزعم أنه في بداية
طريق الإصلاح المزعوم، مما يعني
أن الوعد بالإصلاح سينضم إلى
الوعود الأخرى التي أطلقها نظام
الاستبداد منذ أربعين عاما،
كالوعد بتحرير الجولان المحتل
ووعود الوحدة والحرية
والاشتراكية! فاعتبروا...
وإذا كنتم أيها
المؤتمرون تجهلون جرائم النظام
في حق الشعب السوري، أو إذا كانت
قد خانتكم الذاكرة، فإليكم بعض
ما تحمله الذاكرة السورية من
آلام ودماء وشجون..
ولكن ليس على لسان
من ذاق هذا الظلم والذل
والهوان، مما يعطي الذريعة
باتهامه بالمبالغة، بل على لسان
حقوقي محايد، لا يتنطع بروابط
العروبة، ولا يتشدق بشعارات
التضامن والإخاء اليعربي، فهذه
بعض المقتطفات مما جاء
في تقرير لمنظمة العفو
الدولية كانت قد أرسلته إلى
الرئيس حافظ الأسد عام 1983:
"ويقول بعض
المراقبين: إن الأحياء القديمة
من المدينة ضربت بالقنابل من
الجو لتسهيل دخول القوات
العسكرية والدبابات خلال الطرق
الضيقة، مثل حي (الحاضر) الذي
محقت الدبابات بيوته خلال
الأيام الأربعة الأولى من
القتال. وفي 15 شباط/ فبراير بعد
عدة أيام من قذف القنابل الشديد
أعلن وزير الدفاع السوري اللواء
مصطفى طلاس أن الفتنة قد
أُخمدت، غير أن المدينة بقيت
محاصرة ومعزولة، واستمر
التفتيش والاعتقال على نطاق
واسع خلال الأسبوعين التاليين،
وانتشرت أخبار متضاربة عن
الفظائع التي ارتكبتها قوات
الأمن، وقتل السكان الأبرياء
بالجملة، وليس من السهل معرفة
ما حدث على وجه التحديد، غير أن
منظمة العفو الدولية قد سمعت عن
إعدام جماعي لسبعين شخصاً خارج
المستشفى المدني يوم 19 شباط/
فبراير، وأن سكان (الحاضر) لقوا
حتفهم على أيدي سرايا الدفاع في
نفس اليوم. وأن أوعية معبأة بغاز
السيانيد قد ربطت بأنابيب من
المطاط في مداخل المباني التي
يظن أنها مساكن المتمردين. ثم
فتحت فيها وقضت على جميع
سكانها، وأن الناس جمعوا في
المطار الحربي وملعب المدينة
وفي الثكنات العسكرية وتركوا في
العراء أياماً بدون مأوى ولا
طعام.
إن أحداث القتل
والإعدام المجاوزة للقانون
التي أوردناها هنا هي مخالفة
خطيرة للحق في الحياة، ذلك الحق
المقدس الذي نص عليه الإعلان
العالمي لحقوق الإنسان،
والاتفاقية الدولية بشأن
الحقوق المدنية والسياسية (المادة
16): لكل إنسان الحق الطبيعي في
الحياة، ويحمي القانون هذا
الحق، ولا يجوز حرمان أي فرد من
حياته بشكل تعسفي".
كان عليكم أيها
الحقوقيون العرب أن تحققوا أولا
بالجرائم المرتكبة بحق الشعبين
السوري واللبناني من قبل هذا
النظام الآثم قبل أن تضعوا
أيديكم بيده الملوثة بدماء
الأبرياء من الشعب السوري
واللبناني والفلسطيني، وما
مجازر حماه وتل الزعتر
والمخيمات وطرابلس عن ذاكرتنا
ببعيدة! لقد دأب هذا النظام على
التهرب من مسؤولياته في تلك
الانتهاكات الآثمة، وها هو
اليوم يحاول التملص، وبتأييد
ومساندة مخزية منكم، من
استحقاقات التحقيق الدولي في
جريمة اغتيال رفيق الحريري بعد
أن انكشف عنه الغطاء الدولي
الذي دأب على الصمت المريب تجاه
الجرائم ضد الشعبين السوري
واللبناني. إن المنظمات السورية
والعربية لحقوق الإنسان دعت،
منذ أكثر من خمس سنوات، الرئيس
السوري ونظامه لكي ينأوا
بأنفسهم عن النهج الدموي، وعن
سياسة إرهاب الشعب بقوانين
الطوارئ والمحاكم الاستثنائية
التي تخرق كل القيم الإنسانية
والعهود الدولية، وناشدت
النظام أن يحترم حقوق الشعب
السوري في الحياة وفي حرية
التعبير عن الرأي، كما طالبته
مرارا بفتح ملف تحقيق جاد حول ما
جرى في حماة تشرف عليه جهات
محايدة، تحاسب كل من ارتكب
مخالفات بحق حياة المواطنين
وأموالهم وأعراضهم وكرامتهم،
وتعيد الحقوق المغتصبة
والمصادرة لأهلها، وبتسوية كل
ما له علاقة بهذا الملف الأليم
ابتداء من إطلاق سراح المعتقلين
وبيان مصير المختفين من مدينة
حماة، والسماح بعودة المهجرين
من أهل المدينة وغيرهم من
السوريين.
وأخيراً، وبما أنكم
أيها المحامون العرب جئتم إلى
بلدنا لتنحازوا إلى الظلم
والطغيان، وأن مجيئكم لم يكن
لنصرة الحق على الباطل، وأنكم
أعلنتم بأنكم موكلون للدفاع عن
الشيطان لا عن الإنسان وحقوقه
مخالفين بذلك شرف مهنتكم..
فلا بارك الله سعيكم.. ولا
نقول لكم سوى:
جئتم فبئس مجيئكم...
عودوا فلا أهلا بكم!
جئتم لتحيوا كربنا
... عار عليكم سعيكم
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|