وتبقى
أبي الفداء عصيّة على الفناء
الدكتور
: نصر حسن
تمر بعد أيام الذكرى
الرابعة
والعشرون
على مأساة مدينة
حماة مأساة
العصر, الجريمة البشعة بل
أبشع جريمة
على مر الدهور, الجريمة التي
لازالت
فصول رعبها
مخفية ,
والمجرمون الذين
نفذوها
موجودون
ويتلذذون
بذكرى جريمتهم
وعذاب الضحية
, هي السادية بأوضع
صورها التي
لا يستطيع أحدا
ً أن يعطي
وصفا ً لكل
تفاصيلها الهمجية , مجرمون وجلادون
وخليط هجين
من كل
لقطاء أزقة
الزمن سرقوا الوطن في لحظة
سوداء
من تاريخ سورية
الحديث
وقتلوا الأبرياء ودمروه وعاثوا
بالبلاد والعباد ظلما ً وجورا .
هذه المدينة التي تجلس على ضفاف
نهر العاصي وتعبرعن خلاصة
الحضارة والتاريخ و تعزف
نواعيرها موسيقى الحياة
الأبدية التي تحكي في إحدى
أنغامها قصة الحياة وعظمة
الإنسان فيها , مساجدها
وكنائسها توحي بوحدة الإيمان
وتسامح الإنسان على توالي
الأزمان , اعذروني وسامحوني إن
قلت بأنها من عجائب الدنيا
ومخطوطة الزمان
,حماة يتفاعل فيها
الماضي مع الحاضر,التاريخ
بكل مكوناته الحضارية , الدين مع
العزة والكرامة والشجاعة
والإيمان الغير محدود بالوطن ,
لماذا هذا الحقد الغريب
والإصرارعلى افتعال تلك الفتنة
وجر سورية إلى مستنقع الدم
والطائفية والدمار والتخلف,وهل
فكّر الطغاة لحظة ً قبل تنفيذ
جريمتهم ؟ وهل كانوا يدركون
أبعادها السياسية والوطنية
والإجتماعية ؟ وهل أ ُغلقت
أمامهم الأبواب
وانتفى أي خيار آخر سلمي وطني لتجاوز
الفتنة وتجنيب الوطن ذاك الشرخ
الوطني والإجتماعي وخسارة
عشرات الآلاف وتشريد أكثر منهم
من الأطفال والنساء والشيوخ
والرجال الأحراروالكفاءات
الوطنية الهائلة
؟ ولمصلحة من نفذت الجريمة ؟ .
كل ذلك كان
يدركه جيدا
ً النظام ورموزه المجرمة ! بل هو
ما أراد أن يصل إليه دعاة الوحدة
والتحريروالصمود والتصدي !
ويدركون جيدا ً بل افتعلوا كل
ماهو خسيس ومدان ليقطعوا الطريق
على الخيار السلمي وتنفيذ فعلتهم
الدنيئة
تلك !
شباط شهر مشؤوم في الذاكرة
الشعبية الوطنية والإنسانية
وفي ذاكرة كل الأحراروذاكرة
ماتبقى من الشهود الأحياء من
أبنائها ,يتذكرون بصمت وألم كيف
حاصر الجبناء المدينة وعزلوها
عن الحياة وقطعوا عنها الماء
والكهرباء والدواء والغذاء
ووسائل الإتصال مع بقية المدن
السورية وأحاط " أبطال تحرير
فلسطين الأشاوس"
المدينة من كل جهاتها بكل
مخزونهم الإستراتيجي من أسلحة
الدمار من طائرات ومدفعية
وصواريخ وغازات كيماوية سامة
والذي سحبوه من الجبهة مع العدو
وبدؤا عملية (تحرير) عموم سورية
من الرجال الشجعان وأبنائها
الأحرار يقيادة المجرم " رفعت
أسد " وقواته سرايا الخونة
والعملاء وضربوا المدينة بكل
حمولتهم من القذائف والصواريخ
من الجو والأرض مدفوعة ً بكل
حقدهم على الوطن وأبنائه بدون
استثناء , واستمرت الجريمة
وهدمت المنازل فوق أطفالها
ونسائها ورجالها واتبعوا سياسة
الهدم الكامل والعام وبشكل
عشوائي حتى يتمكنوا من دخول
المدينة على أشلاء ضحاياها
وتبدأ جرائمهم الوحشية بالقتل
الجماعي بدون استثناء ,
اعدامات فورية وبالجملة وفي
الطرقات ,أطفال ونساء وشيوخ
ومرضى وجرحى مسلمين ومسيحيين
يستشهدون وشيوخ وقساوسة تنتف
لحاهم في قارعة الطريق , وبدون
حتى السؤال عن الإسم ! أحياء
هدمت بالكامل وعوائل أعدمت
بالكامل واعتقالات جماعية
وبكافة أحياء المدينة الجريحة
المحاصرة من
الصهاينة
"
العرب "
أعداء الشعب
والوطن
,
الوحوش أعداء الحياة والحضارة والإنسان
في كل
مكان !
تقاسم الرعاع المدينة عير خطتهم
العسكرية " البارعة لتحرير
الجولان " الذي أعدها لهم
أسيادهم الخارجيون ونفذها
السفاحون المعروفون في غرف
العمليات الحربية المحيطة
بالمدينة المجاهدة , دخلوا
المدينة المنهكة بالدمار
والخراب والموت وأنين الضحايا
الأبرياء ,نفذوا خطة( التحرير )عبر
عدة محاور ومن كل الجهات من
الأرض والسماء ,خطة محكمة
للتدمير الشامل واستمرتنفيذ
الجريمة في وضح النهار,وتحولت
إلى سجن جماعي ومقابر جماعية
للأحياء بدون تمييز , تحولت
الثانوية الصناعية والمدارس
إلى مراكز لتكديس البشر وتحول
معمل الزيت إلى نقطة انطلاق
لشاحنات الموت إلى المجهول ,
وتحول معمل الإسمنت إلى محكمة
ميدانية لإعدام الآلاف, وتحول
الملعب البلدي إلى محطة للمقابر
الجماعية,وتحول المستشفى
الوطني الوحيد في المدينة إلى
تابوت مختلط وجماعي للأبرياء .
هدموا المنازل والجوامع
والكنائس ونبشوا القبور ولم
يسلم من وحشيتهم البشر ولا
الشجر والحجر , قطعوا أيادي
وآذان الحرائر لعدة غرامات من
الذهب ,نهبوا منازلها ومتاجرها
وأحرقوا سوق الطويل وسط المدينة
وفيه مئات الأطفال والنساء
والشيوخ الأحياء , وبقيت أشلاء
الضحايا والهياكل البشرية
لأسابيع في الطرقات حتى مجيء
الجرافات التي جرفت بقايا الحجر
وأشلاء البشرلتصبح الطرقات
سالكة لمرور" جحافل جيش
التحرير" وأكثر قدرة على دخول
أحياء حماة التاريخية القديمة
الضيقة , كثيرة ومرعبة إلى حد
الجنون هي حلقات المجزرة التي
تعرضت لها هذه المدينة العربية
الأصيلة من قبل من ليس لهم أصل
أوانتماء إلى هذا الشعب العريق .
كل فصولها بلغت حدا ً من العنف
والقتل والهمجية اللامحدودة
وانعدام الإنسانية التي لم
يعرفها سواد التاريخ ,من الصعب
أن ينساها الجميع ولأربع ٍ
وعشرين عاما ً لازالت حاضرة في
الذاكرة والوجدان والضمير ,الصورة
التي هزت المشاعر, إنها الجريمة
الصامتة والألم الصامت الحزين ,صورة
طفلة تركض وراء والدها وإخوتها
الذين اختطفوهم قطاع البشر
والطرق وصفوّهم على الجدران
لإعدامهم ,ومدفعية تقف في نهاية
الزقاق الضيق ,صَوَّبَ سبطانة
المدفعية تجاه الطفلة
وأطلق هذا (....) الذي لا
أستطيع أن أجد له وصفا ً القذيفة
التي مزقت جسم الطفلة إلى أشلاء
تتطاير في الهواء ,ومزقت معها
نسيج الشعب والوطن .
حماة تنام وتستيقظ وفي أحلامها
وعيون أطفالها ونسائها ورجالها
إدانة أبدية لكل المجرمين
والطائفيين , أحبك أيتها
المدينة المجاهدة الخالدة ,
قلقي عليك وعلى الوطن أحبه ,
لهفي ليوم اللقاء أحبه , من يدري
أنّ جلادا ً سيحرم عيني من
دنياها ,أنت العين والعقل
والقلب والحب في هذا الزمن
الفاجر!
ليست المرة الأولى التي تعرضت
لها هذه المدينة الخالدة إلى
التدمير والحرق والمأساة من
التتار والطغاة والمستعمرين
عبر تاريخها , لكن الفاجعة هذه
المرة أن الوحوش هم من ينتسبون
زورا ً إلى أبناء الوطن ! وكانت
على أيديهم أكثر وحشية ودموية
وانعدام الإنسانية وأشد حقدا
ًوترويعا ً للأطفال والنساء
والمواطنين بدون استثناء ,أيا ً
كان الفاعل لكسر كبرياء أبي
الفداء , حماة ترفض
الإنحناء
وتزداد
عشقا ً للإباء
وتقهر الخونة
والفناء ,في كل مرة تتجدد
إرادة الحياة و الشموخ العربي
والكبرياء,وفي ولادتها من جديد
للجميع عزاء .
لازالت حماة تتألم بصمت ولازالت
فصول الجريمة والإهانة لكبرياء
الوطن وإذلال عزته وكرامته وضرب
عرض الحائط بكل مقدساته وقيمه
الدينية والأخلاقية والإنسانية
, لازالت أحداثها وماأفرزته من
خراب وعشرات الآلاف من الشهداء
والمفقودين والمشردين والأيتام
والأرامل والمشوهين والمعوقين
لازالت كوابيس تحاصر حياة الناس
فيها ,حمل ثقيل على الصدور
والنفوس والعقول والقلوب وجرح
وطني مهمل ينزف بأنين خافت حتى
هذه اللحظة
, تضميد هذا الجرح الوطني هي
العبّارة الوحيدة التي ستنقل
سورية إلى مستقبل يكون العدل
والتسامح واحترام الكرامة
الإنسانية ووحدة الشعب والوطن
هو عنوانه وتجاوز السلوك
الطائفي الذي سار عليه
الطائفيون الذي فتت الوطن وفتك
به .
في صبرا وشاتيلا بعضا ًمن ملامح
مجازر حماة , وفي تغييب وترهيب
سورية غايتها
, وذبح المقاومة القلسطينية
والحركة الوطنية اللبنانية
ودخول " شارون " بيروت
أول عاصمة عربية بعضا ً آخرمن
نتائجها و صمت الجبهة السورية
حتى الخرس وتأمين الحماية
الدائمة للعدو أوضح أهدافها .
على
امتداد أربع وعشرون عاما ً
والجريمة توصف بصمت وخوف وأصبحت
ككرة الثلج تزيد إفرازاتها
وتكبر وتكبر وتكبر إلى الدرجة
التي تفرض وضع حد لظلمها
وعلاجها , تحتاج إلى رد المظالم
إلى أهلها أولا ً , وفريق من
القضاة الشرفاء والنزيهين
والشجعان لإحقاق الحق ومحاسبة
المجرمين ثانيا ,ًوتعويض مركب
بحجم الجريمة ثالثا ًً ,وتسوية
أمور المفقودين والمهجرين ورد
الإعتبار لهم لأنها مسألة
قانونية ودينية وإجتماعية
وأخلاقية ونفسية رابعا ً,
وحزمة من الإجراءات وورش
وطنية لإعادة الحياة الصحيحة
لها خامسا ًً, وإجراءات
اقتصادية لإنعاش الشعب
ومساعدته على العيش الذي يحفظ
له كرامته الإنسانية سادسا
ً, وخبراء في علوم النفس
والإجتماع لمساعدة الشعب على
التخلص من عوارض الجريمة التي
أدت إلى كوارث اجتماعية ونفسية
وبشكل جماعي سابعاً,وفتح باب
الحرية للمؤسسات المدنية لتأخذ
دورها في إعادة التوازن للمجتمع
ثامنا .ً
مأساة حماة
هي
الجزء الأكثر
سوادا ً
وظلما ًفي
محنة سورية , وفي هذه
اللحظة
الحرجة والقلقة في حياة
الشعب والوطن لانريد فتح الجراح
بل نعمل على تضميده وطنيا ً
ولانريد إضافة نغم نحيب جديد ,
بل نريد ونطلب من الجميع التمسك
بحبل الوطن الذي وحده القادر
على إنقاذنا من الغرق .
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|