اخر تحديث
السبت-20/07/2024
موقف
زهيرفيسبوك
رؤية
دراسات
مشاركات
صحافةعالمية
قطوف
جديد
مصطلحات
رسائل طائرة
الثورة السورية
حراك الثورة السورية
حدث في سورية
نساء الثورة السورية
اطفال الثورة السورية
المجتمع السوري المدمر
شعارات الثورة السورية
ثلاث سنوات على الثورة
أيام الثورة السورية
المواقف من الثورة السورية
وثائقيات الثورة السورية
أخبار سورية
ملفات المركز
مستضعفين
تقارير
كتب
واحة اللقاء
برق الشرق
وداع الراحلين
الرئيسة
\
قطوف وتأملات
\ أحزان لاتزول - قصة من واقع سجن تدمر
أحزان لاتزول - قصة من واقع سجن تدمر
14.11.2015
يحيى حاج يحيى
لا أدري كيف أصف لقائي بهذا الرجل! فقد عرفته منذ عشرين عاما ، ثم غاب عني إلى أن التقينا قدرا في أحد شوارع حلب التي أفد إليها كل مدة ..
نظر إلي طويلا ، ونظرت إليه ، ترددت في السلام عليه ؟ فلربما كان شخصا آخر شبيها به ؟!
ولكنه قطع هذا التردد ، واندفع نحوي متعجبا وهو يقول : كأنك نسيتني ؟ أنا فلان الذي كان معك في دورة الرقباء الجامعيين .
صرخت من أعماقي : أهذا أنت ؟ سبحان الله ! لقد تغيرت كثيرا؟ !
ارتسمت على شفتيه ابتسامة مرة ، وهز رأسه : نعم تغيرت كثيرا ولكن أحزاني لم تتغير ولم تتبدل . ثم أردف :ألا تحب أن تسمع قصتي ؟!
أجبته على استحياء : بلى ! ومضيت معه إلى منـزله القريب
قلت : ماذا حدث لك ، أعرف أنك كنت معنا في الدورة ، ثم اختفيت فجأة ، ولم يجرؤ أحد على أن يسأل عنك ؟!
قال : نعم ! اختفيت ، أو أُخفيت اثني عشر عاما في سجن تدمر العسكري ؟! أتدري لماذا ؟
قلت : لا ! ولكن أعرف أن كثيرين من معارفنا وأصدقائنا قد أُخذوا ولم يعودوا ؟ !
قال : اُعتقلتُ وأنا عائد من إجازتي عند مدخل الثكنة .
لم يحقق معي أحد ، ولكن ضابط الأمن أَسَرَّ إلى أحد معارفه بأن تقريرا وصله عني ، ولا بد من سوقي إلى تدمر للتحقيق .
قلت : وساقوك إلى تدمر ؟!
قال لأرى الويلات ! تصورْ أنه لم يستدعني أحد ، ولم يسألني سائل ، وفي نهاية السنة الثانية عشرة استدعيتُ مع مجموعة من الموقوفين ، وأُخذنا للتحقيق أو المحاكمة في طابور طويل !
نظر القاضي إلى ملفي ، ثم صَفَر صفرة طويلة وهو يقول : شو عم تساوي هون يا بن …..
أبوك وأبو اللي جابك لعندي ؟؟؟؟؟؟!!!!!
ثم رمى الملف في وجهي وقال وهو يقلب شفتيه بنـزق وقرف مرددا ما جاء في التقرير : حلبي … يصلي يُخشى منه في المستقبل ؟؟!
أُعدت إلى الزنزانة مرة أخرى ليُنادى عليَّ بعد شهرين تقريبا ويطلق سراحي ؟ !
بدا التأثر على وجهي ، وكادت الدمعة تطفر من عيني .
ركّز نظره علي وقال : أحزنك وضعي ؟!
قلت : كثيرا !
قال : كيف لو رأيتَ ما رأيتُ ؟
صمت قليلا وقال : سأذكر لك حادثتين فقط من عشرات الحوادث التي عايشتها بنفسي .
أخذت منديلا ،وتظاهرت بأني أمسح جبهتي وقلت : حدثني عن الإعدامات التي كانت تتم مرتين في الأسبوع
قال: بل كانت تتم كل يوم وكل ساعة ؟!
قلت : كيف ؟
قال : الإعدامات الأسبوعية كانت تتم في ساحة خاصة ولكن هناك إعدامات داخل الزنازين .
قلت : داخل الزنازين ؟ !
قال : نعم ، فقد كان علينا ونحن داخل الزنزانة إذا فتح الجلاد الباب أن نركض ليرتمي بعضنا فوق بعض ، ولسوء الحظ كان معنا شاب صغير السن لم يتعود هذا الأمر ، فتأخر قليلا فأمسك به الجلاد ، وأخرجه من بيننا ووضع رقبته على طرف العتبة، وما زال يعصرها بحذائه العسكري بكل ما أوتي من قوة ، إلى أن فقد المسكين الحركة ، فتركه وقد خمدت أنفاسه !
انطلقنا إلى الشاب فوجدناه قد فارق الحياة ، بذلنا كل ما نعرف وما نستطيع فعله بدون فائدة !؟
انتظرنا قليلا ، ثم طرقنا الباب وقلنا : عندنا سجين مات !
فجاء الوحش وصرخ : كيف مات؟!
كان الشرر يتطاير من عينيه وكأنه لم يفعل شيئا؟!
قلنا : لا ندري !
فشتمنا بألفاظه البذيئة ثم فتح الباب لإخراج الجثة .
ترقرقت دمعة صامتة في عيني ، فمسحتها بطرف ثوبي
مرت فترة من الصمت الحزين ، ثم بادرته وقلت :
والحادثة الأخرى ؟
قال : إنها لا تختلف عن الأولى ، ففي أحد أيام رمضان وقبيل الغروب فُتحت أبواب الزنازين للدخول بعد التنفس الذي كان عملية تعذيب يتفنن بها الجلادون .
كانت السياط تلاحقنا فتعثر سجين مريض ولم يستطع الدخول ، فأمسك به الجلاد ووضع رأسه بين الجدار وبين باب الزنزانة الحديدي ، وأخذ يضغط بشدة حتى سقط ميتا لا حراك فيه ثم أشار بلا مبالاة إلى اثنين منا لحمل الجثة إلى سيارة البلدية التي تنقل بها القمامة .
قلت : وهل أفطرتم ؟
قال : نعم ، ولكن على الدموع الصامتة والتأوهات الخافتة ، والدعاء الذي ينطلق إلى السماء غضا طريا !؟
قلت ، وقد أحسست أن لديه الكثير مما يؤسي النفس :حسبك ، لقد نكأت جراحا في صدري ،لا يشفيها إلا محكمة عادلة قريبة بإذن الله .