أسئلة مشروعة حول مستقبل سوريا
19.01.2025
د. ناصر زيدان
أسئلة مشروعة حول مستقبل سوريا
د.ناصر زيدان
المصدر: النهار
السبت 18/1/2025
ما حصل في سوريا كان حدثاً هاماً بكل المقاييس. ولسقوط النظام تداعيات لا يمكن حصرها بعُجالة مرافقة لنشوة نصر عند البعض، ولصدمة هزيمة عند البعض الآخر، ذلك أن موقع سوريا الجيوسياسي، والدور الذي كانت تمثله، له أهمية قصوى، بينما التغييرات الكبيرة التي أحدثتها القيادة السورية الجديدة على هذا الدور ستكون هائلة، وستتأثر بها مصالح دول متعددة، وهي بمثابة انقلاب على المقاربات السابقة برُمّتها. ولسوريا خصوصية متميّزة في شبكة التفاعلات الشرق أوسطية، لا يمكن إغفالها، أو التقليل من تأثيراتها، مهما كان عليه الوضع القائم
.من الواضح أن غالبية ساحقة من الشعب السوري تعاطت بإيجابية مع ما حدث، وهلَّلت للتغيير بحماسة فائقة، خصوصاً لكون العملية جرت من دون سقوط دماء كثيرة، وضحايا العمليات العسكرية التي حصلت قبل يوم 8 كانون الأول/ ديسمبر 2024 وبعده اقتصرت على عدد محدود جداً، قد يكون بينهم أبرياء ظلمتهم المُصادفة، كما أن عمليات الانتقام المحدودة أيضاً، لم تلقَ أيّ احتضان من المسؤولين الجُدد الذين تعاطوا بشيء من التسامُح، وأطلقوا نداءات هَدفت لانتظار الاقتصاص من كبار المُرتكبين بواسطة المحاكم والقانون، وهؤلاء يجهدون بما تيسَّر من عدّة الحُكم لكي لا تعمّ الفوضى، لكن بعض الاختلال لا يمكن إخفاؤه بالتمنيات أو بالتصريحات.
كل ذلك لا يعني في أي حال أن الأمور انتهت، وعملية انتقال السلطة اكتملت. فعلى العكس من ذلك، هناك تحديات كبيرة ما زالت قائمة، والضباب السياسي والأمني ما زال يطفو فوق سطح الحدث بين الحين والآخر، وأسئلة كثيرة تُطرح أمام القيادة الجديدة في دمشق، وهذه الأسئلة تحتاج إلى توضيحات، وإلى إجاباتٍ صريحة، من دون تجاهل للخطوات الإيجابية الكثيرة التي حصلت، وقد يكون أهمّها احتكام المنتصرين للمؤسسات الحكومية الشرعية في معالجة المشكلات المطروحة، وتجنُّب التصرفات الفئوية أو الميليشياوية في مقاربة الملفات الداخلية والخارجية.
والحكومة الانتقالية التي تدير البلاد اليوم، نجحت في ضبط الفوضى في أكثر من مرفق عام، برغم الكلام الذي رافق توليها للمهام، لكونها لم تنبثق عن انتخابات، ولا عن جهات لها مشروعيتها القانونية، وهي تتألف من لونٍ واحد من مكونات الشعب السوري، وليس فيها تمثيل مناطقي أو طائفي أو سياسي كافٍ، كما أنها لم تولد من هيكلية دستورية، ولا عن إطار ثوري جماعي مشروع، حيث لم يكُن هناك مجلس لقيادة الثورة المنتصرة، كما جرت العادة في الحالات المشابهة التي حصلت في غير دول.
من أبرز الأسئلة المطروحة أمام القيادة الجديدة، أو أمام مؤتمر الحوار الوطني المؤجَّل، بعدما كان مقرراً عقده في 5 كانون الثاني/ يناير 2025:
كيف سيكون شكل الدولة السورية الموعودة؟ وهل سيكون التوجُّه نحو اعتماد نظام مدني، ينشد المساواة بين السوريين في وضعياتهم الخاصة أو السياسية، ويحترم التقاليد المحلية، ويحفظ حرية الاعتقاد لدى كل المكونات الموجودة على الأراضي السورية منذ القِدم؟ وماذا عن الطروحات التي تتناول موضوع اللامركزية الإدارية الموسّعة، أو الفيديرالية؟ بينما بعض الممارسات التي تحصل اليوم – ولا سيما في بعض الجوامع والأحياء – لا تُشبِه التوصيف المدني الحرّ الذي تحدث عنه قائد الإدارة الجديدة أحمد الشرع، بل هي أقرب إلى نمطية إسلامية متشدِّدة وغير مدروسة.
وهل ستتحوَّل سوريا من اصطفاف في محور إقليمي إلى تموضُع في محور آخر؟ وماذا عن دورها العربي المُنتظر، على اعتبار أن لسوريا مكانةً مُتميِّزة في الحظيرة العربية الواسعة، وهي إحدى أهم الدول الفاعلة في جامعة الدول العربية؟
وكيف ستتعامل القيادة الجديدة مع الاتفاقيات الدولية الموقعة مع دول خارجية؟ ولا سيما مع روسيا التي تحتل دور الصدارة بين أصدقاء سوريا منذ زمنٍ طويل، ولدى روسيا معاهدات موقَّعة مع سوريا حول استضافة قواعد عسكرية في طرطوس وفي حميميم على الساحل السوري، وهي ما زالت سارية المفعول، والبعض منها صالحة حتى عام 2060، في وقت يتحدث فيه البعض عن أن "قبة الباط" الروسية هي التي ساعدت في سقوط النظام.
والتحدي المهم أيضاً، هو في الخطوات التي قد تلجأ إليها القيادة الجديدة لمعالجة ملف العقوبات الدولية على سوريا، ولا سيما العقوبات التي صدرت بقوانين في الولايات المتحدة الأميركية (كقانون قيصر لعام 2020 وقانون ماغنيتسكي لعام 2012 الذي شمل سوريا أيضاً) كذلك عقوبات الاتحاد الأوروبي، والقيود التي وضعتها الأمم المتحدة على التعامل مع النظام السابق، وهي تطال الأراضي السورية. والمهم في هذا السياق، كيف ستتصرَّف بعض قيادات الإدارة الانتقالية – ولا سيما رئيسها أحمد الشرع – وهؤلاء مشمولون بعقوبات شخصية سابقة أيضاً.
ما ظهر حتى الآن يُبشِّر بمستقبل واعد لسوريا، بصرف النظر عن بعض الشوائب الحاصلة. فالمواقف التي أطلقتها الإدارة الجديدة المؤقتة، تُشير إلى رغبة واضحة في تخليص سوريا بالكامل من قيودها السابقة، وهي لن تكون جزءاً من محور جديد – كما أكد أحمد الشرع شخصياً – بل ستتعامل بإيجابية مع جيران سوريا، من دون أن تكون مصدر خطر على أيٍّ منهم، وستحترم الاتفاقيات العربية، وهي تريد من أشقائها المساعدة على تجاوز الأزمات الوازنة التي يعاني منها الشعب السوري، خصوصاً الصعوبات المالية والاقتصادية. والإدارة السورية الجديدة مُرتاحة للتعاطي الإيجابي الذي حصل معها من قبل دول عربية أساسية، وهي ستبادل بالمثل هذه الإيجابيات المُهمة، كما قال وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال أسعد الشيباني إبان زيارته لأبو ظبي.
ما يجري في بعض المناطق السورية، ولا سيما في الشمال الشرقي، يحتاج إلى عناية ديبلوماسية وأمنية مركَّزة، ذلك أن التوترات المُتنقلة في مناطق سيطرة القوى الكردية، قد تخفي سلبيات غير محسوبة، وربما تكون مدفوعة من قوىً خارجية. وبالرغم من زيارة وفد من "قسد" لدمشق، واجتماعه مع القيادة الجديدة، لم يُبدَّد ذلك المخاوف القائمة، ولواشنطن في هذا السياق دور أساسي في بلورة الوضع في تلك المناطق، ولا سيما بعد التسريبات التي تحدثت عن مُنازلات ومنازعات قد تقوم بها قوىً إقليمية مختلفة (خصوصاً إيران وتركيا) على أرضي الشمال السوري.
إن الاستراتيجية التي ستعتمدها الولايات المتحدة الأميركية في التعامل مع التغييرات الحاصلة في سوريا مهمة جداً، وسيكون لها أثر واسع، لكن نتائج زيارة نائبة وزير الخارجية الأميركية برباره ليف الأخيرة لدمشق لم تكُن واضحة بما يكفي.