الرئيسة \  تقارير  \  ألمانيا تواجه مشكلة

ألمانيا تواجه مشكلة

16.02.2023
لوكاس هيرمسمير

ألمانيا تواجه مشكلة
لوكاس هيرمسمير
الشرق الاوسط
الأربعاء 15/2/2023
في خضم الجدال المحتدم الدائر حول إرسال ألمانيا دبابات إلى أوكرانيا، من السهل أن ينسى المرء أنه منذ شهرين فقط، ألقت السلطات القبض على 25 شخصاً لتخطيطهم لانقلاب يميني راديكالي لإسقاط الحكومة الألمانية.
وتضمن المتمردون - وهم من أتباع حركة “مواطني الرايخ “ التي تدعي أن كل ولاية ألمانية منذ الحرب العالمية الأولى تفتقر إلى الشرعية - جنود وضباط شرطة وقوات احتياط بالجيش، ويتزعمهم “أمير “ أرستقراطي. واللافت أنهم تضمنوا كذلك عدداً من أعضاء حزب “البديل من أجل ألمانيا “، بينهم نائب سابق بالبرلمان الألماني.
واعتنقت الجماعة أفكاراً غريبة، ولم تكن أمام خطتهم فرصة للنجاح. ومع ذلك، قد يعتقد المرء أن كشف النقاب عن حركة مسلحة تهدف إلى القضاء على الدولة، من المفترض أن يثير نقاشاً جاداً حول القومية وعنف اليمين المتطرف، خاصة وأن ألمانيا يجري الاحتفاء بها باعتبارها لا تتوانى عن مواجهة ماضيها الفاشستي، لكن ذلك لم يحدث.
وبعد تكهنات فاترة حول احتمالات فرض حظر على “البديل من أجل ألمانيا “، اختفت القضية على نحو شبه كامل من خريطة النقاش العام.
ويبدو هذا التطور - أو بالأحرى غياب التطور - بمثابة عرض لحقيقة تثير القلق: ألمانيا تواجه مشكلة تتمثل في التطرف اليميني. ويبدو هذا جلياً على وجه الخصوص في مسألة صعود حزب “البديل من أجل ألمانيا “، الذي يعمل بمثابة الذراع البرلمانية لحركة اليمين المتطرف الأوسع. جدير بالذكر أن الحزب الذي يحصد قرابة 15 في المائة من الأصوات على مستوى البلاد ويمثل الكتلة الانتخابية الأكبر ببعض المناطق، تأسس منذ 10 أعوام فقط. ومع ذلك، نجح الحزب خلال عقد في إحداث تحويل قاطع في مسار المشهد السياسي الألماني تجاه اليمين.
لا يعرف هذا الحزب بمواقف مناهضة للهجرة، ولذلك فإنه لم يركز بصورة أساسية على قضية الهجرة في أيامه الأولى. وكانت الأولوية أمام الحزب، بادئ الأمر، اقتصادية. ووضع الرجال الـ18 - وبينهم العديد من الخبراء الاقتصاديين، وصحافي محافظ، ورجال أعمال - الذين أسسوا الحزب، نصب أعينهم هدفاً واحداً رئيسياً: انسحاب ألمانيا من العملة الموحدة للاتحاد الأوروبي، أو إلغاء هذه العملة من الأساس. وبطبيعة الحال، شكل ذلك في جوهره موقفاً قومياً.
وبعد عامين، عندما فر أكثر من مليون شخص نحو أوروبا، قادمين بصورة أساسية من سوريا وأفغانستان، تهيأ الحزب لاستغلال الموقف. ووصف ألكسندر غولاند، أحد الأعضاء البارزين في حزب “البديل من أجل ألمانيا “، الأزمة بأنها بمثابة “هدية “ للحزب. ورغم تحريضه المستمر ضد الهجرة، و “الأسلمة “ المزعومة لألمانيا، أثار حزب “البديل من أجل ألمانيا “ توترات، خاصة داخل المعسكر المحافظ. وسرعان ما سحبت الحكومة استجابتها الترحيبية الأولية، وشددت بدلاً من ذلك قوانين اللجوء وزادت عمليات الترحيل.
في تلك الأثناء، عزز “البديل من أجل ألمانيا “ وجوده على الساحة السياسية. وعام 2017، أصبح ثالث أكبر حزب داخل البرلمان، وتولى زمام قيادة المعارضة. وبينما تراجعت حظوظ الحزب الانتخابية لاحقاً - مع خسارته أصواتا في أحدث انتخابات أجريت عام 2021، على سبيل المثال - فإنه من خلال دعواته المناهضة للهجرة والداعية للحفاظ على القانون والنظام، اكتسب تأثيراً كبيراً على مستوى التيار السياسي الرئيسي. وبدلاً من دفعه نحو اتخاذ مواقف أكثر اعتدالاً، دفع النجاح الحزب نحو مزيد من الراديكالية.
وبالفعل، تحول “البديل من أجل ألمانيا “ إلى قوة أشد تطرفاً ومناهضة للديمقراطية. واليوم، يهيمن على الحركة شخصيات مثل بيورن هوكه، أحد زعماء الحزب، والذي، طبقاً لحكم صادر عن محكمة، يمكن وصفه قانونياً بأنه فاشستي.
ويملك الحزب معاقل قوية في ولايات شرقية، مثل تورينغن وساكسونيا، وهي مناطق ترتفع داخلها معدلات البطالة أكثر من الولايات الغربية، كما تعرضت فيها البنية التحتية للتفكيك، وينتقل الشباب بعيداً عنها بمجرد أن ينالوا الفرصة.
وتعتبر حالة الهجران الاقتصادي التي ضربت شرق ألمانيا بعد حل جمهورية ألمانيا الديمقراطية عام 1990 - في اختلاف كبير عن “المناطق المزدهرة “ التي وعد بها المستشار هلموت كول - من العوامل الرئيسية وراء شعبية “البديل من أجل ألمانيا “.
لكن هذا الحزب ليس، مثلما يفترض البعض أحياناً، مجرد ظاهرة شرق ألمانية. الحقيقة أن “البديل من أجل ألمانيا “ يحصد ما يزيد على 10 في المائة من الأصوات داخل بعض الولايات الواقعة غرب ألمانيا، مثل بافاريا.
خلال انتخابات ساكسونيا السفلى نهاية عام 2022، مثلاً، نجح الحزب في مضاعفة الأصوات التي حصدها تقريباً مقارنة بخمس سنوات ماضية، لتصل إلى 11 في المائة. وتبعاً لما كشفته دراسة حديثة، قال 32 في المائة من الألمان ممن يعيشون غرب البلاد إنهم يعتقدون أن البلاد “تجتاحها جحافل من الأجانب “. أما في شرق ألمانيا، فارتفعت النسبة إلى 40 في المائة.
خلف هذا التأييد العام، تكمن عنصرية واسعة النطاق وما أطلق عليه عالم الاجتماع أوليفر ناشتوي “مجتمع في حالة انحدار “. لقد تلاشت منذ أمد بعيد وعود حقبة ما بعد الحرب بتحقيق الترقي والصعود. واليوم، يعمل تقريباً واحد من كل خمسة موظفين ألمان في قطاع منخفض الأجور، في الوقت الذي تفاقمت معدلات الفقر بنسبة 40 في المائة منذ عام 2010. وفي هذا السياق، فإنه في الأماكن التي يبدو أن الدولة أخفقت فيها في الاضطلاع بواجبها تجاه توفير شبكة حماية اجتماعية وشعور بالتضامن، تجد معارضة حزب “البديل من أجل ألمانيا “ لما يزعم أنه نفوذ مغالى فيه للدولة، مؤيدين بسهولة.
أما نتائج ذلك، فواضحة للعيان. خلال عقد، أصبح “البديل من أجل ألمانيا “ قوة سياسية ألمانية كبرى. ومع أن العمال أصحاب الياقات الزرقاء والعاطلين عن العمل يشكلون نسبة كبيرة من ناخبي الحزب، فإن هذا لا ينفي أن نسبة كبيرة كذلك من ناخبيه من العمال أصحاب الياقات البيضاء وموظفي الخدمة المدنية وأصحاب الأعمال الخاصة. ومن المهم الإشارة إلى أن جميع الأحزاب الألمانية الأخرى خسرت ناخبين لصالح “البديل من أجل ألمانيا “ خلال السنوات الأخيرة.
الواقع أن صعود “البديل من أجل ألمانيا “ تزامن مع تزايد جناح اليمين الراديكالي جرأة. وخلال السنوات القليلة الماضية، جرى كشف النقاب عن شبكات يمينية راديكالية داخل قوة الشرطة والقوات المسلحة.
وضرب العنف الشوارع، ففي فبراير (شباط) 2020، قتل واحد من أنصار فكرة تفوق العرق الأبيض تسعة أشخاص ملونين بمدينة هاناو. وخلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2022، وقع 65 هجوماً ضد منشآت تخص اللاجئين، أي ما يزيد على هجوم واحد كل أسبوع. ومع أن “البديل من أجل ألمانيا “ ليست له صلة مباشرة بهذه الهجمات، فإنه من المؤكد أنه عاون في خلق مناخ سياسي أصبحت فيه أعمال العنف السياسي أكثر احتمالاً.

- صحافي ألماني
- خدمة “نيويورك تايمز “