الرئيسة \  مشاركات  \  أمنُ الثورة .. الأمن والقرآن الكريم (7) (تأصيل شرعيّ)

أمنُ الثورة .. الأمن والقرآن الكريم (7) (تأصيل شرعيّ)

04.12.2022
الدكتور محمد بسام يوسف

بسم الله الرحمن الرحيم
أمنُ الثورة
الأمن والقرآن الكريم (7)
(تأصيل شرعيّ)


بقلم: الدكتور محمد بسام يوسف

نتابع استنباط "المفاهيم الأمنية" الواردة في بعض النصوص القرآنية الكريمة، لنؤكّد أنّ "للعمل الأمنيّ" أصلاً شرعياً قوياً ينبغي أن تأخذ الحركة الإسلامية والثورة به، وتعمل على تنفيذ روحه وتعاليمه، ثم تطوّر هذا الجانب المهم من جوانب العمل الإسلاميّ، فضلاً عن تربية أبناء الحركة الإسلامية، على المفاهيم الأساسية للعمل الأمنيّ الإسلاميّ، الذي أصبح ركناً أساسياً من أركان البناء الحركيّ التنظيميّ لا يمكن تجاهله أو الاستغناء عنه في أي حالٍ من الأحوال.

سُليمانُ عليه الصلاة والسلام: عِبَرٌ ودروسٌ أمنيةٌ مُدهِشة
كما في القصص السابقة، فإن قصة سيدنا سليمان عليه السلام تزخر بالمعاني والعبر الأمنية التي تُعلّمنا وتُعلّم الأجيال إلى يوم الدين، أنّ العمل الأمنيّ الإسلاميّ، من الأعمال المهمة التي ينبغي للمسلم أن يتقنها ويطوّر أساليبها لكي يستطيع التعامل مع كل الظروف التي تحيط به أو تطرأ عليه.
وسليمان عليه السلام هو النبي الذي سخّر الله له الجنّ والإنس والحيوان لعمارة الأرض وإقامة شرع الله سبحانه وتعالى فيها.. فلا عجب إذا عرفنا أنه عليه السلام، كان يتعامل مع الطير والنملة، وغير ذلك من مخلوقات الله المسخّرة له بقدرته عزّ وجلّ.

1- الهدهدُ جنديٌّ مخلصٌ ، وعينٌ أمنيةٌ لا تُخطئ
فقد بادر أول ضابط أمنٍ في الأرض (الهدهد) إلى الاستطلاع، وجَمْع المعلومات، وعندما لاحظ أهميتها وخطورتها، سارع لإخبار قيادته (سليمان عليه السلام) الذي يمثّل أولي الأمر الذين يعملون في سبيل الله:
(فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَأٍ بِنَبَأٍ يَقِينٍ) (النمل:22)
والنبأ: هو الخبر الذي يتضمن أمراً هاماً أو خطيراً، ولا بدّ للبناء عليه، أن يكون صحيحاً حقيقياً مُثبَتاً قاطعاً: (بنبأٍ يقين)، لأنّ المسلم لا يبني أموره إلا على اليقين من الأنباء، ولا يتصرف تصرفاً أو يتخذ موقفاً إلا بموجب أخبارٍ صحيحةٍ يقينية.. وهو مبدأ أمنيّ أخلاقيّ عظيم!..
فما هو هذا الخبر الخطير الذي حمله الهدهد -العين الساهرة على أمن الدعوة- ؟!:
(إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ) (النمل:23)  فهناك في بلاد اليمن مملكة تحكمها امرأة هي (بلقيس)، وهم قوم يعبدون غير الله عزّ وجلّ!.. وهو أمر خطير وهام لا يمكن تأخير اتّخاذ الموقف بشأنه، إنهم يعبدون الشمس!..
كيف تعامل سليمان عليه السلام مع هذا النبأ؟.. لم يهمله، ولم يتخذ أي موقفٍ حتى تثبّت من صحّته وثبوته: (قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ) (النمل:27) وبعد أن تحقّق عليه السلام من صحة النبأ، اتخذ الموقف المناسب، الذي يتضمن تحقيق العبودية لله عزّ وجلّ في كل ركنٍ معروفٍ من الأرض آنذاك!.. ثم تؤمن الملكة بلقيس بالله سبحانه وتعالى، ويؤمن قومها، ويتحقق الهدف.. وكل ذلك بفضل الاستثمار الأمثل، لنبأٍ حمله جندي مخلص نابِهٌ: الهدهد!.. فهل يكون كل منا كالهدهد الحصيف النابه؟!..

2- نملةٌ حصيفةٌ تُنقِذُ أمّةَ النمل!..
كان سليمان عليه السلام قد جمع جنده من الإنس والجنّ والطير، وسار بهذا الجيش العظيم، ولما اقترب من الوادي -وادي النمل- .. شعرت بهم نملة، وعندما تيقّنت أن وجهتهم نحو الوادي الذي تسكن فيه أمّة النمل، سارعت إلى قومها مُحذِّرةً منبّهةً:
(حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) (النمل:18) فالخطر قادم!.. وهو يقترب، ونتيجته تحطيم أعضائكم بالأرجل وحوافر الدوابّ، ولو من غير قصدٍ منهم، ولا بدّ من الحماية، وقبل ذلك لا بدّ من التحذير والتنبيه إلى الخطر القادم.. وهكذا كان، حيث لجأت أمّة النمل إلى مساكنها الآمنة امتثالاً لتنبيهات (نملة الاستطلاع) التي نقلت الخبر، في الوقت المناسب، من غير تأخيرٍ ولا تسويف!.. فهل نتعلّم؟!..

يا ربّ آتنا من لدنك رحمةً،
وهيّء لنا من أمرنا رشداً،
وارزقنا الحكمة وحُسن التدبير،
ونوّر عقولنا وقلوبنا بنور الحق،
واجعلنا من الذين يستمعون القول فيتّبعون أحسنه،
اللهم آمين .. اللهم آمين

- اهـ.