الرئيسة \  واحة اللقاء  \  أميركا تنزع جزمتها العسكرية

أميركا تنزع جزمتها العسكرية

05.09.2021
بسام مقداد


المدن
السبت 4/9/2021
خطاب الرئيس الأميركي الذي وجهه إلى الأمة والعالم أول الشهر الجاري بمناسبة خروج آخر عسكري أميركي من أفغانستان، كان له وقع الزلزال على مواقع الإعلام العالمي، التي أوجزت صحيفة الكرملين ردة فعلها بكلمات ثلاث:صدمة، إرتباك وحيرة. فقد أعلن بايدن في خطابه بأن القرار الذي اتخذ بشأن أفغانستان لا يتعلق بها وحدها، بل "يختتم مرحلة حروب أميركا الكبرى لإعادة بناء البلدان الأخرى". وقال بأن مهمة محاربة الإرهاب في أفغانستان، والتي كانت تهدف إلى القضاء على الإرهابيين ومحاولة بناء أفغانستان ديموقراطية واحدة موحدة، لم يقم بها أحد على إمتداد قرون من التاريخ الأفغاني. "وإذا ما تخلينا عن مثل هذا التفكير ونشر وحدات عسكرية ضخمة لمثل هذه الأهداف، سوف يجعلنا هذا أقوى وأكثر فعالية، كما أنه سيفضي إلى أمن أكثر للولايات المتحدة"، حسب الصحيفة.
النص الذي نشرته الصحيفة في 2 من الشهر الجاري بعنوان "الولايات المتحدة تغير أداة الضغط على العالم"، هو نفسه كان منفعلاً متوتراً يكاد لا يصدق كاتبه بأن تكون ردة الفعل الأميركية على الحدث الأفغاني على هذا القدر من الجذرية والإلتفاف 180 درجة على نهجها منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية في إعادة بناء العالم "اللاغربي غير المتحضر". ويقول بأن ردة الفعل على إعلان بايدن كان فيها عدم ثقة، كان فيها تفاؤل، لكن الأساسي فيها كان الإرتباك: "كيف سنعيش لاحقاً".
وتقول الصحيفة بأن شبكات التواصل كانت مليئة بتعابير مثل "هذا خداع أميركي آخر"، و"الولايات المتحدة لن تتخلى يوماً عن تصدير الديموقراطية على أجنحة قاذفات القنابل، فقط لأنها الولايات المتحدة". وتسند هذا القول بقصة العقرب الذي طلب من ضفدع نقله عبر النهر إلى الضفة الأخرى، وحين شارف الإثنان على الغرق لدغ العقرب الضفدع وقال "لم يكن بوسعي غير ذلك، تلك هي طبيعتي".
رئيس لجنة العلاقات مع الإعلام في مجلس الإتحاد الروسي ألكسي بوشكوف رأى في إعلان بايدن، "إنه لم يكن مجرد خطاب تخلي الولايات المتحدة عن سياسة "تبديل الأنظمة" التي تقوم عليها إستراتيجيتها الخارجية. ونقلت عنه الصحيفة إضافته إلى أنه في حال تخلي الولايات المتحدة الفعلي عن محاولات إعادة تنظيم الدول الأخرى، سوف يعني ذلك نهاية التدخلات العسكرية الأميركية في الدول الأخرى، وتبدلاً نوعياً في دور الولايات المتحدة العالمي. وترى الصحيفة في موقف بوشكوف "تفاؤلاً متحفظاً" سببه أنه، ومنذ الحرب في يوغوسلافيا، لم يحمل التصدير المسلح للديموقراطية فوزاً واحداً للولايات المتحدة، بل حملت جميعها هزائم امتصت الموازنة الأميركية، وأفضت إلى خسائر فادحة في صورتها.
ويرى بوشكوف أن "أوروبا الليبرالية" صدمت بإعلان بايدن عن نهاية حقبة إعادة التنظيم العسكرية للبلدان الأخرى، وهي تشعر أنه قد تمت خيانتها، وممن؟ من رئيس الدولة الرئيسية في العالم الغربي، من رئيس الدولة ــــــــ حارس مقولة النظام الليبرالي العالمي، من الدولة ـــــ معقل القيم الليبرالية التي كانت تصلي لها النخب الأوروبية.  
وتنقل الصحيفة عن مؤرخ أميركي قوله بأن بايدن، بإعلانه هذا، ينتهج السياسة عينها التي كان ينتهجها ترامب، والتي كانت تقول "الوطن أولاً". وإذا كان الحديث يدور سابقاً عن ترويض الحلفاء وجعلهم يخضعون لما تمليه المصالح الأميركية، إعتمد بايدن الآن فكرة ترامب بالتخلي عن العمليات العسكرية الكبيرة لفرض الديموقراطية.
كما تنقل عن صحافي وبوليتولوغ ألماني قوله بأن تصريح بايدن يلقي بظلال من الشك على جميع تبريرات الحكومة الألمانية والأحزاب المعارضة للمهمات المماثلة لمهمة أفغانستان. ويرى بأن خطاب بايدن يقلب رأساً على عقب التفكير الألماني الذي يرى بأن قضايا الأمن يمكن معالجتها بالطرق العسكرية دون سواها، والتي لا تفترض أية إلتزامات بإعادة إعمار ما تهدم.
وترى الصحيفة أن أوروبا، وبعد تخلي بايدن عن زرع الديموقراطية بالقوة، بوسعها أن تنزع البوط العسكري "أيديولوجياً"، وتتحول إلى علاقات براغماتية مع الدول التي لا تلائم أوروبا ساستها الداخلية مثل روسيا وبيلوروسيا. لكن نزع البوط العسكري والتخفي تعوزه الإرادة والمرونة غير المتوفرتين لدى المؤمنين يالليبرالية برأي الصحيفة. وبوسع أوروبا أن ترفض التخفي بالطبع، لكنها سوف تصبح عندئذٍ على هامش العمليات التاريخية، حتى في عزلة عنها، ولذا سوف يتعين عليها التخفي في نهاية المطاف، "لكن مع خسائر أكبر بكثير". وتنقل عن بروفسور في جامعة كيلن قوله بأن الكوسموبوليتية التي كانت تنتشر في بعض الحكومات الأوروبية "قد تنهار، لكن حين يصبح الوقت متأخراً جداً".
لكن تخلي بايدن عن الخيار العسكري في زرع الديموقراطية وتغيير الأنظمة، لا يعني التخلي عن العولمة وأهدافها في بناء مجتمعات تعيش على النمط الأميركي. وترى الصحيفة أن فشل المغامرات العسكرية جعل بايدن يغير أداة نشر الديموقراطية واستبدال الخوف لصالح الإغواء. فالولايات المتحدة تعود إلى القوة الناعمة الكلاسيكية التي بواسطتها ستجعل الأنظمة "ديموقراطية" وليس بواسطة القنابل، بل بواسطة النفوذ الإقتصادي والإيديولوجي والثقافي. لكن السؤال يبقى بالنسبة للصحيفة، هو ما إذا كانت الولايات المتحدة لا تزال تجيد إستخدام القوة الناعمة الكثيرة لديها، بعد طول إستخدام قاذفات القنابل بدلا منها.
توجهت "المدن" إلى بعض الكتاب السياسيين الروس المتابعيتن لقضايا الشرق الأوسط  بسؤالهم كيف يقيّمون قرار بايدن التخلي عن "تصدير الديموقراطية" و"تغيير الأنظمة، وما هي تأثيراته على الشرق الأوسط ككل، وعلى نظام الأسد ومحادثات فيينا بشأن العودة إلى إتفاقية الصفقة النووي الإيرانية.
خبير المجلس الروسي للعلاقات الدولية وكاتب العمود في موقع "AL Monitor" كيريل سيمونوف، رأى أن التعبيرين اللذين يوجزان قرار بايدن كان يمكن إستخدامهما بالنسبة لسياسة ترامب أيضاً. فواشنطن تواصل حالياً سياسة ترامب الدولية، ولن يكون للقرار تأثير على الشرق الأوسط الذي يعيش هو ذاته دينامية التغيير الخاصة به.
أما بخصوص تأثير القرار على نظام الأسد، فهو لا يرى أي تأثير، حيث أن الولايات المتحدة ليس في نيتها تغييره، إلا أن العقوبات سوف تستمر برأيه.
 الصحافية المتابعة لشؤون الشرق  الأوسط في صحيفة"Kommersant"ماريانا بالكينا رأت بأنه ينبغي الإنتظار لجلاء الأمر وأبعاد القرار. وقالت بأن التنجيم لا يفيد، ولم تكن الولايات المتحدة عازمة في الآونة الأخيرة على تغيير السلطة  بالقوة في سوريا وإيران. ولم يتحدث بايدن سوى عن "نهاية عهد العمليات الكبيرة الرامية إلى إعادة تنظيم البلدان الأخرى". وهذا لا يمس بسياسة العقوبات والطرق الأخرى للضغط، ولذلك ""لا أتوقع أية تغييرات لافتة".
خبير منتدى فالداي للحوار الدولي والمجلس الروسي للعلاقات الدولية غيورغي أساتريان رأى بأنه إذا صدقت كلمات بايدن، وتوقفت الولايات المتحدة عن إنتهاج سياسة تغيير الأنظمة وتصدير الديموقراطية، فسوف يترك هذا الأمر تأثيراً إيجابياً على منظومة العلاقات الدولية. لكنه لا يصدق بأن الولايات المتحدة سوف تنتهج مثل هذه السياسة، على الأقل في المستقبل القريب.
أما بشأن إيران وسوريا فهو يعتقد بأن الولايات المتحدة هي بصدد تغيير سياستها، إذ أنها استسلمت لبقاء نظام الأسد، ولن تقوم بمحاولات جديدة للإطاحة به. أما بشأن إيران، فالولايات المتحدة تعتمد لغة الحوار معها.