الرئيسة \  تقارير  \  أين سورية في الحسابات الاستراتيجية الصينية؟

أين سورية في الحسابات الاستراتيجية الصينية؟

19.01.2025
أحمد قاسم حسين



أين سورية في الحسابات الاستراتيجية الصينية؟
أحمد قاسم حسين
العربي الجديد
السبت 18/1/2025
منذ اندلاع الثورة السورية في مارس/ آذار 2011، اتخذت الصين موقفاً منحازاً للنظام السوري، في تنافض مع مبدأ رئيسي في سياستها الخارجية، عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول ذات السيادة. وقدّمت دعماً سياسيّاً واقتصاديّاً للنظام السوري، ما أثار تساؤلات بشأن أهدافها الاستراتيجية في المنطقة العربية. على الصعيد السياسي، استخدمت الصين حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن عدّة مرات، بالتنسيق مع روسيا، لمنع إصدار قرارات تُدين النظام السوري أو تفرض عليه عقوبات. رغم أن موسكو كانت قادرة على تحمّل مسؤولية تعطيل القرارات بمفردها، إلا أن الصين شاركت في هذا الجهد، ما يعكس رغبتها في تعزيز دورها قوة دولية مؤثرة. وقد استغلّت بكين هذه المواقف لتأكيد حضورها في المنطقة العربية في إطار سعيها إلى منافسة النفوذ الأميركي وحلفائه في المنظمات الدولية.
اقتصادياً، حاولت الصين تعزيز استثماراتها في سورية، لا سيما في مجال الطاقة، عبر شركات كبرى مثل "سينوبك" و"سينوكيم" و"مؤسسة البترول الوطنية الصينية". ومع ذلك، ظلت هذه المحاولات محدودة ولم تحقق أية نتائج ملموسة. وعلى الرغم من أهمية الموقع الجيوسياسي لسورية في مبادرة الحزام والطريق الصينية، إلا أن بكين لم تتمكّن من تحقيق تقدّم كبير على هذا الصعيد. ويمكن تفسير ضعف الاستثمارات الصينية في سورية بعدّة عوامل رئيسية، أبرزها استمرار النزاع وغياب الاستقرار اللذيْن شكلا عقبة رئيسية أمام جذب الاستثمارات الأجنبية بشكل عام، والصينية بشكل خاص، إضافة إلى العقوبات الاقتصادية الغربية على سورية، مثل "قانون قيصر" الأميركي والعقوبات الأوروبية التي زادت من تعقيد العمليات الاستثمارية، وحدّت من قدرة الشركات الصينية على العمل بحرية. ولعل العامل الأبرز هو ضعف البنية التحتية والاقتصاد السوري وهشاشة المؤسسات الاقتصادية السيادية في سورية، ما يجعل من الصعب تحقيق عوائد استثمارية مغرية للشركات الأجنبية، وأخيراً الهيمنة الروسية والإيرانية على الاقتصاد السوري التي قيدت فرص الشركات الصينية لتوسيع نفوذها في السوق السورية.
وعلى الرغم من التحدّيات السياسية والاقتصادية، واصلت الصين دعمها النظام السوري الذي انضم رسميّاً إلى مبادرة الحزام والطريق، التي بشرت بزيادة الاستثمارات الصينية في مشاريع إعادة الإعمار والبنية التحتية في 2022، العام الذي اندلعت فيه الحرب الروسية الأوكرانية. تلك الحرب التي أسهمت في تعزيز الرؤى التي تشير إلى أفول النظام الدولي آحادي القطب الذي تقوده الولايات المتحدة، وصعود الصين قوة عالمية منافسة. وجاء هذا الصعود في سياق تقارب استراتيجي محتمل مع دول مثل روسيا، وإيران، وكوريا الشمالية، وربما انضمام دول أخرى إلى هذا التحالف الناشئ. في هذا الإطار، زار الرئيس المخلوع بشار الأسد الصين عام 2023، حيث جرى توقيع اتفاقيات التعاون في مجالات الاتصالات والطاقة الشمسية. لكن هذه الاتفاقيات بقيت حبراً على ورق، من دون خطوات تنفيذية ملموسة. واليوم، بعد سقوط النظام السوري وسيطرة فصائل سورية مسلحة على أجزاء كبيرة من سورية، مع الإشارة إلى أن بين هذه الفصائل يبرز مقاتلو الأيغور المنتمون إلى هيئة تحرير الشام، والذين تعتبرهم الصين تهديداً مباشراً لأمنها القومي في حال عودتهم إلى إقليم شينجيانغ.
بالمقارنة مع مواقف الدول الغربية، تبدو استجابة الصين للأزمة السورية متحفظة، وغير متسقة مع طموحها المُعلن في أن تكون قوة دولية فاعلة في النظام العالمي
بالمقارنة مع مواقف الدول الغربية، تبدو استجابة الصين للأزمة السورية متحفظة، وغير متسقة مع طموحها المُعلن في أن تكون قوة دولية فاعلة في النظام العالمي، فقد دعا وزير الخارجية الصيني وانغ يي إلى حل سياسي للأزمة السورية، مشدّداً على ضرورة احترام سيادة سورية ووحدة أراضيها، وتنفيذ قرار مجلس الأمن 2254. وقال الوزير إن العملية السياسية يجب أن تكون بقيادة سورية ومن خلال حوار شامل يلبي تطلعات الشعب. ومع التحولات السياسية المحتملة في سورية، يبرز السؤال: كيف ستتعامل الصين مع الإدارة السياسية الجديدة؟ هل ستستمر في رؤية سورية منصة استثمارية واعدة ضمن مبادرة "الحزام والطريق"؟ أم أن البلاد ستتحول إلى ساحة منافسة اقتصادية مع الغرب في ملفات إعادة الإعمار والطاقة؟.
تتزامن هذه التساؤلات مع توقف صادرات الغاز الطبيعي الروسية عبر خطوط الأنابيب المارّة بأوكرانيا، ما يدفع الولايات المتحدة إلى تسريع تنفيذ مشروع "الممر الهندي الشرق أوسطي" الذي يربط الهند بالخليج العربي، ومن ثم بأوروبا، في خطوة تراها الصين تقييداً لمبادرتها "الحزام والطريق". وفي ظلّ هذه التطورات، يبقى الدور المستقبلي للصين في سورية رهناً بالتحولات السياسية. هل ستفرض القيادة السورية الجديدة "فيتو" على مشاركة الصين في مشاريع إعادة الإعمار؟ أم ستُفتح صفحة جديدة من التعاون بين الطرفين قائمة على المصالح المشتركة؟ تفيد المعطيات بأن الإدارة السياسية الجديدة في سورية قد تتبنى نهجاً يهدف إلى "تصفير المشكلات" مع القوى الدولية بحثاً عن الدعم اللازم لإعادة الإعمار والابتعاد عن التجاذبات الإقليمية والدولية. وعليه، يبقى الدور الصيني في سورية مرهوناً بقدرتها على التكيف مع واقع جديد، قد يشهد تغييرات جذرية في الخريطة السياسية والاقتصادية لسورية على نحو قد يسهم في إعادة تشكيل موازين القوى في الإقليم.