الرئيسة \  تقارير  \  استراتيجيات العمل في المرحلة الحالية .. توحيد المعارضة السورية في سياق متغير

استراتيجيات العمل في المرحلة الحالية .. توحيد المعارضة السورية في سياق متغير

24.11.2024
إبراهيم الزبيبي



استراتيجيات العمل في المرحلة الحالية .. توحيد المعارضة السورية في سياق متغير
إبراهيم الزبيبي
سوريا تي في
السبت 23/11/2024
منذ انطلاق الثورة السورية في عام 2011، دخلت البلاد في مسار دموي ومعقد، تسببت فيه قوى محلية وإقليمية ودولية. الحرب لا تزال مستمرة، والنظام السوري، مدعومًا من روسيا وإيران، يواصل تدمير سوريا وسحق السوريين.
في هذه البيئة، تزداد تحديات المعارضة السورية في توحيد صفوفها وتبني استراتيجيات فعالة للوصول إلى أهدافها في التغيير السياسي. من هنا، تبقى مسألة توحيد المعارضة السورية، سواء على مستوى الفصائل العسكرية أو السياسية أو المدنية، ضرورة ملحة.
في السنوات الطويلة الأخيرة، تعيش المعارضة السورية حالة من التشرذم الداخلي، تهيمن عليها الانقسامات العسكرية والسياسية، مما جعل تأثيرها على الساحة الدولية محدودًا، وأدى إلى فشلها في تقديم بديل سياسي موحد يوافق تطلعات الشعب السوري في الحرية والعدالة.
ومع انعدام الآفاق السياسية بسبب تعقد الصراع وتعدد أطرافه، والأهم من ذلك غياب الرغبة الدولية، تظل هناك فرص عديدة للعمل والتغيير إن تم استغلالها بعناية، ولا بد من العمل عليها والمحاولة.
توحيد الفصائل العسكرية والسياسية: ضرورة بناء تنسيق حقيقي
تستمر الفرقة داخل صفوف المعارضة السورية بين مختلف الفصائل، سواء العسكرية أو السياسية. فقد كشفت العديد من التقارير الميدانية والدراسات الاستراتيجية أنه على الرغم من بعض محاولات التنسيق بين الفصائل العسكرية المستمرة من وقت لآخر، إلا أن التنسيق العملي والتكتيكي بين هذه الفصائل ما يزال محدودًا جدًا، وفي معظم الحالات لا يتجاوز التنسيق العمليات العسكرية في جبهات معينة ولفترات مؤقتة.
أما على الصعيد السياسي، فتواجه المعارضة السورية تحديات كبيرة بسبب التباين الداخلي بين فصائلها السياسية، وهو ما يعكس استقطابًا عميقًا بين القوى المختلفة.
في الوقت نفسه، يتم تعزيزه من خلال التدخلات الإقليمية التي تسعى كل دولة فيها إلى فرض نفوذها ودعم الفصائل أو التيارات المتوافقة مع مصالحها.
في هذا السياق، لا بد أن تبدأ المعارضة بوضع استراتيجية لتوحيد الصفوف، تبدأ أولًا بإعادة هيكلة المؤسسات السياسية. يجب أن يتم هذا التحول من خلال عملية إصلاح سياسي داخلي تهدف إلى تقليص النفوذ الخارجي الفائض داخل المؤسسات المعارضة، مع ضمان مساحة أكبر للأصوات المحلية المستقلة والفعاليات المدنية التي تستطيع تمثيل السوريين بشكل حقيقي.
أما بالنسبة للفصائل العسكرية، فيجب أن يتم العمل على تمكين وزارة الدفاع وتفعيلها كونها الجامع الرئيس المنظم، بحيث تمارس صلاحياتها كاملة، وتضم الفصائل بشكل فعلي وحقيقي. يجب أن يتم ذلك عبر تنسيق استراتيجي محكم بغية خلق قوة عسكرية موحدة قادرة على توجيه ضغوط ميدانية مؤثرة على النظام السوري.
يجب على المعارضة أن تسعى لتطوير آلية ضغط دبلوماسي على تركيا ودول الخليج لزيادة تفعيل الضغط على النظام السوري وإيقاف عمليات التطبيع المجاني ومحاولات إعادة تعويم النظام.
ضرورة تطوير مشروع سياسي موحد
في ظل غياب مشروع سياسي شامل يعكس تطلعات الشعب السوري، تزداد عزلة المعارضة عن الجماهير. علمًا أن لديها حراكًا مستمرًا منذ عامين تقريبًا لتعزيز التواصل والتفاعل مع الشارع السوري من خلال زيارات مستمرة ودورية للمنطقة المحررة وضمان عدم الانقطاع، لكنها غالبًا ما تعاني من مشكلة غياب الوحدة السياسية أو بعض الخلافات بين أجهزتها.
ووفقًا لتقرير المركز السوري للعدالة والمساءلة (2022)، فإن "76% من السوريين في مناطق المعارضة لا يثقون في القوى السياسية المعارضة القائمة، نتيجة غياب الشفافية والتخبط في المواقف السياسية".
الفرصة الرئيسية هنا تكمن في العمل على إعادة صياغة رؤية سياسية موحدة تكون أكثر تمثيلًا للشعب السوري، بالإضافة إلى مشاركة المجتمع المدني. يجب أن تركز هذه الرؤية على الديمقراطية والعدالة الاجتماعية من خلال مشاركة أوسع للفاعلين السوريين في صناعة الرؤية وبلورتها.
الضغط على القوى الدولية.. مواجهة سياسة الازدواجية
السياسة الدولية تجاه سوريا تظل شديدة التعقيد، حيث تتنافس القوى الكبرى على مصالحها في سوريا، بينما تستمر في دعم النظام السوري أو تفضيل حلول سياسية غير جذرية. فبعد عام 2022، شهدت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بعض التقلبات في سياساتهما، مثل الانفتاح الجزئي على النظام السوري وتجاهل العديد من التحولات الإقليمية والعلاقات العربية التطبيعية مع النظام.
يمكن العمل على إيجاد فرص للتأثير على المجتمع الدولي من خلال زيادة الضغط وتعزيز التواصل. حيث يتعين على المعارضة السورية زيادة الضغط على الاتحاد الأوروبي لتغيير سياساته، خصوصًا فيما يتعلق بدعمه للسياسات الغربية تجاه نظام الأسد، والتأكيد على ضرورة إعادة تفعيل مسار الحل السياسي وعدم السماح أو القبول بعمليات التطبيع مع النظام أو إعادة التواصل معه.
إضافة إلى التحرك على مستوى دول الجوار، يجب على المعارضة أن تسعى لتطوير آلية ضغط دبلوماسي على تركيا ودول الخليج لزيادة تفعيل الضغط على النظام السوري من خلال العقوبات الاقتصادية، والترويج لمشاريع اقتصادية تعزز الاستقرار في المناطق المحررة، وإيقاف عمليات التطبيع المجاني ومحاولات إعادة تعويم النظام.
إن الطريق نحو توحيد المعارضة السورية وتحقيق حل سياسي مستدام يتطلب جهدًا مستمرًا واستراتيجية مرنة تراعي الظروف المحلية والدولية المتغيرة.
العمل على التنمية المحلية وتحسين الأوضاع الإنسانية
في ظل تعثر المسار السياسي، تبقى مسألة تحسين الظروف الإنسانية في مناطق المعارضة ضرورة ملحة. وفقًا لتقرير مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) لعام 2023، يعاني 6.7 ملايين سوري من النزوح الداخلي، بالإضافة إلى معاناة 13 مليون سوري من نقص في المواد الغذائية الأساسية.
الفرص للتنمية المستدامة:
تنمية اقتصادية محلية: في مناطق الشمال السوري وإدلب، يمكن العمل على مشاريع تنموية صغيرة وتعزيز عمل صندوق الائتمان وتوسيع المشاريع التي يمكن أن يشملها تمويله، لتحسين الأوضاع الاقتصادية. يجب أن تركز هذه المشاريع على الزراعة والبنية التحتية المحلية والتعليم، لتوفير فرص العمل وتحقيق مستوى معقول من الاستقرار في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة.
دعم مشروعات إعادة الإعمار: على الرغم من الظروف الصعبة، هناك فرص لتعزيز الدعم الدولي في مشاريع إعادة الإعمار الصغيرة والمتوسطة، التي يمكن أن تساعد في تحسين مستوى معيشة المدنيين، وتعمل على إعادة بناء الثقة بين السكان المحليين وأجهزة المعارضة والمجتمع الدولي.
التمسك بالعدالة الانتقالية
تظل العدالة الانتقالية واحدة من أبرز النقاط التي يجب على المعارضة السورية التركيز عليها والتمسك بها لضمان حقوق الضحايا والمطالبة بالمحاسبة، كونها جزءًا أساسيًا من أي عملية تحول سياسي في مرحلة ما بعد الصراع. وتحقيق العدالة في سوريا يمكن أن يتخذ أشكالًا متعددة من خلال المحاكم الدولية أو المحلية أو آليات غير قضائية مثل التحقيقات المستقلة والتوثيق.
آليات تحقيق العدالة الانتقالية:
إنشاء محاكم دولية مختصة: تشكيل محكمة خاصة بسوريا تحت إشراف الأمم المتحدة أو بموافقة مجلس الأمن، لمحاسبة المسؤولين السوريين عن الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب.
تعزيز عمل لجان التحقيق المستقلة: تمكين عمل لجنة التحقيق الدولية المستقلة التي أنشأها مجلس حقوق الإنسان منذ العام 2011.
آلية شاملة للتوثيق: إعداد قاعدة بيانات موثوقة تتيح توثيق جميع الانتهاكات التي وقعت خلال النزاع.
آليات العدالة الاجتماعية: تشمل تقديم تعويضات للضحايا من خلال صندوق دولي يديره المجتمع الدولي، وإعادة التأهيل النفسي للضحايا.
الطريق نحو وحدة المعارضة يتطلب استراتيجية مرنة
إن الطريق نحو توحيد المعارضة السورية وتحقيق حل سياسي مستدام يتطلب جهدًا مستمرًا واستراتيجية مرنة تراعي الظروف المحلية والدولية المتغيرة. لا بد أن تعمل المعارضة على إعادة ترتيب أوراقها، وتحسين التنسيق الداخلي فيما بينها، وتعزيز التواصل مع القوى الدولية وإيجاد المصالح المشتركة معها والبناء عليها، والعمل الجاد على تحسين الأوضاع الإنسانية والحوكمية المؤسساتية في سوريا