الرئيسة \  مشاركات  \  الأخوان داعش وبشار وأكذوبة الأولوية

الأخوان داعش وبشار وأكذوبة الأولوية

20.08.2016
د. محمد أحمد الزعبي





قبل أن يظهر تنظيم داعش في سوريا عام 2013/2014 كانت الصورة الفوتوغرافية للوضع السياسي في سوريا مع بداية ثورة آذار 2011 تشير ، بصورة أساسية إلى مايلي :
الثورة السورية التي انطلقت من درعا ( 18.03.2011 ) ثم عمت كافة أرجاء سوريا من أقصاها إلى أقصاها كانت تمثل مايصل إلى 80٪ - حسب تقديرنا الخاص - من الشعب السوري ، بينما كان حجم نظام الوراثة الطائفي السوري بجيشه العقائدي ، وأجهزته الأمنية المتعددة و أتباعه ومريديه من اليمين واليسار ، لا يزيد على الـ 20 ٪ ، وهنا حسب تقديرنا الخاص أيضاً . وفي صورة توضيحية لهذه النسب المئوية التي أوردنا ها أعلاه نقول : إن لكل من ثورة آذار2011 ، ونظام 1970 الأسدي ، عمودا فقرياً مكسواً بمجاميع اجتماعية مختلفة ومتفاوتة الوزن والشكل والحجم والمضمون من مكونات الشعب السوري ، أما العمود الفقري لثورة آذار ٢٠١١ فهم " العرب السنة " ، بينما يتكون العمود الفقري للنظام من " الطائفة العلوية " بصورة أساسية . وإذا افترضنا أن الجزء الذي يقف مع النظام من الطائفة العلوية ( العمود الفقري للنظام ) يدور حول 8-9٪ ،من الشعب السوري ، فإن باقي ال 20٪ الموالية للنظام ، إنما تنتمي إلى باقي مكونات الشعب السوري ، الأكثرية منها والأقلية .
تكمن الإشكالية هنا ، في كون الأكثرية المشار إليها أعلاه ( 80٪) هي أكثرية " عزلاء " ، في حين أن الأقلية ( 20٪ ) مدججة بالسلاح ، من بندقية كلاشنكوف وحتى طائرةالميغ ٢٩ مروراً بكل أنواع الدبابات والمدفعية ، الأمر الذي معه فتح عيون وجيوب بعض قادة الثورة على الدول الخارجية من أجل التزوّد بالسلاح والمال الضروريين لاستمرار المواجهة مع النظام ، ومن هنا بدأ تحول الثورة عن مسارها وأهدافها المعلنة في ( استعادة الحرية والكرامة عبر إسقاط النظام ) ، وتحولت الثورة بالتالي من أداة للتغيير الديموقراطي الشامل في سوريا ، إلى إ قطاعات شبه عسكرية ، يديرها أشخاص تركز همهم على جمع المال والسلاح ، واللعب مع القريب والبعيد بل ومع النظام نفسه لعبة الظاهر والباطن ، لعبة المقول والمسكوت عنه ، وبالتالي لعبة تنفيذ طلبات ورغبات مزوّد ي هذه الإقطاعات / القطعات ( الثورية !! ) بالمال والسلاح ، السلاح الذي باتوا يوجهونه - ومع الأسف الشديد - إلى صدور بعضهم بعضاً ، ناسين أو متناسين السبب الأساسي الذي قامت من أجله الثورة ومن أجله وجد هذا السلاح ، ألا وهو استعادة الحرية والكرامة ، اللتين يصادرهما نظام عائلة الأسد ، منذ أكثر من نصف قرن ، إلى الشعب الذي هم أبناؤه والذي ثاروا هم أصلاً ( إن كانوا مايزالوا يذكرون أو يتذكرون ) من أجل حريته وكرامته .
إن تلك الأخطاء التي أشرنا إليها أعلاه ، لا تلغي ، حتى ولو بلغت حد الخطايا ، أن هؤلاء المخطئين هم أبناء ثورة آذار المجيدة ، وأنهم إن لم يستطيعوا إسقاط النظام اليوم ( بسبب أخطائهم ) ، فسوف يسقطونه بالتأكيد غداً ( بعد تصحيح هذه الأخطاء ) ، وستكون سوريا بهذا أول بلد عربي ظل مصرا على دوره التحرري وعلى أهدافه الوطنية والقومية كجزء لايتجزأ من ثورات الربيع العربي . ولكي لا يحدث مثل هذا الاختراق السوري للمخططات الإمبريالية ، عمدت هذه الأخيرة التي تقودها في ظل النظام العالمي الجديد الولايات المتحدة الأمريكية ، إلى تكوين منظمة داعش كيما توظفها في خدمة مخططاتها في الوطن العربي عامة وفي سورية والعراق خاصة ،ولاسيما أن مثل هذا التنظيم الطائفي ، يجيء ظاهرياً كرد سني ( يبدو منطقياً ومطلوباً )على التدخل الشيعي الإيراني المكشوف والمفضوح في العراق وسورية .
 لقد كان على مايبدو أن ما سمعته هذه الليلة ( الأربعاء 17.08.2016 )على لسان الخبير الأمريكي المختص بالشأن السوري الذي كان يشارك في برنامج " ما وراء الخبر " في فضائية الجزيرة ،إنما يدخل في إطار اللعب بورقة هذه الأولوية بين داعش والأسد ، وذلك حين بررالسيد الخبير التقاعس الأمريكي في دعم المعارضة السورية ، والوقوف في وجه الاحتلال الروسي لسوريا ، بأكذوبة " الأولوية " ، مشيراً إلى أن أمريكا قد عرضت على المعارضة دعمها بالسلاح ، ولكن بشرط البدء بقتال داعش وبعد الانتهاء من داعشيمكن متابعة القتال ضد بشار الأسد حتى رحيله ، ولكن المعارضة أصرت على أن تكون الأولوية لقتال بشار ومن بعده داعش ، وهنا بدأت الإشكالية المتعلقة بموقف الولايات المتحدة الأمريكية من ثورة آذار 2011 السورية . تذكرت وأنا أستمع إلى تبريرات هذا الخبير لموقف الولايات المتحدة الأمريكية من الثورة السورية ، المثل لعربي القائل " يكاد المريب يقول خذوني " .
هذا وعرفت بل وتأكدت من جهتي بعد أن سمعت ما سمعت ورأيت مارأيت عن الموقف الأمريكي من ثورة آذار 2011 ، وكنت أعرف قبلاً ، مواقف كل من الموك وروسيا وتركيا وإيران من مسألة هذه الأولوية ، أقول عرفت بل تأكدت أن أمريكا وحلفاءها الدوليين هم من أوجد هذا السرطان الخبيث في جسم أمتنا العربية ، والذي يحتاج القضاء عليه حسب قول الرئيس أوباما نفسه إلى عدة عقود (!!) . إن هذه الـ " عدة عقود " هي واقع الحال ماتحتاج إليه الإمبريالية العالمية للقضاء على الربيع العربي ، وليس للقضاء على داعش . ويدخل في إطار لعبة الأولوية هذه – على مانرى – السكوت الأمريكي على التدخل الروسي في سوريا والزيارات المتكررة لوزير خارجية أمريكا إلى موسكو وتبادل الابتسامات ذات المغزى مع وزير خارجيتها .
إن ما يرغب الكاتب أن يقوله للجميع هنا ، وحول أكذوبة مسألة الأولوية بين الأخوين داعش و الأسد اللذين ينطبق عليهما المثل الشعبي ( شهاب الدين أضرط من أخيه ) هو تذكيرهم بقول أحد الشعراء :
 لاتقطعن ذنب الأفعى وتتركها إن كنت شهما فأتبع رأسها الذنبا .
إن مانطالب " الجميع " به اليوم ، ومن بينهم أمريكا ، هو أن يكونوا ذلك " الشهم " .