الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الأسد باقٍ والطغاة زائلون!

الأسد باقٍ والطغاة زائلون!

17.01.2017
علي الرز


العربية نت
الاثنين 16/1/2017
في لقاءٍ جَمَعَهُ بأهالي جوبر أول أيام الثورة السورية، قال بشار الأسد رداً على سؤالٍ عن عدم محاسبة العميد عاطف نجيب (ابن خالته) الذي سَحَبَ أظافر أطفال درعا مرتكبي جرم الكتابة على جدارِ مدرسةٍ، إن سورية دولة مؤسسات، والسلطة لا تتدخّل في عمل القضاء، وطالما أن أحداً ممن سُحبت أظافره لم يتقدّم بشكوى ضدّه، فكيف يمكن للقضاء اتخاذ إجراءٍ بحقه؟
وفي لقاءٍ قبل أيام جمعه بوسائل إعلام فرنسية، قال بشار إن كل شيء مطروح للنقاش في مفاوضات الآستانة إلا مصيره لأنه منتخَب شعبياً ودستورياً وقانونياً... بشار باقٍ لأن سورية في عهده هي دولة مؤسسات ونظام ديمقراطي، وسورية في زمن الثورة دولة فوضى وديكتاتورية تَجْنَحُ إلى الطغيان في مواجهة الحريات والتحضّر.
الطفل حمزة الخطيب مثلاً، ابن الأعوام الـ 13 الذي استهوتْه حركة أطفال درعا وتَضامَن معهم على طريقته هاتفاً في بداية الثورة لإصلاح النظام ومطالباً بمزيد من الحريات (هكذا كان سقف المَطالِب)، كان بمنطقِ النظام وحلفائه مشروع ثائرٍ قد يكبر و"يطغى" عليه الجنوح في رفْض تَسلُّم حافظ بشار الأسد مثلاً السلطة خلفاً لوالده، وهذا الطغيان مرفوضٌ في عقيدة السيد والعبد، ومالك المزرعة ومُزارعيها، ولذلك أُقصي بأبشع الطرق وأعيد إلى أهله جثة بلا أعضاء. أكد النظام فعلته ولم ينفها، كي يتّعظ الأطفال "الطغاة" مما حصل ويعرفوا مصيرهم طالما أن العالم الحرّ يدعم الديمقراطيين في كل ممارساتهم ضد الطغاة.
كذلك الأمر بالنسبة إلى غياث مطر، فهذا الشاب رفض استجداء السلطة للمتظاهرين بحمْل السلاح في الأشهر الأولى من الثورة (راجِعوا تصريحات فاروق الشرع) وأصرّ على حمْل الورود والمياه وتوزيعها على الجنود. "طغى" جنوح غياث إلى السلمية على أدائه وأعطى صورة مغايرة تماماً عن النظام، فووجه بالقتل والتشويه وسرقة الأعضاء. هنا النظام لا يرحم الطغاة ويحصد باضطراره إلى إزالتهم تصفيق العالم الحرّ... الديمقراطي.
إبراهيم القاشوش "طغتْ" روحه الفنية الساخرة على قدراته التعبيرية، فأَنشد داعياً الرئيس إلى الرحيل. وهو في عُرف الأسد طغيانٌ ما بعده طغيان، والتاريخ لا يرحم المستكين للطغاة. ولذلك أمَرَ بقطْع حنجرته ورميه في نهر العاصي كي يجرف معه العظة والدروس إلى كل عاصٍ في القرى المجاورة. ولم يخرج صوتٌ أجنبي يستنكر إلا المذيعة باربرا وولترز التي سألتْ بشار عنه، فكان ردّه مفحماً كالعادة: لا أعرفه، إنه شخص غير مشهور.
لكن المعارض الكردي البارز مشعل تمو كان مشهوراً ومحبوباً من كل السوريين لأنه رفض مبكراً لعبة النظام بتفكيك المناطق والتكتلات واللعب على الغرائز العصبية والقومية وأطلق شعاره "يداً بيد لنتحرّر من السجن الكبير". هو أيضاً "طغتْ" روحه الوحْدوية الوطنية على الشعارات التافهة التي أطلقها متحمّسون بسطاء أو منتقمون أو مندسّو النظام، فكان لابدّ من إزالة طغيانه لمصلحة التفكك واللعب بورقة القوميات... والغرب الديمقراطي يصمتْ كي لا يلبس القميص الكردي الموزَّع بين الجغرافيا والمصالح.
أما أمّ الكبائر فكانت انشقاق حسين هرموش من الجيش رافضاً قتْل السوريين المتظاهرين سلمياً. "طغى" الشعور الوطني الإنساني لدى الرجل على خوفه من المؤسسة التي كانت مَصْنَع الخوف. خرجَ عارفاً أنه اشترى الآخرة وباع الدنيا الغارقة في قذارةِ صاحب المَصْنَع وشركائه. سلّمه الأمن التركي إلى النظام بعدما كان الأخير سحَقَ العشرات من أفراد أسرته الذين مارسوا فعل الطغيان اللا إرادي كونهم أهله وأقرباءه.
توسّعتْ خريطة الطغاة بعد ذلك. الصمت على حمزة وغياث وإبراهيم ومشعل وحسين وغيرهم الكثير، أَنْجَبَ مجازر الغوطة وكرم الزيتون وداريا ودوما والحولة والقبير وبابا عمرو وبانياس والبيضا وحماة وحلب وتفتناز وبنش ومعرة النعمان... أما "الطغاة" الناجون من ديمقراطية الأسد، فأكملتْ بحور الهلاك وحيتانها مهمّة التخلّص منهم.
أَنْجَبَتْ حرب الأسد وحلفائه على "الطغاة" أيضاً أبناء غير شرعيين للثورة السورية، وقد يكشف انجلاء غبار الموت لاحقاً عن الحبل السري الرابط للتنظيمات المتطرّفة والمرتبط بهم. عن الرحم الذي تكوّنوا فيه. عن ظلمات السجون التي أُخرجوا منها والتسهيلات الشرعية التي مُنحت لهم لاستقطاب الآلاف الذين أكملوا المهمّة وطهّروا المناطق المحررة ممّن بقي من "الطغاة".
اختفتْ أسماء المدن والمناطق وتَقدّمتْ أسماء المجازر. رسَمَ الأسد وحلفاؤه سورية أخرى بمدنٍ وقرى أخرى وسكان آخرين حتى تَجاوز عدد "الطغاة" الذين سقطوا المليون بين قتيلٍ وجريح، والذين هاجروا الخمسة ملايين، والعالم الحرّ يريد أن يتدخّل لكن بعض دوله تفضّل فعْل ذلك العام 2021 موعد انتهاء فترة رئاسة الأسد "المنتخَب دستورياً"، وبعضه الآخر ما زال حتى الآن ينتظر طفلاً من درعا سُحبت أظافره كي يتقدّم ويرفع دعوى قضائية ضدّ عاطف نجيب... حتى تأخذ العدالة في دولة القانون والمؤسسات مجراها.