الرئيسة \  تقارير  \  الأشد منذ 20 عاما.. تفاصيل حملة إسرائيل على "عرين الأسود" فجر الثلاثاء

الأشد منذ 20 عاما.. تفاصيل حملة إسرائيل على "عرين الأسود" فجر الثلاثاء

26.10.2022
عاطف دغلس

Untitled 1

الأشد منذ 20 عاما.. تفاصيل حملة إسرائيل على "عرين الأسود" فجر الثلاثاء

عاطف دغلس                       

الجزيرة

الثلاثاء 25/10/2022

نابلس- الزمان بُعيد منتصف الليل بقليل، أما المكان فهو حارة الياسمينة و"حوش العطعوط" خاصة في قلب البلدة القديمة لمدينة نابلس شمال الضفة الغربية، والهدف الإسرائيلي الوصول إلى مقاومين في مجموعات "عرين الأسود".

كان هذا ملخصا عاما لما حدث بمدينة نابلس في الساعات الأولى من فجر اليوم الثلاثاء، والذي خلف 5 شهداء، بينهم وديع الحوح القيادي البارز في مجموعات "عرين الأسود" المقاومة، إلى جانب الشبان حمدي شرف وعلي عنتر وحمدي القيّم، بينما أُعلن صباحا استشهاد أحد عناصر "العرين" أيضا وهو مشعل بغدادي، متأثرا بجروح حرجة أصيب بها في الاشتباك مع الاحتلال الإسرائيلي.

ومن محاور عدة اقتحمت قوات خاصة إسرائيلية البلدة القديمة في نابلس بعد منتصف الليلة الماضية، كان أبرزها حي "رأس العين" في شرق البلدة، وهناك استشهد الشاب حمدي القيم (35 عاما).

ومن ثم جاء الاقتحام الآخر للقوات الخاصة إلى "حارة الياسمينة"، وسط البلدة القديمة تقريبا، حيث اكتشف أمر تسللها بواسطة عناصر من الأمن الفلسطيني، ليقع اشتباكا مسلحا بين الطرفين أدى إلى إصابة عدد من العناصر الأمنية.

لحظة الاشتباك

وكان اكتشاف القوات الخاصة في سوق البصل، قرب حارة الياسمينة، جرس إنذار لمجموعات المقاومة، لا سيما بعد استشهاد الشابين حمدي شرف وعلي عنتر في بداية تسلل الجنود الإسرائيليين، ليتتبع المقاومون بدورهم جنود الاحتلال ويواجهونهم بإطلاق النار المباشر ومحاصرتهم في المكان، وبالتحديد بالقرب من "حوش العطعوط" حيث وقعت الاشتباكات الأشد منذ الاجتياح الإسرائيلي للمدينة إبان الانتفاضة الثانية عام 2002.

وعلى إثر ذلك، دفع جيش الاحتلال بقوات إضافية من جنوده إلى البلدة القديمة، تحت غطاء كثيف من النيران من النقاط العسكرية الإسرائيلية المحيطة بمدينة نابلس والجاثمة فوق جبليها (جرزيم وعيبال) وباتجاه منطقة دوار الشهداء وسط نابلس وحارة الياسمينة.

يقول أحد شهود العيان -للجزيرة نت- إن الاحتلال أطلق إلى جانب الرصاص الكثيف "الصواريخ المضادة للدروع" باتجاه منزل تحصّن به عدد من المقاومين، وهو ما أكده الإعلام العبري أيضا ومشهد الدمار الذي خلَّفه جيش الاحتلال في المنطقة المستهدفة.

ويضيف شاهد العيان أن الاشتباكات كانت تشتد من ساعة لأخرى، واستمرت حتى الثالثة فجرا، ومع كل صلية رصاص كانت تتناقل مواقع التواصل الاجتماعي رسائل المقاومين وبيان "عرين الأسود" حول تصديهم لجيش الاحتلال ودعوتهم لمؤازرة المقاومة ونصرتها، ليندفع عشرات الشبان إلى التدفق على البلدة القديمة رغم انتشار القناصة والوحدات الخاصة الإسرائيلية والاشتباكات العنيفة.

روايات المسعفين

ويقول أحمد جبريل مدير الإسعاف والطوارئ في جمعية الهلال بنابلس -في حديثه للجزيرة نت- إن هول العملية العسكرية كان واضحا من عدد الإصابات الكبير الذي بلغ 33 جريحا بالرصاص الحي، إضافة إلى إصابتين بحروق.

وحسب المسؤول الطبي، أعاقت قوات الاحتلال وصول طاقم الإسعاف لنقل المصابين خلال العملية العسكرية.

وهو أيضا ما أكده ضابط الإسعاف جرير قناديلو الذي أضاف -للجزيرة نت- أن معظم الإصابات كانت في المناطق العلوية من الجسد وأن بعضهم (5 أو 6 مصابين) وصُفت جروحهم بالخطرة.

وروى قناديلو نقله جثمان أحد الشهداء وهو محترق بالكامل، وقال "وصلت إلى منطقة رأس العين لإسعاف المصابين فوجدت الشهيد حمدي القيِّم متفحما وملقى على الأرض بعد احتراق سيارة.. يبدو أن الاستهداف هنا كان كبيرا".

ومن داخل البلدة القديمة التي شهدت استنفارا كبيرا بين صفوف المقاومين ومئات الشبان المساندين على حد السواء، إلى مستشفيات المدينة لا سيما مستشفيي "رفيديا" الحكومي و"العربي التخصصي"، انتقل الحدث عقب انسحاب قوات الاحتلال، بعد نقل الجرحى الذين انتشل بعضهم من تحت الأنقاض.

وعلى مدى أكثر من ساعة، تضاربت الأنباء حول مصير عدد من المقاومين، وخاصة المتعلقة باستشهاد وديع الحوح، القائد البارز في "عرين الأسود"، فكأن أحدا لم يصدق اغتياله، إذ ملأت التكبيرات المكان وعمّ صدى رصاص المقاومين المدينة كاملة، بينما نعت مآذن المساجد الشهداء وأعلنت الاضراب الشامل.

وإسرائيليا، وصفت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية عملية الليلة العسكرية بـ"غير المسبوقة"، وذكرت أن قوات كبيرة من جيش الاحتلال ووحداته الخاصة، ومنها "اليمام" (وحدة خاصة بالاغتيالات) حاصرت مبنى في بلدة نابلس القديمة استُخدم كمختبر لتصنيع المتفجرات لجماعة "عرين الأسود".

اغتيالات بأشكال مختلفة

ذكر بيان لجيش الاحتلال الإسرائيلي بعد عدوانه على نابلس الليلة وفجر اليوم الثلاثاء أنه "لا مخابئ آمنة في أي مكان بالضفة الغربية".

وجاء اغتيال الاحتلال لوديع الحوح (31 عاما)، أبرز قادة "عرين الأسود"، بعد يومين من اغتيال أحد ناشطي المجموعة المركزيين وهو تامر الكيلاني، فجر الأحد، بعبوة ناسفة شديدة الانفجار.

وهو ما جعل عددا من المعلقين السياسيين يذهبون إلى الاعتقاد بأن الاحتلال قرر اتباع طريقة جديدة في استهدافه المقاومين من "العرين" تحديدا، بسبب عدم قدرته على شن عملية عسكرية مباشرة وطويلة الأمد في البلدة القديمة بنابلس.

ويقول الباحث الفلسطيني في الشأن الإسرائيلي ياسر مناع إن الاحتلال سيمضي في سياسة الاغتيالات لإنهاء ظاهرة "عرين الأسود"، لكن يبدو أن هذه السياسة ستنفذ بطرق مختلفة وقد يكون منها "عبر الطائرات المسيّرة"، أو إطلاق الصواريخ الموجّهة، أو تفجير العبوات عن بُعد، أو بالتصفية المباشرة عبر الاقتحام السريع.

ويضيف مناع للجزيرة نت "لا يوجد شكل محدد للعمل الإسرائيلي، ولكل هدف طريقة، إذ يحاول الاحتلال أن يثبت دوما قدرته على الوصول إلى أي مكان بداخل المدن الفلسطينية".

ولم يستبعد مناع وقوع إصابات في صفوف الاحتلال خلال عمليته بمدينة نابلس، وهو الأمر الذي لم يؤكده ولم ينفه بيان جيش الاحتلال حول عدوانه فجر الثلاثاء. وهذه العملية، وفق مناع، ستصبّ وتوظّف لخدمة الانتخابات القريبة في إسرائيل.

من ناحيته، يقول مدير "مركز القدس للدراسات الإسرائيلية" عماد أبو عواد إن إسرائيل باغتيالها للشهيد الكيلاني بعبوة ناسفة قبل يومين لم تسقط من أجندتها الوسائل الأخرى في استهداف المقاومين الفلسطينيين.

وقال أبو عواد -للجزيرة نت- إن ما حدث بنابلس كان عملية عسكرية سريعة وخاطفة كما أرادها الاحتلال ولهدف محدد، "لكن اكتشاف أمر قواته الخاصة من المقاومين المسلحين بسبب تحصنهم ووجودهم داخل البلدة القديمة أدى إلى تفاقم العملية ووقوع اشتباكات شديدة".

وأضاف أبو عواد إن إسرائيل ستمضي في اقتحاماتها "المحدودة" في الأيام القادمة، وبأشكال مختلفة سواء بالاغتيال المباشر أو غيره.

اشتباكات وإضراب

وفي الميدان وخلال اشتباك المقاومين مع جنود الاحتلال بمدينة نابلس، نفذ مقاومون من "كتيبة جنين" (مجموعات مقاومة في جنين شمال الضفة) عمليات إطلاق باتجاه حاجز الجلمة شمال المدينة.

بينما اشتبك فلسطينيون آخرون مع جيش الاحتلال عند حاجز قلنديا شمال القدس المحتلة، واندلعت مواجهات عنيفة بقرية النبي صالح شمال غربي رام الله حيث استشهد الشاب قصي التميمي (20 عاما).

وأُعلن الاضراب الشامل بمحافظة نابلس لكنه امتد ليشمل مناطق واسعة بالضفة الغربية، بينما أعلنت جامعتا "النجاح" بنابلس و"بيرزيت" في رام الله تعطيل الدراسة، ودعت بيانات للكتل الطلابية إلى الاشتباك مع الاحتلال ردا على اغتيال المقاومين وتضامنا مع نابلس.

المصدر : الجزيرة