الرئيسة \  تقارير  \  الاختبار الحاسم لألمانيا لم يأت بعد

الاختبار الحاسم لألمانيا لم يأت بعد

07.02.2023
يوخن بيتنر

الاختبار الحاسم لألمانيا لم يأت بعد
يوخن بيتنر
الشرق الاوسط
الاثنين 6/2/2023
بعد أشهر من التردد والتوتر وانعدام اليقين، التزمت ألمانيا أخيراً بإرسال دبابات “ليوبارد - 2” إلى أوكرانيا. كان التأخير مقياساً لأهمية القرار. وبالنسبة لبلد طالما كان حذراً من التدخل العسكري النشط في الصراعات، فإن إطلاق آلته الحربية الأكثر تقدماً لخوض المعركة ضد القوات الروسية يشكل أهمية بالغة. لقد تخلصوا من إحدى المحرمات.
كشف هذا القرار عن لغز ما. من هو الرجل الذي يقود ألمانيا أثناء أشرس صراع في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية: عبقري استراتيجي أم متسكع واهن العزيمة؟ بعد مرور أكثر من عام على توليه منصبه، يظل من الصعب حل مشكلة المستشار أولاف شولتز. فمن جهة، سوف يجلب اتفاقه مع الولايات المتحدة قوة عسكرية أكبر من المتوقع لأوكرانيا. ومن جهة أخرى، استغرق الأمر منه نصف عام من الضغط المتزايد من الحلفاء، والشركاء في التحالف، وأجزاء كبيرة من الصحافة الألمانية، للتحرك بشأن هذه القضية، الأمر الذي سلب أوكرانيا وقتاً لا تملكه.
لذا، هناك أمر ما لكلا التفسيرين. ومع ذلك، فإن فك شيفرة السيد شولتز أمر بالغ الأهمية، ليس لفهم السنة الأولى له في منصبه بقدر ما هو أمر أساسي لتخطي الأشهر المقبلة. لأن السؤال الحاسم للسيد شولتز - وكذلك بالنسبة لحلف شمال الأطلسي ككل - ليس ما إذا كان سيرسل دبابات قتالية إلى أوكرانيا. بل إنها مسألة ماذا يتعين على الغرب أن يفعل بمجرد أن تبدأ أوكرانيا في استخدام هذه الدبابات، خصوصاً في أي تقدم محتمل نحو شبه جزيرة القرم. ورغم كل أهمية الأسبوع الماضي، فإن هذا الاختبار لا يزال على الطريق.
حتى الآن، كان المستشار خجولاً بشكل ملحوظ: فهو يميل إلى التأني حتى يأتي الدفع إلى شولتز. ولم يتدخل في معركة توسيع الطاقة النووية إلا بعد أن أمضى وزراؤه من حزب الخضر والليبراليون في الحكم عدة أشهر وهم يخمشون أظافرهم السياسية في أعين بعضهم البعض. واستغرق الأمر عاماً كاملاً قبل أن يعد اختياره الأصلي لوزيرة دفاع غير مناسبة لهذا المنصب. وبدلاً من إقالتها بسبب سلسلة من الأخطاء الفادحة، انتظر حتى استقالت بنفسها.
كان ميل السيد شولتز إلى الانتظار حتى اللحظة الأخيرة للتصرف - نوعاً من المشاهدة الاستراتيجية - أشد ضرراً عندما تعلق الأمر بأوكرانيا. وفي الأشهر التي استغرقها الأمر لصياغة صفقة الدبابة التي أبرمها، سقط آلاف الأوكرانيين من القنابل والصواريخ والمدفعية الروسية. بل وربما يموت المزيد من الأوكرانيين والروس في غضون الأشهر التي سوف يستغرقها الأمر الآن لتشغيل الدبابات، سواء الأميركية منها أو الألمانية.
هذه الوفيات، بالطبع، ليست خطأ السيد شولتز. لكن اتخاذ قرار أسرع وأكثر جرأة بشأن الدبابات كان من شأنه التخفيف من حدة الموقف، والسماح للأوكرانيين بتحقيق اختراقات حاسمة، وتحويل ديناميكيات ساحة المعركة لصالحهم. لكن بدلاً من ذلك، وكما حذر المؤرخ البريطاني تيموثي غارتون آش، فإن الصراع مُهدد بالتحول إلى “مأزق متصاعد”، حيث يلجأ الجانبان إلى حرب الخنادق على غرار الحرب العالمية الأولى.
يُعد تأمين الدعم الأميركي، في صورة 31 دبابة “أبرامز”، نجاحاً معتبراً بصفة عامة. لكن هناك عائقاً هنا أيضاً. فمن خلال الإصرار على أن الولايات المتحدة تجازف بالقدر نفسه في مواجهة فلاديمير بوتين بالدبابات القتالية، أظهر شولتز افتقاراً إلى الإيمان بمبدأ أساسي في حلف شمال الأطلسي ذاته.
فالمادة الخامسة تنص على أن أي اعتداء على عضو واحد سيعد هجوماً على جميع الأعضاء. وقال رودريك كيسويتر، خبير السياسة الخارجية في “الحزب الديمقراطي المسيحي” المعارض، “فرض هذه القضية بالقوة يُقوض مصداقية التحالف”.
يُطلق السيد شولتز بفخر على ذلك مسمى “مسؤولية” تأمين درجة إضافية من الطمأنينة. ويُقال إنه يرى تحركه في تقليد أحد أسلافه في منصب المستشار، هيلموت شميدت. السيد شميدت، وهو أيضاً اشتراكي ديمقراطي، ضغط على الأميركيين لنشر صواريخ “بيرشينغ - 2” متوسطة المدى في ألمانيا في الثمانينات. وأراد أن تكون واشنطن قادرة على الرد بالمثل إذا هاجم السوفيات أوروبا بصواريخ “إس إس - 20” الجديدة.
غير أن النية الرئيسية لدى السيد شميدت كانت سد الثغرة الدفاعية، بينما يبدو أن السيد شولتز يسعى إلى سد ثغرة في الشجاعة. الرأي العام الألماني منقسم بشأن قرار دبابات “ليوبارد”، خصوصاً أن ألمانيا لا تمتلك رادعاً نووياً خاصاً بها. ولكن هل كان من الحكمة الاستفادة من هذا القلق ضد شريك قوي في التحالف مثل الولايات المتحدة؟ وكان من الواجب للزعامة الحقيقية أن تعني العكس: استخدام التحالف مع الولايات المتحدة - الذي دام لفترة طويلة، والذي يشكل قيمة لا جدال فيها - لتهدئة مخاوف ألمانيا. وحقيقة أن السيد شولتز لم يلجأ لهذا الخيار سوف يُذكرُ دائماً، ليس فقط في واشنطن، وإنما أيضاً في موسكو.
هناك دليل أخير على تباطؤ السيد شولتز، وهو دليل ينبغي على الحلفاء في الشرق والغرب أن يأخذوه في الاعتبار. فالمستشار يرفض بثبات أن يتفوه بعبارة نطق بها أغلب الزعماء الغربيين الآخرين حتى الآن: أوكرانيا يجب أن تفوز في هذه الحرب. ويذهب السيد شولتز إلى حد القول بأن أوكرانيا يجب ألا تخسرها. لماذا؟ السبب الأكثر ترجيحاً هو الإشارة إلى المسؤولين الأوكرانيين بأن الانتصار كما يتصورون - بما في ذلك استعادة شبه جزيرة القرم - ليس ما تفكر فيه ألمانيا.
في هذا الصدد، يمكن تبرير حذر السيد شولتز. وبقدر ما، يستطيع المرء المجادلة بشأن الخطوط الحمراء التي وضعها بوتين، فإن امتلاك شبه جزيرة القرم هو بلا شك أمر يُصمم الرئيس الروسي على الالتزام به. فشبه الجزيرة ليست مقدسة فقط بالنسبة لبوتين كمكان لتعميد الأمير فلاديمير الكبير، والد المسيحية الروسية قديماً، وإنما تعد أيضاً مقدسة بالنسبة إليه شخصياً. إن مصير شبه جزيرة القرم من المرجح للغاية أن يحدد مصيره.
إذا خسر بوتين شبه جزيرة القرم، فإنه سوف يفشل في الوفاء بالوعد الذي قامت عليه الحرب برمتها في أوكرانيا، ألا وهو: استعادة المجد والعظمة الوطنيين، والتعويض عن الإهانات التي ألحقها الغرب بروسيا منذ سقوط الاتحاد السوفياتي، كما يرى السيد بوتين. ولن تكون استعادة أوكرانيا لشبه جزيرة القرم مجرد هزيمة إقليمية فحسب. فمن الناحية النفسية، فإن الأمر سيكون أكثر خطورة من ذلك: إهانة الجهود الرامية إلى إبطال الإذلال. ولا أحد يدري ما إذا كان بوتين قد يلجأ في لحظة الانهيار إلى ضربة نووية لتجنب هذا التدهور المُطلق.
في هذا السياق، فإن أي محاولة من أوكرانيا لاستعادة شبه جزيرة القرم باستخدام الدبابات الغربية لا بد أن تثير القلق لدى فئة أكثر من ضعاف القلوب. ويحب السيد شولتز أن يقدم تباطؤه بأنه تصرف يتسم بالحكمة لا يعترف به الآخرون إلا بعد فوات الأوان. لكن عندما يتعلق الأمر بشبه جزيرة القرم، فمن المؤكد أن استراتيجية الحذر التي ينتهجها لن تصمد. وسوف يكون لزاماً عليه الكف عن لعب دور المتفرج ثم التصرف.