الرئيسة \  تقارير  \  التطبيع التركي - السوري لم يعد أولوية

التطبيع التركي - السوري لم يعد أولوية

24.01.2023
علي حماده

التطبيع التركي - السوري لم يعد أولوية
النهار العربي
علي حمادة
الاثنين 23/1/2023
 يبدو أن الجهود التركية للتطبيع مع النظام السوري لم تعد بنداً عاجلاً على جدول الأعمال الإقليمي. فالجهود التي اضطلع بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لإحداث خرق في العلاقات مع النظام السوري برعاية روسية وصلت إلى حائط شبه مسدود أقله في الوقت الراهن.
هدف الرئيس التركي من التقارب مع النظام السوري كان في سياق المناورة في كل مكان وموضع، تحسين موقعه التفاوضي الخارجي من ناحية، ومن ناحية أخرى تحسين وضعه الداخلي في وقت يقترب موعد الانتخابات الرئاسية والعامة المقررة في 14 أيار (مايو) المقبل، ولا سيما أن الرئيس أردوغان يواجه تحديات جمة جراء تردي الأوضاع الاقتصادية في البلاد، والتخبط في السياسة الخارجية والتورط في العديد من النزاعات الإقليمية. وقد شجعت موسكو المأزومة في حربها في أوكرانيا أنقرة على انتهاج مسار التقارب بين الطرفين في وقت لا يزال الرئيس التركي يدير علاقته المتقلبة مداً وجزراً مع الغرب، وفي المقدمة الولايات المتحدة التي وقفت بقوة ضد قيام تركيا بعملية عسكرية في الشمال السوري ضد مواقع "قوات سوريا الديموقراطية"، كما جارتها روسيا في الموقف عينه مخافة أن تهتز التوازنات في سوريا حيث تخضع البلاد لتوازن بين عدة قوى احتلالية من الشمال إلى الجنوب.
 ومع أن العديد من المراقبين رأوا أن مصلحة أردوغان في التقارب مع الرئيس بشار الأسد هي مصلحة محدودة الأفق، نظراً إلى أن الطرفين على عداء مستحكم، وخيار أردوغان في التقارب مع النظام لا يعدو كونه مناورة قصيرة الأمد لا أكثر، فقد راهنت روسيا على التقارب الذي يريحها بعض الشيء في مقابل تراجع وجودها العسكري على الأرض بفعل الحرب في أوكرانيا، ويمكن أن يمنحها انتصاراً عسكرياً مجانياً لا تحتاج فيه أن تقوم بأي جهد عسكري من أجل بلوغه. وبالرغم من حصول عدد من اللقاءات بين الطرفين السوري والتركي بترتيب من الرئيس فلاديمير يوتين شخصياً فقد استمرت الصعوبات  تواجه عملية التقدم في التقارب الذي كان ولا يزال يفتقد الى المحفزات المغرية الكافية من اجل المضي به قدماً.
 فالرئيس التركي يريد من خلال التطبيع مع النظام السوري، الذي يمنحه تفوقاً استراتيجياً حيث هو في الشمال على القوات الكردية، أن يستغني عن عملية عسكرية مكلفة ومرفوضة أميركياً، روسياً وإيرانياً. ومن هنا فهو  يفكر من خلال استخدام ورقة التطبيع مع نظام الأسد للضغط على واشنطن في العديد من المجالات، أولها أنه يريد لنفسه دوراً أكثر أهمية في الوساطات حول حرب أوكرانيا ويريد إتمام صفقة طائرات أف-16 بسرعة، وطرح ملف "قوات سوريا الديموقراطية" على بساط البحث في مسعى منه لإقناع واشنطن بأنه قادر على أن يكون ضامناً لمصالح الولايات المتحدة في سوريا حيث توجد تلك القوات. وهو يضيف إلى ورقة التطبيع مع نظام الأسد ورقة حلف شمال الأطلسي "الناتو" ومشروع انضمام كل من فنلندا والسويد الى الحلف، والذي يتعمد عرقلته.
أما على المستوى الداخلي فإن هدف أردوغان استخدام ورقة التطبيع من أجل طرح مشروع إعادة مليون لاجئ سوري الى الأراضي السورية بالاتفاق مع الأسد، مما يكسبه جولة مع المعارضة التي ترفع ورقة اللجوء السوري في معركتها ضد أردوغان.
 رغم وجود مصلحة لدى الطرفين في التطبيع، يظل هامش المصلحة ضيقاً للغاية، حيث أن الأسد وتحت تأثير الضغوط الإيرانية رفع "بطاقة صفراء" بوجه أردوغان عندما قال وزير الخارجية فيصل المقداد "لا يمكن الحديث عن إعادة العلاقات الطبيعية مع تركيا دون انهاء الاحتلال"! هذا ما لا يمكن لأردوغان أن يقبل به. فالتنازل عن المكاسب الاستراتيجية على الأراضي السورية لا يزال من المبكر تقديمه قبل الحل النهائي في سوريا. وأنقرة تعرف أن مصير النظام معلق بانتظار حصول اتفاق دولي حول سوريا. وتركيا لا يمكنها أن تخرج من اللعبة فيأتي الإيرانيون ليحصدوا المكاسب المجانية. وإذا ما أضفنا عاملاً آخر تمثل في الأيام الأخيرة برفع  واشنطن وتيرة اتصالاتها مع أنقرة من خلال الزيارة التي قام بها وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو الى العاصمة الأميركية واجتماعه مع وزير الخارجية أنتوني بلينكن، يمكن القول إن الأمور عادت الى نقطة المراوحة، أي الى مرحلة ما قبل اعلان تركيا عن تصميمها على اطلاق عملية عسكرية في الشمال السوري.
 يبدو من خلال هذا كله أن الأطراف المعنية بالوضع السوري، أي الولايات المتحدة، روسيا، إيران، إسرائيل وتركيا عادت من الناحية العملية الى "الستاتيكو" السابق بانتظار تفاهمات كبيرة بشأن مصير النظام وسوريا عموماً. والخلاصة أن الأزمة السورية تبقى مفتوحة.