الرئيسة \  تقارير  \  التغيير في سوريا مصلحة عربية

التغيير في سوريا مصلحة عربية

21.07.2024
حسان الأسود



التغيير في سوريا مصلحة عربية
حسان الأسود
سوريا تي في
السبت 20/7/2024
رغم توقف العمليات العسكرية الكبرى في سوريا منذ استعادة نظام الأسد السيطرة على محيط دمشق والجنوب وبعض المناطق الشمالية على حساب قوات المعارضة السورية، إلا أنّ التوتر ما يزال قائمًا في جميع مناطق سلطات الأمر الواقع، سواء أكانت داخلية ضمن المناطق ذاتها أم خارجية بفعل الاحتكاك مع جوارها السوري أو الإقليمي.
داخل المناطق، ثمّة اختلاف في مستويات الأمن. فمنطقة سيطرة هيئة تحرير الشام تعتبر الأكثر ضبطًا بسبب حاجة القيادة هناك لتثبيت نفسها عنصرًا يمكن الاعتماد عليه مستقبلًا. ورغم القصف المتواتر من قوات النظام وحلفائه، إلا أنّ منطقة إدلب وما يتبعها أفضل حالًا من جاراتها الواقعة تحت الإشراف التركي المباشر. أما منطقة سيطرة قوات سوريا الديمقراطية فهي ثاني المناطق هدوءاً داخليًا. ورغم انتفاضة العشائر العربية العام الماضي ورغم القصف التركي المتزايد واستهداف كوادر الإدارة وحزب العمال الكردستاني، إلا أنها تبقى ذات مستوى أقل من العنف. يعود الأمر في كلتا المنطقتين المذكورتين لوحدة المرجعية السياسية والإدارية، على عكس مناطق النفوذ التركي.
في المناطق المذكورة أخيرًا، ثمّة عشرات الفصائل العسكرية والمجالس المحلية المختلفة، وتتبع المناطق الثلاث المسيطر عليها تركيًا، أي غصن الزيتون ودرع الفرات ونبع السلام، إلى ثلاثة ولاة أتراك يديرونها بأوامر مباشرة كما يديرون ولاياتهم. يخال المرء أنّ حالة الفوضى وتعدد المرجعيات في تلك المناطق مسألة مقصودة لتسهيل التبعية وتفتيت الإرادة الشعبية المناهضة لمحاولاتٍ متدرّجة لتغيير هوية المنطقة.
في مناطق سيطرة النظام الثابتة مثل الساحل وحمص وحماة ودمشق وريفها ثمّة استقرار أمني واضح، السبب مختلف نوعًا ما بين ما كان منها خارج سيطرته وعاد إليها وبين ما لم يخرج عن سيطرته أصلًا. فالأولى تمّ التنكيل بأهلها وتهجيرهم وتدميرها بحيث لم يعد ثمّة إمكانية موضوعية فيها للمقاومة. أما الثانية فيأكل أهلَها الجوعُ والقهرُ علاوة على القبضة الأمنية الرهيبة فيها التي ازدادت مع توقف الحرب، وتبقى تلك المناطق عرضة لتجاوزات الميليشيات الإرهابية التي تعمل تحت نظر مخابرات الأسد. في مناطق درعا والسويداء ثمّة حالة أخرى مختلفة. فالأولى يُراد لها البقاء في حالة فوضى مستمرة، لأنها كانت الأقل تهجيرًا لشبابها ضمن صفقات التسوية. فاعتمد النظام سياسة التهجير الطوعي من خلال الضغط الممارس على الشباب المطلوبين للخدمة الإلزامية أو الاحتياطية.
ومن لم يفعل يتم تصفيته من خلال عمليات الاعتقال أو الاغتيال. ثمّة سياسة ممنهجة تتركز في تسهيل وصول المتطرفين من الشمال والشرق عبر حواجز النظام وميليشياته والسماح لها بالاستقرار في مدن وقرى حوران. العملية الأخيرة التي قامت بها فصائل محلية بقيادة قوات أحمد العودة قبل عدة أشهر دليل على استشعار أهل المنطقة الخطر من تمدد هذه المجموعات المتطرفة.
 ثمّة سياسة ممنهجة لاستنزاف الأردن ضعيف الموارد أساسًا في حرب يتقنها الحرس الثوري الإيراني.
السويداء حالة ثانية مختلفة
فالنظام لم يبادر حتى اللحظة للتدخل العسكري فيها خوفاً من اهتزاز السردية التي حرص على ترويجها منذ بداية الثورة ضدّه. لا بدّ أنه أخذ بعين الاعتبار الضغوط الروسية التي منعته من استعمال الحل العسكري مع أهل السويداء، مع ذلك نراه يحاول بين الفينة والأخرى التذكير بإمكانية التصعيد الأمني والعسكري، من ذلك نصبه الحواجز العسكرية ومحاولته فرضها والاشتباك مع الأهالي كما حصل قبل شهر، ومحاولته جرّ المواطنين في ساحات الكرامة للصدام العنيف كما حصل يوم الإثنين 15/7/2024 عندما أطلق النار عليهم وأصاب مدنيًا أعزل سبعيني العمر.
كان للشيخ موفق طريف دورٌ حاسمٌ في الموقف الروسي الضاغط على النظام لمنعه من تجاوز الخطوط الحمراء هناك. مع ذلك، ما تزال قبضته الأمنية والعسكرية متحكمة، فعدد القوات العسكرية والأمنية الموجودة في المحافظة وحولها لا يمكن إغفالها. يعمل النظام على رعاية مجموعات الخطف وتهريب المخدرات ليخترق فيها بنية المجتمعات المحلية ومجتمعات الدول المجاورة.
من ذلك ما تشهده الحدود السورية الأردنية من تحرشات بدأتها عصابات معروفة بعمليات ممنهجة تقوم على تهريب المخدرات والأسلحة وتحطيم خطوط دفاع المملكة عن حدودها الخارجية. من يقوم بهذه الحرب المستترة مجموعة من الميليشيات المحلية من أبناء المناطق المحاذية من درعا والسويداء وبدو المنطقتين، وهي موجّهةٌ ومدعومة من حزب الله والفرقة الرابعة بقيادة ماهر الأسد والحرس الثوري الإيراني.
تشتبك القوات المسلّحة الأردنية بوتائر متفاوتة مع مهربي السلاح والمخدرات، وقد بات الاشتباك من قبل هذه العصابات والميليشيات الداعمة لها هدفًا بحد ذاته وليس مجرد وسيلة لإنجاح عمليات التهريب أو الإفلات من الملاحقة.
 حاول الأردنيون الاستثمار مع النظام من خلال مبادرتهم التي أقنعوا بها العرب، لكنهم فشلوا. لم يتحقق الأمن ولا الاستقرار الذي كانت تتمتع به مناطقهم الحدودية عندما كانت غالبيتها تحت سيطرة قوات الجيش السوري الحر وفصائل المعارضة المسلّحة.
ثمّة سياسة ممنهجة لاستنزاف الأردن الضعيف الموارد أساسًا في حرب يتقنها الحرس الثوري الإيراني، فلا خسارة المادة تؤلمه ولا العنصر البشري الذي هو من أبناء المنطقة ولا الدمار المجتمعي الحاصل هناك، بل على العكس، كل ذلك يصبّ في المصلحة النهائية لنظام الحكم في إيران.
كانت الأخطاء الكبيرة في تحديد الأهداف من قبل سلاح الجو الملكي الأردني مضرّة بشكل واضح لمشروعيتها الشعبية، فالضحايا كانوا غالبًا من المدنيين الأبرياء، وقد يعود هذا للمعلومات المضللة التي حصلت عليها الاستخبارات الأردنية سواء من قبل عملائها المحليين أم من قبل أجهزة النظام السوري الأمنية.
انعكس ذلك في المحصلة على حنق أهالي السويداء وتصاعد وتيرة لهجتهم ضدّ هذا الاستهتار بحيواتهم وأرزاقهم. أدى ذلك أيضًا لتحضيرات داخلية من قبل بعض المجموعات المحلية المسلحة مثل رجال الكرامة بهدف ضبط موضوع الاعتداءات الممنهجة على المملكة وأراضيها، لكنها تبقى محدودة الأثر باعتبار أنّ مناطق انتشار هذه المجموعات لا يمكن أن تغطي سوى أجزاء بسيطة من المحافظة، والبقيّة من سهول وجرود ومناطق حدودية وعرة وخارج مناطق العمران هي تحت سيطرة قوات النظام والميليشيات الداعمة له.
حاول الأردنيون الاستثمار مع النظام من خلال مبادرتهم التي أقنعوا بها العرب، لكنهم فشلوا. لم يتحقق الأمن ولا الاستقرار الذي كانت تتمتع به مناطقهم الحدودية عندما كانت غالبيتها تحت سيطرة قوات الجيش السوري الحر وفصائل المعارضة المسلّحة. لم يدرك الأردنيون ولا العرب بعد أنّه لا مصلحة لإيران، المتحكّم الأكبر بسلوك النظام في استقرار المنطقة، بل يسعى حكّامها للوصول إلى حالة تفتيتٍ لجميع الدول العربية في المشرق وإحلال الميليشيات محلها بحيث تصبح إيران الدولة الوحيدة المسيطرة في المنطقة بمواجهة تركيا وإسرائيل. يخشى السوريون قبل جيرانهم وإخوانهم الأردنيين والعرب سيناريو انهيار الأردن ودول الخليج، فهذه أملهم الوحيد في استعادة بلدهم من القبضة الإيرانية. لكن على الأشقاء العرب أن يدركوا أنّ الاستقرار الذي ينشدونه لا يمكن أن يأتي من نظامين قاما أساسًا على الابتزاز ونشر الجريمة والفوضى والدمار. على الأردنيين والسعوديين والمصريين أن يقرؤوا التاريخ إن لم يكونوا قادرين على قراءة الحاضر. فكما يقول المثل الدارج "عدّو جدّك ما يودّك"، ولا يمكن لهذين النظامين المارقين أن يعملا على استقرار المنطقة. أليس الأفضل للحكّام العرب التأقلم مع متغيرات القرن الواحد والعشرين والقبول ببعض الحقوق لشعوبهم على الانهزام التام أمام مشاريع الغزو الخارجية؟ سؤال يفرضه استحقاق التغيير المنشود سوريًا والذي يصبّ في مصلحة العرب قبل السوريين.