الرئيسة \  مشاركات  \  التقارب التركي – الروسي ... الدوافع والأهداف

التقارب التركي – الروسي ... الدوافع والأهداف

21.12.2016
حسان القطب




إن اغتيال السفير الروسي في انقرة يؤكد ان مشاعر العداء لروسيا وكل فريق يؤيد نظام الاسد او يشارك في قتل وتهجير وتشريد الشعب السوري بدات تخرج عن السيطرة ولم يعد فعل الهجوم او ارتكاب هجمات فردية غير متوقعة هو نتيجة تخطيط مجموعات مسلحة بل عبارة عن رد فعل وتعبير عن مشاعر معارضة بل ورافضة للتغاضي او للتورط في جرائم موصوفة ضد الشعب السوري او العراقي..وغيرهم من شعوبنا العربية وهذا ما يجب ان يفهمه كل فريق متورط في ذبح وتهجير الشعب السوري.. فقد قتل شرطي تركي شاب السفير الروسي في أنقرة أندريه كارلوف خلال مشاركته في معرض للتصوير في انقرة، ثم هتف بأن فعلته «انتقام لحلب»، ومع ذلك أكدت موسكو أنه لن يؤثر في الاجتماع الثلاثي الذي تستضيفه .. كان من المفترض ان يؤدي هذا الحادث الى توتر في العلاقات التركية – الروسية، او على الاقل الى تأجيل الاجتماع، ولكن نقلت وكالة «إنترفاكس» عن مسؤول روسي أن المحادثات الروسية - التركية - الإيرانية المقررة اليوم في موسكو للبحث في أوضاع حلب، ستعقد في موعدها رغم الاغتيال. واعتبر الرئيس التركي أردوغان: (هجوم أنقرة استفزاز يستهدف تدمير التطبيع مع روسيا..ولكن الإدارتين الروسية والتركية تملكان الإرادة الكافية للتصدي لهذا الاستفزاز.).. كما أعلن بوتين أن: ( اغتيال السفير كارلوف استفزاز يستهدف العلاقات الطيبة بين روسيا وتركيا والتسوية في سوريا. وشدد على ضرورة معرفة «من وجَّه يد القاتل»، مؤكداً أن الرد الوحيد على اغتيال السفير هو تعزيز محاربة الإرهاب.).. العلاقات التركية – الروسية بدأت تتغير بعد الانقلاب الفاشل في تركيا.. وتحولت حالة الخصام والعداء بين البلدين الى تفاهم وتعاون في ملفات اقتصادية وسياسية وكذلك الامنية، خاصةً تلك المتعلقة بالشأن السوري..؟؟
نشر احد المواقع الالكترونية (ايلاف).. منذ ايام تقريراً ورد فيه..(منذ ايام فجر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قنبلة سياسية حين كشف عن أن عملية إجلاء المسلحين من شرق حلب كان تم التوصل إليها خلال زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى بطرسبورغ في آب/ أغسطس الماضي. وقال الرئيس الروسي في مؤتمر صحفي في طوكيو، أن موسكو اتفقت مع أنقرة على مساهمة تركيا في إخراج هؤلاء المسلحين الذين سيوافقون على إلقاء السلاح من أجل حماية المدنيين قبل كل شيء.  وأكد بوتين أن موسكو تجري مباحثات مكثفة مع المعارضة السورية بوساطة تركية، مشيرا إلى إمكانية إجراء جولة جديدة من هذه المباحثات في كازاخستان، إذا وافق الأطراف المعنية على ذلك. وأوضح أن مثل هذه المباحثات في حال إجرائها ستكمل المباحثات الجارية في جنيف. أضاف: "أينما كان مكان اجتماع الجانبين المتنازعين، فمن الصحيح عقد هذا الاجتماع والسعي إلى إيجاد تسوية سياسية"... وذكر الرئيس الروسي: "اتفقت مع الرئيس أردوغان هاتفيا على أن نطرح على الجانبين المتنازعين، من جهتنا لحكومة سوريا، ورئيس تركيا لممثلي المعارضة المسلحة، مواصلة عملية مفاوضات السلام في منصة جديدة، وأكد الرئيس الروسي على أهمية تحرير حلب من المسلحين، قائلا: "مسألة تدمر، على ما يبدو لي، رمزية بحت. أمام حلب فإنها بالطبع موضوع بالغ الأهمية من الناحية السياسية العسكرية".)..
-          واضح من كلام بوتين ان النظام السوري اصبح بالكامل تحت الرعاية الروسية.. والمطلوب هو ان تكون المعارضة السورية تحت رعاية واحدة، وتركيا هي الدولة المخولة والمفوضة.. ومن هنا بدا الحديث مؤخراً حول حدوث سلسلة اجتماعات بين الفصائل العسكرية للتوصل إلى صيغة اندماج مشتركة للشمال السوري، وتتلخص هذه الاجتماعات في حل الفصائل (14 فصيلا) نفسها ذاتيًاً بقرار داخلي، وإعلان اندماجها كاملة في كيان جديد قد يطلق عليه اسم "الهيئة الإسلامية السورية" أو اي اسم آخر. وهذا طبعاً بطلب وبرعاية تركيا..ياتي تنفيذاً للاتفاق الذي تم بين اردوغان وبوتين كما اشار الاخير، مما يسمح باقامة حوار  للخروج من الازمة التي طال امدها..ويضع حد للهيمنة الايرانية على النظام السوري وساحة المعارك في سوريا...؟؟
-          التقارب التركي – الروسي اثار حفيظة ايران وقلقها وفي اشارة واضحة لهذا القلق في طهران، إذ قال الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي أن إيران هي التي اقترحت عقد الاجتماع الثلاثي لبحث التطورات السياسية في سورية، ونقل أن اجتماعاً آخر سيعقد في العاصمة الكازاخستانية آستانة بين روسيا وتركيا وبعض المعارضين السوريين الذين أجروا اتصالات أخيراً مع موسكو، مشدداً علی أن هذا الاجتماع لا علاقة له بالاجتماع الثلاثي غداً في موسكو. ورأی أمين مجمع تشخيص مصلحة النظام محسن رضائي أن أي قرارات تتخذ في شأن سورية من دون مشاركة إيران لا يكتب لها النجاح، في إشارة واضحة إلى التنسيق الروسي - التركي في شأن حلب، في حين حذرت صحيفة «سياست روز» الأصولية من استبعاد إيران من أي اتفاقات قد تحدث بين الروس والأتراك. وكانت شرطة مكافحة الشغب الإيرانية طوقت أمس السفارة التركية التي تقع وسط العاصمة طهران تحسباً لتظاهرة دعت إليها أوساط متشددة للتنديد بالدور التركي «المؤيد للحركات الإرهابية» علی حد وصفها. من جهتها نفت تركيا أمس، إبرام أي «صفقة» سرية مع روسيا حول مستقبل سورية، قبيل اجتماع وزاري مهم يشمل إيران، على رغم تحسّن التعاون الذي أفضى الى اتفاق حول عمليات إجلاء من حلب.
-          رعاية هذا الاتفاق وتعزيز هذا التفاهم تتطلب تطوير وحماية المصالح الاقتصادية بين الدولتين التي هي اكثر اهمية من مقتل سفير او تهجير مدينة وتشريد سكانها .. حاجة روسيا لممر استراتيجي لتصدير الغاز الروسي الى اوروبا بعيداً عن اوكرانيا المضطربة والمنقسمة، وسعيها لتجاوز العقوبات الاوروبية والاميركية المفروضة عليها نتيجة الازمة الاوكرانية، دفعها للتفاهم مع تركيا وتجاوز مشكلة اسقاط الطائرة الروسية العام الماضي.. لذلك وفي مطلع الشهر الجاري..صادق البرلمان التركي، على اتفاق بين روسيا وتركيا يخص بناء خط الغاز "التيار التركي".- الروسي الى أوروبا، يوم 10 تشرين الأول/ أكتوبر، وينص على بناء خطي أنابيب غاز رئيسيين تصل طاقة كل منهما إلى 15.75 مليار متر مكعب، الخط الأول مخصص لتوريد الغاز مباشرة إلى السوق التركي، أما الآخر لتوريد الغاز عبر الأراضي التركية إلى الدول الأوروبية، والجدير بالذكر أنه تقرر استئناف العمل على تنفيذ مشروع "التيار التركي" لنقل الغاز الروسي إلى أوروبا، خلال المباحثات بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان في سان بطرسبورغ يوم 9 آب/أغسطس الجاري. تركيا من جهتها بحاجة للاستمرار في تنفيذ خطط التنمية الطموحة التي اطلقتها منذ تسلم حزب العدالة والتنمية السلطة، تلكؤ اوروبا والولايات المتحدة في تفهم حاجات تركيا دفع الرئيس التركي اردوغان الى التوجه نحو موسكو لاعادة انتاج وتطوير العلاقات بين البلدين.. كما تجدر الاشارة الى ان مرور الغاز الروسي نحو اوروبا عبر تركيا، يتطلب ويستدعي استقرار تركيا وعدم تشجيع اثارة اي قلق او اضطرابات فيها..فاستقرار تركيا اصبح حاجة ورغبة روسية ومطلب اوروبي...في آنٍ معاً..؟؟
-          الهم والقلق الامني هو مشترك بين البلدين.. روسيا قلقة من تزايد نفوذ الاسلاميين في دول الشرق الاوسط وتأثيره المحتمل على المسلمين في روسيا، الذين يتجاوز عددهه 25 مليون نسمة اي حوالي سدس السكان الروس..كما تدرك روسيا العلاقة العاطفية والتاريخية التي تربط تركيا بمسلمي روسيا..وتأثيرها عليهم، اضف الى ذلك قلق موسكو من التأثير الديني للنظام الايراني على المواطنين الروس الشيعة..وهذا ما بدا لها جلياً من خلال تشكيلها ميليشيات شيعية في كل بلدٍ استطاعت التسلل اليه او انتاج علاقات مع الاقليات الشيعية فيه..ووجه الصراع في سوريا يشكل لها نموذجاً واضحاً ومثالاً حياً.. تركيا من جهتها قلقة من التعاون الكردي – الاميركي، ومحاولة الولايات المتحدة تزويد الميليشيات الكردية بالسلاح وتدريبها، واقامة قواعد عسكرية اميركية في مناطق النفوذ الكردي في سوريا والعراق... لكن التفاهم التركي – الروسي، اطاح بمحاولات الاكراد التقرب من موسكو، والذي تجلى في زيارات متعددة لقادة اكراد لموسكو.. وتلميحات موسكو التي اطلقتها حينها بتفهمها للأزمة الكردية وتعاطفها مع المطالب الكردية.. قد توقفت الان..؟؟ تقارب تركيا وروسيا، انهى هذا الغزل، وسمح لتركيا بدخول الساحة السورية واحتلال اجزاء من شمال سوريا ومنع الاكراد من اقامة كانتون كردي على غرار اقليم كردستان العراق، بتفهم روسي كامل بل وبتعاون ايضاً تحت ذريعة قتال تنظيم داعش..؟؟
-          تدرك تركيا ان هيمنة ايران على العراق وسوريا سوف تفصلها وتعزلها عن العالم العربي الذي يشكل لها سوقاً تجارياً وشريكاً اقتصادياً قوياً ويعتمد عليه..كما تشعر روسيا ان بقاءها عسكرياً كقوة احتلال في سوريا غير ممكنة بالرغم من حصولها من النظام الحالي على قواعد عسكرية، لأن الثوار في سوريا لن يقوموا بالقاء السلاح دون التوصل الى حل سياسي مقبول..كما ان الميليشيات الطائفية التابعة لايران سوف تصطدم عاجلاً ام آجلاً بالوجود الروسي في سوريا حفاظاً وخدمةً لمصالح ايران التي تطالب بثمن التورط في سوريا.. وسخرية الروسي العقيد ميخائيل خوداريونوك، المحلل العسكري في صحيفة "غازيتا.رو" الروسية، من ميليشيات حزب الله والحرس الثوري الايراني وميليشيا النجباء العراقية في معركة تدمر تؤشر الى عدم الثقة بهذه الميليشيات وبدورها...؟؟ ..لذلك وجدت روسيا ان تفاهمها مع تركيا القوية والقوة الاقليمية المؤثرة على الساحة السورية والعربية والدولية، يخرجها من التورط في صراع مسلح لا حدود له بل ولا افق لنهايته قريباً.. مما قد يتسبب لها بازمات امنية واقتصادية وحتى سياسية.. مع المجتمع الدولي وعدم بلوغ حالة العداء مع العالم العربي، وما قد يشجع على تفاقم ازمة التطرف في روسيا نفسها..؟؟
من هنا يمكن القول ان المصالح الروسية – التركية، اصبحت متقاربة بل ربما في بعض المفاصل متطابقة وخاصةً امنياً واقتصادياً..وله دوافعه واهدافه  ومن بينها بل واهمها القلق من الدور الايراني غير الايجابي في دول الشرق الاوسط ودول وسط آسيا، والتطرف الديني الذي ترعاه ايران، وتشجيعها على تهجير السكان وتغيير ديموغرافيا سوريا كما يجري في العراق ايضاً بوادر غير مشجعة.. لذلك فإن مقتل السفير الروسي لم ولن يترك آثاراً سلبية على العلاقات بين البلدين، بل سوف يحث البلدين على تسريع انجاز الحلول لصراعات دول المنطقة المحيطة وتغيير الوجوه والادوات التي تثير القلق بل وتؤجج الصراعات... حتى لا يتفاقم التطرف.. وتفلت الامور من يد اللاعبين الكبار والاقليميين على حدٍ سواء..؟؟
مدير المركز اللبناني للأبحاث والاستشارات