الرئيسة \  مشاركات  \  التقارب الروسي-التركي: الأكراد, الخاسر الأكبر

التقارب الروسي-التركي: الأكراد, الخاسر الأكبر

13.08.2016
وليد فارس


شهدت العلاقات بين الإمبراطورية العثمانية والروس –تاريخياً- الكثير من التوتر بسبب الصراع على النفوذ في أراضي متجاورة, وقد شهد القرن العشرين بعض التهدئة بعد الحرب العالمية الثانية بعد قيام الثورة البلشفية وقيام الجمهورية التركية الحديثة, حيث بدأت التشنجات بالاستراحة بين الطرفين, وفي تسعينيات القرن الماضي تحسنت العلاقات الاقتصادية كثيراً وخاصة في مجال الطاقة والسياحة, وبعد وصول العدالة والتنمية للحكم تطورت العلاقات بشكل ملحوظ في الجانب الاقتصادي والأمني, وبقيت قضايا كثيرة عالقة بين الطرفين, وخاصة في مجال استضافة الروس للأكراد والسماح للبرلمان الكردي في المهجر بعقد جلسة في روسيا وكذلك تدريب مقاتلين, واستضافة قادة أكراد, كما بقيت مسألة اصطفاف الأتراك في جانب الغرب رغبةً في تطوير العلاقات معهم كالدخول في الاتحاد الأوربي والمشاركة في حلف الناتو ونشر منظومة صاروخية في تركيا لصالح الولايات المتحدة الأميركية.
وقد عادت العلاقات التركية الروسية للتوتر على خلفية انقسام الطرفين حول الملف السوري, ابتداءً بإيقاف طائرة شحن سورية على متنها أسلحة وخبراء روس متجهة لنظام الأسد عام2012, مروراً بنشر منظومة باتريوت على الحدود, وكذلك دعم الحكومة التركية لثوار سورية, إضافة لمسألة التقارب الروسي الإيراني وسواها من المسائل التي توجت باسقاط طائرة روسية من قبل الأتراك نهاية عام2015.
التقارب الأخير الذي بدأ بين البلدين له أرضية مشتركة مستمدة من جغرافية وتاريخ البلدين, فتطوير الاقتصاد, والتهدئة الممكن تعزيزها في منطقة البحر الأسود أبرز نقاط التقارب, فيما سيبقى الملف السوري مسألة معقدة كونها لا تتعلق بالأتراك والروس فقط, فهي قضية فوق ثنائية تتعلق بأطراف دولية مؤثرة بينها تشابكات وتقاطعات معقدة.
وبين دائرة الالتقاء ودائرة التنافر هناك دائرة ثالثة من المسائل التي يمكن أن يجذبها الأتراك والروس لصالحهم ويطوروا من خلالها علاقاتهم, وتأتي المسألة الكردية كأولوية في حسابات الحكومة التركية, كما يأتي التعاون الأمني ومنع هجمات على أراضي روسية أحد تلك الأولويات للنظام الروسي, ويعتقد أن الروس الذين لا يدعمون فكرة قيام كيان كردي في شمال سورية قابلين للتعاون والتنسيق في هذه المسألة, وعلى الرغم من التنسيق الروسي مع الأكراد في سورية, إلا أن الروس سيميلون في الفترة القادمة لحسم المسألة لصالح الأتراك, وستتخلى روسيا بشكل كبير عن دعم الأكراد, مما يعني أن الأكراد سيكونون نقطة ارتكاز أولية في ملف شائك يمكن تقسيمه إلى قضايا جزئية يجري التفاوض حولها جزء تلو الأخر.
لاشك أن الأكراد بابتعادهم عن الخيار الوطني السوري سيكونون أكبر الخاسرين حيث سيخسرون شركائهم الدوليين مرة وسيخسرون الشعب السوري الثائر مرة أخرى, ليس من التقارب الروسي التركي فقط, بل سيكونون خاسرين من تقاربات أخرى وحلول سياسية دولية وتفاهمات إقليمية, وسيجد الأكراد أنفسهم مستقبلاً قد ضحوا بالكثير في سبيل ابتعاد عن خيار وطني يمكن أن يسرع في حل الملف السوري, وقبولهم بأن يكونوا أدوات للجميع من أجل تحقيق الهدف.
وللأمانة, ليس الأكراد فقط عليهم الالتفات لهذا الدرس وإعادة حساباتهم, ولكن على جميع المغردين خارج سرب الخيار الوطني السوري أن يتسائلوا عن الثمن الذي سيدفعونه مقابل دعمهم.
حمص 11-8-2016